أمين العاصي
تشير المعطيات الميدانية إلى أن قوات النظام السوري بصدد القيام بعمل عسكري واسع النطاق لطرد فصائل المعارضة السورية من مناطق تسيطر عليها جنوب الطريق الدولي حلب – اللاذقية المعروف بـ”أم 4″، في خطوة باتجاه استعادة الحركة التجارية على هذا الطريق الحيوي، والتي باتت اليوم أولوية لدى النظام وحلفائه.
وذكرت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام، أمس الخميس، أن قوات الأخير استكملت استعداداتها لشن عملية عسكرية محتملة في ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الغربي لطرد فصائل المعارضة من جنوب الطريق الدولي “أم 4″، تمهيداً لافتتاحه أمام حركة المرور والترانزيت بـ”تفاهمات روسية أميركية”. وأكدت الصحيفة أنه “ستوضع الخطوط العريضة لهذه التفاهمات التي تصب في خدمة الرؤية الروسية لحل مستدام في المنطقة، بعيداً عن الأجندة التوسعية للنظام التركي”، في اجتماع يعقد في جنيف بين مسؤول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي الأميركي، بريت ماكغورك، ونائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فريشنين، والمبعوث الرئاسي الروسي إلى سورية، ألكسندر لافرنتييف.
ويأتي تلويح النظام بعملية عسكرية في شمال غربي سورية بعد أن حيّد أخيراً الجنوب السوري، من خلال اتفاقات تسوية جديدة هناك وتحديداً في محافظة درعا، سمحت له بصرف قوته العسكرية باتجاه محافظة إدلب. ووصلت في الأيام الأخيرة تعزيزات لقوات النظام ومليشيات محلية وطائفية تتبع للجانب الإيراني إلى محاور التماس مع فصائل المعارضة السورية في إدلب، في تمهيد كما يبدو لبدء عمل عسكري في حال عدم التوصل لتفاهمات بين الروس والأتراك لاستعادة الحركة التجارية على طريق “أم 4”.
ويعدّ الطريق “أم 4″، من أبرز الطرق الحيوية في سورية، وهو ما يفسر إصرار النظام والروس على السيطرة عليه من خلال دفع فصائل المعارضة السورية شمالاً لكيلومترات عدة. ويبدأ “أم 4” من مدينة اللاذقية، كبرى مدن الساحل السوري غربي البلاد، ثم يخترق ريف اللاذقية الشمالي الشرقي وصولاً إلى مدينة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي، ثم يمر بقرية فريكة قاطعاً ريف إدلب الجنوبي حيث يمر بالقرب من مدينة أريحا. وفي مدينة سراقب في ريف إدلب الشرقي، التي سيطر عليها النظام في الربع الأول من العام الفائت، يلتقي طريق “أم 4” مع طريق “أم 5” (دمشق – حلب) الآتي من مدينة حماة، ليشكلا طريقاً واحداً باتجاه مدينة حلب، كبرى مدن الشمال السوري. ويتجه الطريق “أم 4” من مدينة حلب إلى مدينة الباب في ريف حلب الشمال الشرقي، ومن ثم إلى منبج كبرى المدن في ريف حلب، حيث يمر بالقرب منها ويقطع نهر الفرات عبر جسر قرة قوزاق، ليدخل منطقة شرقي نهر الفرات، وصولاً إلى محافظة الحسكة في أقصى الشمال الشرقي من سورية.
وفي السياق، قال الباحث الاقتصادي في مركز “جسور” للدراسات، خالد تركاوي، في حديث مع “العربي الجديد”، إن الطريق الدولي “أم 4” هو “أهم الطرق في سورية”، مضيفاً: “كان يُستخدم في النقل وربط المحافظات ببعضها البعض”. وأشار إلى أن “استعادة الحركة عليه، تنشّط الحركة التجارية في مجمل المناطق السورية”. غير أن تركاوي رأى أن “إنعاش اقتصاد النظام يحتاج إلى ما هو أهم من الطرق”.
ولا تزال فصائل المعارضة السورية تسيطر على العديد من البلدات جنوب الطريق “أم 4″، أبرزها وفق مصادر محلية: فريكة، إشتبرق، الناجية، أريحا، معربليت، كفرلاتا، منطف، أورم الجوز، كفرحايا، شنان، مرعيان، الرامي، إحسم، رويحة، بينين، فركيا، قمة النبي أيوب، البارة، كفرشلايا، بسامس، جوزيف، معراتا، أرنبة، بلشون، بليون، بلين، كنصفرة، الموزرة، كفرعويد، الفطيرة، سفوهن، فليفل، عين لاروز، وبلدات أخرى في سهل الغاب في ريف حماة الشمالي الغربي، وجزء من ريف اللاذقية الشمالي الشرقي.
وأوضحت المصادر التي تحدثت لـ”العربي الجديد”، أن الجيش التركي أنشأ نحو 30 نقطة في جنوب الطريق “أم 4″، وهو ما يؤكد أن الأوضاع في هذه المنطقة شديدة التعقيد، حيث يرفض الأتراك أي عمليات عسكرية في الشمال الغربي من سورية الذي يضم أكثر من 4 ملايين مدني من المرجح اندفاعهم اتجاه الأراضي التركية في حال تقدم قوات النظام.
ولا يزال الشمال الغربي من سورية محكوماً بتفاهمات روسية تركية وُثّقت باتفاق موسكو في مارس/ آذار من العام الفائت في العاصمة الروسية بين الرئيسين رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين. ولكن يبدو أن الجانب الروسي مستاء لعدم استعادة الحركة على الطريق الدولي “أم 4″، وفق ما نص عليه الاتفاق بسبب تعقيدات ميدانية، حيث أفشلت مجموعات متشددة كل الجهود بهذا الاتجاه من خلال استهداف الدوريات الروسية التركية المشتركة على الطريق المذكور خلال العام الفائت. وتعد هذه المجموعات إضافة إلى “هيئة تحرير الشام” (النصرة سابقاً) والتي تسيطر على جل الشمال الغربي من سورية، من الأسباب التي تحول دون التوصل لتفاهمات إقليمية حول مصير محافظة إدلب ومحيطها. ولطالما اتخذ النظام وحلفاؤه هذه التنظيمات المتشددة ذريعة للفتك بالمدنيين، إذ لا يكاد يمر يوم من دون مقتل أو جرح أطفال ونساء في مدن وبلدات محافظة إدلب.
من جهته، رأى العقيد مصطفى البكور، وهو قيادي في فصائل المعارضة السورية في شمال غربي البلاد، في حديث مع “العربي الجديد”، أنه “لن تحدث عمليات عسكرية واسعة النطاق قبل الجولة المقبلة من مسار أستانة والمقررة خلال العام الحالي”، مضيفاً: “يمكن أن يستمر القصف الجوي لخلق حالة من عدم الاستقرار في المناطق المحررة”. وأكد البكور استعداد فصائل المعارضة السورية لـ”التعامل مع أي محاولة تقدم على الأرض من قبل قوات النظام والقوات الروسية”، مضيفاً: “الروس عينهم على كامل الشمال الغربي من سورية وصولاً إلى الحدود التركية، لكن انتشار النقاط العسكرية التركية جنوب الطريق بشكل كبير يجعل الوضع غير واضح المعالم”.
وكانت قوات النظام تحت غطاء جوي روسي، حققت تقدماً كبيراً على الأرض أواخر عام 2019، وبدايات عام 2020، وسيطرت على أجزاء واسعة من أرياف حماة وإدلب وحلب، ولكن اتفاق موسكو جمّد الأوضاع على الأرض، حيث أرسى اتفاقا لوقف إطلاق النار، يبدو أنه في طريقه للانهيار مع عودة الطيران الروسي أخيراً إلى قصف أهداف في شمال غربي سورية، وفي مناطق خاضعة للنفوذ التركي في ريف حلب الشمالي.
المصدر: العربي الجديد