مالك الحافظ
عديدة هي المؤشرات الدالة على عمق الخلافات بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره الأميركي جو بايدن، لا سيما في الملف السوري الذي يجمع أكبر العوامل المشتركة لتعزيز تلك الخلافات.
تكشف تصريحات أردوغان الأخيرة حول الولايات المتحدة، سواء بعد انتهاء قمة سوتشي بين بوتين وأردوغان، أو خلال وبعد كلمة الأخير داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة في مدينة نيويورك، انتقادات حادة إزاء واشنطن. ما يشير إلى توتر متزايد في العلاقات الثنائية ينطلق من سوريا ويتجاوز حدودها.
العلاقات التركية الأميركية ليست على ما يرام. فمسار الأمور اليوم لا يبشر بالخير بين الجانبين، بهذه الكلمات لخص أردوغان طبيعة العلاقات الحالية بين واشنطن وأنقرة، ولعل ردة الفعل التركية تتجاوز ملف أزمة منظومة الدفاع الجوي الروسية “إس 400” لتصل إلى أبرز أسباب التوتر والمتعلقة بدعم واشنطن لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” ضمن إطار استمرار عمل “التحالف الدولي” لمحاربة “داعش”، والرؤية الأميركية الخاصة بمعالجة استمرار التموضع العسكري في منطقة شمال شرقي سوريا، بمعزل عن باقي مسائل الملف السوري ذات الصلة.
وكان أردوغان قد وجّه انتقادات شديدة اللهجة إلى واشنطن لما تقدمه من الدعم إلى “قسد” التي تعتبرها أنقرة امتداداً لحزب “العمال الكردستاني” في سوريا (حزب مصنف على قوائم الإرهاب لدى أنقرة) حيث صعّد بشكل غير مسبوق بوجوب مغادرة الولايات المتحدة للأراضي السورية بشكل عاجل، وهو إن دل على شيء فإنه يشير بشكل مباشر إلى أن التوترات التركية الأميركية تنطلق من سوريا بشكل رئيسي، سواء بسبب “قسد” من الناحية التركية، أو بسبب شراء تركيا للأسلحة الروسية واستخدام أنقرة لورقة علاقاتها وتفاهماتها مع روسيا في سوريا للضغط على الولايات المتحدة.
يأتي ملف الدعم الأميركي لمناطق شمال شرقي سوريا، كأبرز المسائل المعقدة في العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة داخل الملف السوري. كون أن هناك تأثيرا روسيا على هذا الصعيد، بخاصة أن موسكو باتت تمتلك وجوداً عسكرياً على الأرض هناك، وتريد زيادة نفوذها بمقابل حفظ التوازن بين الحضور الأميركي والتركي.
لذا فإن سعت فعلياً تركيا خلال الفترة المقبلة للتحرك نحو مناطق جديدة في شمال شرقي سوريا في ظل استمرار المناوشات العسكرية بين “قسد” و”الجيش الوطني” وكذلك تأثير التوترات الأميركية التركية، فإن أنقرة ستحتاج إلى موافقة روسية، وذلك أمر مستبعد، حيث سيعارض الروس أي هجوم تركي، منعاً لزيادة حضور النفوذ التركي هناك، وفي الوقت نفسه تستفيد روسيا من منح نظام الأسد فرصة للوجود هناك من خلال قنوات حوار جديدة واستغلال الواقع الحالي.
توتر العلاقات بين أنقرة وواشنطن بدأ منذ العام 2019، عندما حصلت أنقرة على منظومة الدفاع الجوي الروسية “إس-400” ما دفع واشنطن لتعليق مشاركة أنقرة في برنامج تصنيع طائراتها “إف-35″، إلا أن السياسة الخارجية الأميركية يبدو أنها لن تبتعد عن دوائر التوتر، والذي مهدت لاستمراره عدة عوامل، أبرزها التصريحات السلبية ضد أنقرة التي أطلقها بايدن في أثناء حملته الانتخابية، قبل أن يتم فرض عقوبات أميركية دفاعية على أنقرة بموجب قانون “كاتسا” الذي وقع عليه الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب عام 2017، ليتبع ذلك في نيسان الماضي، اعتراف جو بايدن بـ “الإبادة الجماعية للأرمن” في أواخر عهد الإمبراطورية العثمانية، ما أثار موجة غضب شديدة في تركيا.
إن انتظار لقاء رئاسي أميركي-تركي قد لا يحدث سواء على هامش اجتماع زعماء مجموعة العشرين المقرر انعقاده في أواخر تشرين الأول الجاري في روما الإيطالية، أو على هامش مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي منتصف تشرين الثاني في غلاسكو الأسكتلندية. بخاصة بعدما خابت التوقعات من التعويل التركي الذي كان موجوداً من أجل إجراء لقاء بين أردوغان وبايدن على هامش أعمال الأمم المتحدة بعد التنسيق الذي جرى بينهما مؤخرا بالملف الأفغاني في شهر حزيران الماضي، يكشف عن حال الخلافات المتجددة بين البلدين، والتي ظهرت بشكل جليّ عبر تصريحات أردوغان خلال الأيام الماضية.
عملياً فإن التوترات الأميركية-التركية لن تفضي بالضرورة إلى اشتباك سياسي بين الجانبين سواء من أجل الملف السوري أو غيره بفعل الشراكة في حلف “الناتو” وحاجتهما إلى بعضهما البعض، إلا أن هذه التوترات بالتوازي مع تقارب أولي في الملف السوري بين الروس والأميركان في شهر حزيران الماضي ستدفع واشنطن للمشاركة بشكل أكثر فاعلية في الملف السوري، لا سيما أن الوضع في الشمال الغربي من سوريا يشهد حالة من استمرار التصعيد العسكري واستعصاء رسو الاستقرار هناك، في ظل تفاهمات روسية تركية معطلة.
ستشهد الأشهر المقبلة تصعيدا كبيرا بين واشنطن وأنقرة، في ظل تمسك الأخيرة بحيازتها منظومة الدفاع الجوي الروسية، ما سيؤدي إلى زيادة الضغوط الأميركية، في وقت تستعد فيه تركيا للانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا