ضياء عودة
قبل أسبوع، أعلن النظام السوري الانتهاء من عمليات “التسوية” في الجنوب السوري، والتي شملت أحياء مدينة درعا، وجميع القرى والبلدات الواقعة في ريفيها الشرقي والغربي، وفي خطوة لتعزيز “حالة الاستقرار” أجرى القيادي في حزب البعث، هلال الهلال، زيارة أبلغ فيها المواطنين بـ”تحيات الرئيس بشار الأسد”.
تضمنت “التسوية” التي جاءت بموجب اتفاق رعته موسكو، في سبتمبر الماضي، سحب الأسلحة الخفيفة والمتوسطة من مناطق محافظة درعا، وبموازاة ذلك كان هناك دور للأفرع الأمنية من خلال “تسوية أوضاع المطلوبين”، وآخرين ممن رفضوا أداء الخدمة الإلزامية والاحتياطية.
وبالصورة العامة تعطي التفاصيل المذكورة مؤشرا على أن المنطقة الجنوبية دخلت في حالة من الاستقرار والهدوء، على عكس ما شهدته خلال الأشهر والسنوات الماضية، وهو ما تؤكد عليه رواية النظام السوري.
لكن، بحسب ناشط حقوقي وباحثين، فإن تلك الحالة من الاستقرار “لا تزال غير مكتملة”، لاعتبارات تتعلق بحوادث الاغتيال، التي لم تتوقف بالتزامن مع تنفيذ مراحل “التسوية”، وعقب إعلان إتمامها.
ووفقا لإحصائية حصل عليها موقع “الحرة” من “مكتب توثيق الشهداء في درعا” الحقوقي، شهدت الفترة الممتدة بين السادس من سبتمبر الماضي ولغاية 28 من أكتوبر الحالي 41 عملية ومحاولة اغتيال (28 قتل، 9 إصابات، 4 محاولات فاشلة).
وجاء في الإحصائية أن 21 عملية ومحاولة اغتيال استهدفت مقاتلي فصائل المعارضة، الذين انضموا لاتفاق “التسوية”، منذ عام 2018. وهؤلاء ينقسمون ما بين 12 شخصا مدنيا و9 يتبعون لتشكيلات النظام السوري.
ويقول الناشط الحقوقي، عمر الحريري لموقع “الحرة”: “يبدو أن الأمور عادت إلى سابق عهدها وكأن شيئا لم يتغير. الاغتيالات تسجل ضد مجهولين”.
ويضيف الحريري: “النظام عاجز تماما عن الوصول لوضع آمن ومستقر للمدنيين وحتى لمقاتلي التسوية السابقين. هذا إذا افترضنا أن النظام غير متورط في ما يحصل فعلا”.
وعند الحديث عن الاغتيالات في الجنوب السوري، فهي حالة ليست بجديدة، بل تعود إلى أواخر عام 2018 عندما دخلت درعا في ما يسمى “اتفاق التسوية” الذي فرضته روسيا على مقاتلي فصائل المعارضة.
لكن استمرارها في الوقت الحالي، أي عقب الانتهاء من عمليات “التسوية الثانية”، يثير التساؤلات عن الواقع الذي ستفرضه في المرحلة المقبلة، وأيضا تكهنات بشأن الطرف المستفيد منها.
“البيئة مناسبة”
مع تصاعد مستويات “القتل المجهول” في درعا السورية، يغيب الموقف الرسمي والواضح للنظام السوري من هكذا عمليات. وعلى العكس اتجه مؤخرا على لسان مسؤوليه، وبينهم المحافظ اللواء مروان شربك، إلى نفي حالة الفلتان الأمني التي تعيشها المنطقة، معتبرا أن “الأمور تسير باتجاه الاستقرار”.
ويرى الناشط عمر الحريري أن الانتشار الأمني للنظام السوري في الجنوب “لا يعني تعزيز الحواجز أو مراقبة أكبر للطرقات. على العكس انسحبت في الأشهر الماضية العديد من الحواجز وأصبح التواجد الأمني على الطرقات وداخل البلدات أقل مما كان عليه سابقا”.
ويضيف الحريري: “هل يمكننا اعتبار هذا بيئة مناسبة للاغتيالات؟ بشكل واضح نعم”.
في المقابل اعتبر محمد حسين، أمين سر “المصالحات” في سوريا، أن “ملف الاغتيالات في المنطقة الجنوبية شائك، ويتطلب دراسات معمقة”.
يقول حسين المقيم في دمشق لموقع “الحرة”: “بمساندة الروس والإيرانيين استطاع الجيش السوري أن يجري تسويات، لكنها برأيي لم تشبع غرور المقاتلين. هناك جهات معينة تساعد المسلحين لتنفيذ هذه الهجمات”.
ولم يحدد حسين هوية أولئك المسلحين، مضيفا: “قد تكون عملياتهم مرتبطة بالعصبية القبلية الموجودة في المنطقة، أو أحيانا عمليات الثأر والتحريك من الخارج”.
“فجوات أمنية”
وغالبا ما تتنوع الاغتيالات بين إطلاق الرصاص المباشر والاستهدافات بالعبوات الناسفة والألغام، بالإضافة إلى اغتيالات تأتي بعد عمليات خطف لعدة أيام.
وكان “المرصد السوري لحقوق الإنسان” قد قال، في 23 من أكتوبر الحالي، إنه وثق ثلاثة اغتيالات في ريف محافظة درعا خلال يوم واحد، مشيرا إلى أن ذلك “يأتي بالرغم من تسوية أوضاع المطلوبين وسحب السلاح من المواطنين في درعا ومعظم ريفها”.
وبحسب الباحث السوري وائل علوان، فإن الوضع في الجنوب السوري سواء درعا أو السويداء “استقر ظاهريا مع التسويات الروسية الجديدة، لكن لا يزال هناك كثير من الفجوات الأمنية”.
ويتابع علوان في حديث لموقع “الحرة”: “خاصة مع عدم القبول المحلي لشعبة المخابرات العسكرية المعروفة محليا بالمخابرات العسكرية وإدارة المخابرات الجوية. هذه الأفرع لم تستجب حتى الآن لإجراءات التسوية الروسية”.
ولم يستبعد علوان أن يكون هناك دور إيراني في عمليات الاغتيال المتصاعدة، ويعتبر أن “هذه الحوادث هي الأداة الرئيسية التي تنفذها إيران جنوبي سوريا”.
وفي السابق كانت تعتمد في تنفيذها على تشكيل “الفرقة الرابعة”، بينما تتجه الآن للأفرع الأمنية كـ”المخابرات الجوية، وفرع الأمن العسكري”.
ويوضح الباحث السوري: “الاستهدافات تطال أبرز المعارضين والمناوئين للنفوذ الإيراني في جنوب سوريا. كل من يكون عقبة أمام النفوذ يتم تصفيته. مع عدم نفي أيضا وجود مجموعات اغتيال أخرى، تحاول تنفيذ الاستهدافات كردود فعل”.
من الأكثر استهدافا؟
وأتاح “اتفاق درعا” الأخير، الذي تم برعاية روسية للنظام السوري، دخول قواته إلى كامل المدن والقرى والبلدات في المحافظة، بعد إجراء عمليات “تسوية أمنية” أو كما تسمى محليا بـ”المصالحة”، ليتم فيما بعد إقدام المسلحين المعارضين على تسليم أسلحتهم، ومن ثم إعادة الانتشار العسكري والأمني، الذي كان غائبا منذ 3 سنوات.
وتعد أحياء درعا البلد أولى المحطات التي شهدت تطبيق الاتفاق المذكور، وخلال الأيام الماضية طبّق النظام برفقة عناصر من الشرطة العسكرية الروسية بنود الاتفاق في كامل الأرياف.
وعلى الرغم من أن الاغتيالات تطال عناصر من قوات النظام السوري، إلا أن الناشط عمر الحريري يقول إنها تستهدف بشكل أكبر “مقاتلي فصائل المعارضة الذين انضموا للتسوية ولاحقا التحقوا بالنظام أو بقيوا على الحياد”.
ويوضح: “هناك استهدافات أخرى طالت أيضا المسؤولين المحليين في المجالس المحلية والوجهاء”.
واعتبر الحريري أن “المستفيد هو من يريد تعزيز الفوضى في درعا، وفتح الباب أمام عمليات الانتقام والقتل والقتل المضاد، وكل ما قد ينعكس جراء هذا من الحالة الاقتصادية وانعدام للأمن وموجهات الهجرة ومخاوف عودة اللاجئين”.
ووفقا لإحصائيات المرصد السوري، فقد بلغ عدد الهجمات ومحاولات الاغتيال في درعا والجنوب السوري 1207 هجمات واغتيالات، وذلك خلال الفترة الممتدة من يونيو 2019 حتى يوم 23 من أكتوبر الحالي.
ووصل عدد الذين قتلوا إثر تلك المحاولات خلال الفترة ذاتها إلى 865، بينهم 261 مدنيا، إضافة إلى 391 من قوات النظام والمسلحين الموالين لها، والمتعاونين مع قوات الأمن، و152 من مقاتلي الفصائل ممن أجروا “تسويات ومصالحات”.
المصدر: الحرة. نت