منير الربيع
وصل لبنان إلى المفترق الأخطر. إنه الصراع على الهوية. صراع بانعكاسات كثيرة، سياسية وأمنية واقتصادية. أرادت المملكة العربية السعودية، ومن خلفها دول الخليج، إيصال رسالة إلى اللبنانيين، مسلمين ومسيحيين، تحثهم أن تبقى معركة حماية لبنان من سطوة إيران مستمرة، وعليهم أن يعبّروا عن أنفسهم بشكل أقوى.
صدمة إيقاظ
تعتبر السعودية أن الإيرانيين يقضمون لبنان بشكل واضح وممنهج، بالاستناد إلى مبدأ توالي الصدامات ثم اللجوء إلى التسويات حرصاً على الاستقرار. تكسب إيران من هذا الأسلوب المتكرر. وهي نجحت في تحقيق ما لم تكن تتوقعه، انطلاقاً من مبدأ ربط النزاع. القضم الإيراني للبنان انطوى على تغيير وجهته وهويته وإلغاء الكثير من مقوماته.. وصولاً إلى تفجير المرفأ الذي أدى إلى إنهاء المناعة الرمزية اللبنانية، فيما تسيطر عليه إيران ضعيفاً، وهي تبقى الأقوى مع حلفائها. وهذا أفضل بالنسبة إليها من أن يكون لبنان قوياً وتكون هي مجرد أحد الأطراف التي تتمتع بالنفوذ فيه.
في المقابل، إنهاء دور لبنان يفيد إسرائيل استراتيجياً، خصوصاً بعد تفجير مرفأ بيروت.
تهدف الخطوة السعودية إلى إحداث صدمة كبيرة في لبنان، الغاية منها إحداث رضّة لدى العديد من الأفرقاء السياسيين للاستفاقة من كبوة طال أمدها. وكأن الرسالة السعودية واضحة. وهي أن ليس المطلوب من الحكومة اللبنانية اتخاذ موقف معين، ديبلوماسياً، بل اتخاذ قرار سياسي واضح، إذا كان لبنان يريد أن يكون مع السعودية والخليج أو ضدهم. هذه المرّة، المتغير هو أن السعودية لن تكون قادرة على إدارة الظهر للبنان، لأنها لم تؤد إلى أي نتيجة. وحالياً تأتي هذه المواقف ذات نزعة هجومية، وليست ذات نزعة إنكفائية كما حصل في السابق.
وهذا يتبدى من خلال زيارة السفير السعودي قبل مغادرته لبنان لرئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، والقول إن الوقت هو للمواجهة. فإذا أراد اللبنانيون هذه المواجهة ستكون السعودية حاضرة إلى جانبهم. أما بحال رفضوا ذلك، فإن لبنان سيكون متروكاً لمصيره.
ترميم النظام الإقليمي العربي
تعتبر السعودية نفسها أنها نظام ذات بعد عربي، وتنظر إلى نفسها بأنها تدافع عن ما تبقى من مصالح عربية، بنظام إقليمي عربي في مواجهة التمدد الإيراني. وهي وصلت إلى قناعة أنه لا يمكن حماية السعودية إذا لم تذهب إلى ترميم النظام الإقليمي العربي. وهذه هي حقيقة الموقف من لبنان، من خلال الخروج من لعبة المناورات والتنميق في المواقف السياسية والديبلوماسية، والتي كان يحسن الإيرانيون الاستثمار بها.
حالياً تقول السعودية إن سياسة المناورات انتهت.
بحال استمرت السعودية بهذا المسار التصعيدي، هناك وجهتا نظر متضاربتان. فإما أن ينعكس إيجاباً على الواقع اللبناني، ويؤدي إلى نتيجة بعد إحداث الصدمة. وإما أن ينعكس سلباً من خلال خروج السعودية من لبنان، مقابل تمدد إيران أكثر والمراكمة على الواقع السياسي القائم. ولكن، هناك قناعة لبنانية بأنه مهما تقدم القضم الإيراني للبنان، لا يمكن أخذ البلد بكليته إلى إيران، بل إن هذا المشروع يحتاج إلى “ديكور عربي” والبقاء على العلاقات مع الدول العربية. بمعنى أوضح، فإن حزب الله يحرص على وجود قوى سياسية على علاقة جيدة بدول الخليج، معه في الحكم، شرط أن يكون هو صاحب القرار. كذلك يستفيد من وجود الغطاء الديبلوماسي العربي. فيكون لبنان شكلياً حاضراً في المدى العربي، ولكن بالفعل والمضمون هو ملحق بإيران.
رداً على الوجهة النظر هذه تأتي الخطوات السعودية للقول إن هذا الغطاء غير متوفر وغير موجود، بانتظار موقف الحلفاء الذين تراهن عليهم السعودية، وسط قناعة بأن التسوية لا يمكنها أن تحمي حلفاءها، لأن سياسة التسويات دفعت بالحلفاء إلى الذهاب بعيداً عن الخليج. ولكن كسر قواعد التسويات سيقود لبنان إلى مخاطر جديدة، على إيقاع تجديده كساحة للصراع الإقليمي والدولي، ما سيكون له انعكاس خطير على ما تبقى من استقرار هش.
المصدر: المدن