منير الربيع
تعود لعبة التفاوض بالدم والنار إلى التقدّم. إنها القواعد الإيرانية الثابتة في اللعبة. لا مجال للمزاح فيها. وهي السبيل الوحيد الذي تنتهجه طهران لتثبيت قوتها وقدرتها على فرض المعادلات والتوازنات. على مسافة أيام من العودة إلى مفاوضات الاتفاق النووي، لجأت إيران إلى استخدام الأوراق المختلفة في ساحات متعددة، من التصعيد في اليمن، إلى التصعيد السياسي في بيروت، مروراً بتصعيد “شعبي”، أمني وعسكري في العراق. هذا المسار التصاعدي سيستمر من الآن حتى موعد انعقاد المفاوضات، وقد تستمر على إيقاع جولات التفاوض.
هوكشتاين والترسيم
لم يعد بالإمكان فصل لبنان عن سياق التطورات الخارجية. ستسعى إيران إلى تحسين شروطها مهما كلفت الأثمان. لبنانياً، يتم العمل على أكثر من ملف، من الضغط على القاضي طارق البيطار، والتشدد القضائي في ملفي خلدة والطيونة، الذي سينذر بالمزيد من التوترات، إلى تعطيل الحكومة، والذي يتجلى أكثر في الأزمة الديبلوماسية مع دول الخليج، بظل عدم استعداد الحزب للتراجع أو تقديم التنازل. هذه الوقائع تنذر بالمزيد من التصعيد في لبنان. وثمة من يعتبر أن حادثة الطيونة كانت مقدمة الأحداث في لبنان، ما يشير إلى الكثير من التخوف على الوضع السياسي والأمني في المرحلة المقبلة.
حالة الترقب التي تفرض نفسها لبنانياً، تتوازى مع العمل على ملفين أساسيين. الأول، هو استعادة المبعوث الأميركي لشؤون الطاقة آموس هوكشتاين لنشاطه على خطّ ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل. والثاني، من خلال حضور موفد للجامعة العربية إلى لبنان للبحث في كيفية تخفيف حدة الإجراءات الخليجية.
وصل هوكشتاين إلى اسرائيل في زيارة، سيلتقي فيها المسؤولين لإعادة إحياء المفاوضات والوصول إلى نقاط توافق. وهنا تستبعد المصادر أن تكون المفاوضات المكوكية التي يقودها هوكشتاين وفق نزعة تصعيدية. هناك إصرار أميركي على إنجاز هذا الملف سريعاً. وتقول المعلومات إنه بعد لقاءاته في إسرائيل سيتوجه إلى لبنان، لإبلاغ المسؤولين اللبنانيين بالنتائج التي توصل إليها مع الإسرائيليين، ووضع الإطار العام لآلية التفاوض التي سيستمر بالعمل عليها للوصول إلى اتفاق. وعندما يتم وضع الإطار العام يمكن حينها إعادة تحديد مواعيد لاستئناف جلسات التفاوض غير المباشرة، فيما هناك إصرار من وزارة الخارجية اللبنانية على أن تكون هي صاحبة الدور الأساسي في هذا الملف. وهنا لا بد من الإشارة إلى وجود اختلافات في وجهات النظر لمقاربة هذا الملف. فالعهد والحكومة يريدان إنجازه سريعاً. ويعتبران الوصول إلى اتفاق نهائي يمكن أن يسهل الكثير من الأمور، لكن القرار الأساسي يبقى لدى حزب الله، وإذا ما كان يريد تسهيل المفاوضات، أو تصعيدها، بانتظار تبلور وجهة الوضع في المنطقة. وهذا يمكن أن يكتشف من خلال النتائج التي ستتحقق مع الزيارة التي سيجريها هوكشتاين إلى بيروت وما سيبلغه به المسؤولون اللبنانيون.
المسار الخليجي والحكومة المعطلة
في المقابل، فإن مؤشر دخول الجامعة العربية على خطّ الأزمة بين لبنان ودول الخليج، يعني أن مسار الأزمة سيكون طويلاً، وهناك عجز حتى الآن عن مقاربتها كما يجب. خصوصاً أن القوى اللبنانية وحتى العربية لا تبدو قادرة على توفير ظروف مؤيدة للتوجهات السعودية. حضور الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية إلى لبنان هو مؤشر على غياب أي مبادرة ناضجة أو ناجزة لدى أي من الدول، وهي تأكيد على إعطاء بعد عربي للأزمة أو للمساعدة على الحلّ.
وسط هذه الأجواء تبدو طريق الحكومة لا تزال مغلقة بالكامل. لا اتفاق أو تسوية قادرة على إعادة إحياء العمل الحكومي، إلا إذ نجحت السبل القضائية في تطويق القاضي طارق البيطار ووقفه عن التحقيق. حينها، يمكن للحكومة أن تعود إلى الاجتماع. لكنها ستسير في حقل ألغام سياسي وديبلوماسي، من دون إغفال احتمال حصول المزيد من التوترات في إطار الدمج السياسي القائم بين بيروت، دمشق، بغداد وصنعاء.
المصدر: المدن