مصطفى هاشم
لم تكن زيارة الوفد الرسمي الإماراتي برئاسة وزير الخارجية، عبدالله بن زايد، الثلاثاء، إلى دمشق هي أولى الخطوات التي تكسر عزلة نظام بشار الأسد من محيطه الإقليمي والعربي، في وقت عبرت فيه واشنطن عن رفضها لأي شكل من تطبيع العلاقات.
فرغم أن الزيارة هي الأولى منذ عشر سنوات، إلا أن مكالمة سبقتها بين ولي عهد أبوظبي ورئيس النظام السوري، في أغسطس الماضي.
كما تواصل الأسد أيضا مع ملك الأردن، عبدالله الثاني، في أكتوبر الماضي، لأول مرة أيضا منذ عشر سنوات.
لا يقتصر الأمر على مكالمات أو زيارات ضمت مسؤولين مصريين أيضا، على مدار السنوات الأخيرة، فقد شملت خطوات أخرى إعادة فتح السفارة الإماراتية في دمشق عام 2018، وفتح معبر جابر الحدودي بين الأردن وسوريا، إضافة إلى استئناف الرحلات البرية والجوية بين البلدين.
وتأتي هذه التحركات السياسية والدبلوماسية من قبل بعض الدول العربية مع نظام الأسد قبل القمة العربية التي تستضيفها الجزائر، في مارس المقبل، حيث علّقت جامعة الدول العربية عضوية سوريا، منذ اندلاع النزاع فيها عام 2011.
وقطعت حينها دول عربية عدة علاقاتها مع دمشق، بينها الإمارات، فيما أبقت أخرى بينها الأردن على اتصالات محدودة بين الطرفين. وشكّلت سلطنة عمان استثناء بين الدول الخليجية.
“إعادة سوريا إلى الحضن العربي”
يصف المحلل الإماراتي، حميد الزعابي، في حديثه مع موقع “الحرة”، زيارة وزير خارجية بلاده لدمشق، بأنها “دبلوماسية شجاعة، هدفها حقن الدماء وبناء الأوطان والتنمية في سوريا”، مشيرا إلى أن “الرسالة الرئيسية التي تحملها هذه الزيارة، هي أن الإمارات تدعم جهود الاستقرار في سوريا”.
وجاء الاتصال بعد قرابة 3 سنوات على إعلان الإمارات عودة العمل في سفارتها بدمشق، عقب سبع سنوات على قطع علاقاتها مع سوريا على خلفية الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت عام 2011 وتحولت لاحقا إلى حرب أهلية.
وأسفر النزاع السوري، منذ اندلاعه في مارس 2011، عن مقتل عشرات الآلاف ونزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها، بينهم أكثر من 6.6 مليون لاجئ، فروا بشكل أساسي إلى الدول المجاورة، لبنان والأردن وتركيا.
يشير المحلل الأردني، زيد النوايسة، في حديثه مع موقع “الحرة” إلى أن “الأردن والإمارات وأعتقد مصر والعديد من الأقطار، وربما بتوافق مع العراق، تعمل على عودة سوريا إلى الحضن العربي، بعد حالة الاستقرار الأمني النسبي في سوريا بعد أن استطاع النظام السيطرة على 80 في المئة من الأراضي السورية”.
وأضاف “هناك إقرار في العالم العربي، فيما يبدو، باستثناء بلد أو بلدين عربيين بأن المقاربة العربية مع الأزمة السورية خلال العشر سنوات لم تكن دقيقة وسمحت للقوى الإقليمية بالانخراط في الملف السوري وغاب العرب عن المشهد ما خلق بيئة مناسبة للفوضى والإرهاب”.
وقدّمت دول خليجية، أبرزها السعودية وقطر، دعماً مالياً وعسكرياً لفصائل المعارضة السورية قبل أن يتراجع الدعم تدريجياً خلال السنوات الماضية مع تقدم القوات الحكومية بدعم عسكري روسي وإيراني على الأرض.
يعتقد النوايسة أن القمة العربية التي ستعقد في مارس المقبل “سيكون عنوانها الرئيسي عودة سوريا لجامعة الدولة العربية”.
الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في مصر، كرم سعيد، يؤكد في حديثه مع موقع “الحرة” أن “العلاقات المصرية السورية موجودة، وهناك تنسيق سياسي ودبلوماسي وأمني ممتد على مدار السنوات السبع الماضية، فضلا عن زيارات أمنية متبادلة ربما غير معلن عنها، بالإضافة إلى أن هناك ‘منصة القاهرة’ التي تستضيف أيضا تيارات معارضة سورية”.
وفي الأردن، الذي يتوجه إليه وزير الخارجية الإماراتي بعد زيارته لدمشق، استقبل نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني، أيمن الصفدي، الثلاثاء، المبعوث الخاص للأمم المتحدة لسوريا، غير بيدرسون، لبحث الجهود المبذولة للوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية.
وأكّد الصفدي خلال اللقاء ضرورة العمل بشكل منهجي وفاعل لحل سياسي للأزمة السورية، ووقف ما تسببه من معاناةٍ ودمارٍ.
يوضح سعيد لموقع “الحرة” أن هناك زخما إقليميا لتسوية الأزمة في سوريا، “الروس لديهم رغبة كبيرة في بقاء الأسد في صدارة المشهد، بعد كل التحركات التي خاضتها دول إقليمية لإسقاط الأسد والتي لم تنجح”.
غير أن سعيد يشير إلى أن” الخطوات العربية وخاصة الإماراتية وربما ستأتي لاحقا السعودية، (جاءت) لأن هذه الدول أصبحت تتبنى رؤية مغايرة لما كانت عليه قبل سنوات وأيضا رؤية مغايرة للولايات المتحدة، حتى أصبحت تبحث عن دوائر تستطيع من خلالها التقارب مع قوى دولية أخرى مثل روسيا والصين”.
يوضح سعيد أنه “لا يمكن فصل هذه التحركات عن حالة التوتر المكتوم بين إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، وعدد من الدول الخليجية خاصة الإمارات والسعودية، بعد رفع الولايات المتحدة المظلة الأمنية التي كانت معهودة لدول الخليج”.
ويضيف “هناك حديث عن صفقات خليجية روسية بعد إعلان إدارة بايدن تخفيف وجودها العسكري في الخليج، والضغوطات التي تمارس من قبل واشنطن في ملفات حقوقية وملف اليمن وتوجيه إدانات مباشرة للسعودية والإمارات، حتى أصبح للصين نفوذ في المنطقة”.
الموقف الأميركي
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، الثلاثاء، إن “الإدارة الأميركية لا تدعم أي جهود لتعويم نظام الأسد وندعو الدول إلى النظر إلى الأعمال الوحشية التي ارتكبها هذا النظام ضد شعبه”.
وأضاف أن الولايات المتحدة ملتزمة “بالعمل مع الشركاء للوصول إلى حل للصراع في سوريا”، مؤكدا أن “السلام سيعود إلى سوريا عندما تتحقق آمال الشعب السوري”.
لكن الزعابي، وهو رئيس تحرير في “مؤسسة دبي للإعلام”، يرى في حديثه مع موقع “الحرة” أنه “حتى لو أن نظام بشار الأسد فعل ما فعل، فهناك حلول يمكن الاتفاق عليها. علينا ألا نقف مكاننا، ولابد من إعادة المياه إلى مجاريها”.
من جانبه يرى النوايسة، أن “الولايات المتحدة لديها مقاربة مختلفة عن إدارة (دونالد) ترامب حتى ربما نسبيا عن إدارة (باراك) أوباما التي شغل فيها بايدن نائبا للرئيس، لأن هناك واقعا جديدا على الأرض، (يتجسد في) سلسلة المواقف الأميركية فيما يتعلق بقانون قيصر والسماح باستثناءات وتقارب حلفاء قريبين جدا لواشنطن من نظام الأسد مثل الإمارات ومصر وحديث عن السعودية”.
وتفرض الولايات المتحدة عقوبات عدّة على سوريا، أبرزها بموجب قانون قيصر الذي دخل حيّز التنفيذ، العام الماضي، ويفرض عقوبات على أي جهة تتعامل مع نظام الأسد.
ويقول النوايسة لموقع “الحرة” إنه “لا يمكن فصل موقف الولايات المتحدة من سوريا من مجمل الموقف الأميركي في المنطقة، حيث تنسحب من أفغانستان والعراق وتقترب من العودة للاتفاق النووي مع إيران”، مضيفا أن “التسوية السياسية مع طهران لن تكون سوريا بعيدا عنها”.
ويضيف أن “الموقف الأميركي.. لم يتغير بشكل كبير، لكن من الواضح أنه ينسحب من المنطقة بشكل تدريجي وربما لديه تفاهمات مع مصر والأردن والعديد من الأقطار العربية، وربما مع الإمارات بضرورة توفير مناخ لتسوية سياسية في سوريا”.
يدلل النوايسة على وجهة نظره، إلى الزيارة التي قام بها الملك عبدالله الثاني للولايات المتحدة، في يوليو الماضي، والحصول على شبه استثناء في جزء من عقوبات قيصر والتي تبدت في السماح بنقل الغاز المصري إلى لبنان عبر الأردن وسوريا ومن ثم تزويد لبنان بالتيار الكهربائي من الأردن، “ومن الطبيعي أن تحصل سوريا على جزء منه”.
“محاصرة نفوذ الخصوم”
يشير الزعابي إلى أن الخطوة الإماراتية تأتي أيضا في إطار أن “سوريا بلد عربي والإمارات تدعم الأمن القومي العربي وأمن المنطقة وهذه استراتيجيتها”.
فيما يوضح النوايسة أن “هناك سيطرة من قبل الحكومة الرسمية على أجزاء كبيرة من البلاد، ما عدا منطقة إدلب التي تسيطر عليها قوات المعارضة المدعومة من تركيا، وهناك مشكلة مع ما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على شمال شرق الفرات، فضلا عن عملية تركية واسعة أعتقد أن الإمارات والأردن والعديد من الأقطار العربية وفي طليعتها مصر تشعر بالقلق من الانخراط التركي بهذه الطريقة في الملف السوري”.
ويضيف أن “التقارب مع سوريا ينطلق من فكرة أنه لم يعد مقبولا ترك سوريا عرضة للقوى الإقليمية تحديدا الإيرانيين والأتراك”.
ويتفق سعيد مع النوايسة، من أن التحركات العربية تأتي أيضا في إطار محاصرة نفوذ الخصوم في المنطقة على رأسها تركيا وإيران.
ورغم التقارب الذي حصل ما بين تركيا ومصر والإمارات، والاتصال الهاتفي الذي جرى بين ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، والرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في أغسطس، ثم زيارة مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد لتركيا، إلا أنه “لا تزال مساحات الخلافات كبيرة وصراع كبير على مناطق النفوذ بدءا من عمق القارة الأفريقية مثل الصومال إلى سوريا وليبيا امتدادا إلى بلاد القوقاز وآسيا الوسطى”، بحسب سعيد.
الإعمار والغاز
بالإضافة إلى سعي لمحاصرة الدورين التركي والإيراني في سوريا والمنطقة، فإن التقارب مع نظام الأسد له اعتبارات أخرى مثل “عقود إعادة الإعمار في سوريا بعد إنهاء الأزمة، والتي ربما سيكون فيها نافذة كبيرة للشركات المصرية والاستثمارات الخليجية وخاصة الإماراتية والسعودية”، بحسب سعيد.
ويشير إلى أن هناك “صراعا على النفوذ على مكامن الطاقة في منطقة شرق المتوسط والسواحل السورية غنية”. ولم تنخرط سوريا حتى الآن في الاتفاقيات الخاصة بترسيم الحدود أو آليات التنقيب عن الطاقة.
ويقول سعيد: “ربما تسعى القاهرة التي أسست منتدى غاز المتوسط لاجتذاب سوريا لهذا التجمع، والإمارات داعمة لهذا المنتدى ولديها علاقات قوية مع اليونان وقبرص والقاهرة في هذا السياق”.
المصدر: الحرة. نت