منير الربيع
الانسداد السياسي القائم والمستمر داخلياً، يقابله حراك دولي متعدد الاتجاهات. الحلول في الداخل غير متوفرة، والجمود قائم ويسيطر على الواقع العام. فلا جلسات لمجلس الوزراء ولا استقالات مرتقبة. أمام ذلك، يترقب لبنان ملفين أساسيين. الملف الأول، هو مسار العلاقة مع دول الخليج وإمكانية إصلاحها. وهذا يحتاج إلى وقت طويل وفق ما تفيد المؤشرات. فيما المسار الثاني، وهو ترسيم الحدود، سيسير على إيقاعين يرتبطان ببعضهما البعض: إيقاع ما يمكن أن يبلغه بعد الجولات المكوكية، التي يقوم بها المبعوث الأميركي لشؤون الطاقة آموس هوكشتاين. والإيقاع الآخر هو انتظار نتائج جولة المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة الأميركية في التاسع والعشرين من الشهر الجاري.
حرب نفسية
ينتظر لبنان عودة هوكشتاين، للحصول على إجابات إسرائيلية، فيما الإسرائيليون يعتبرون أنهم ينتظرون إجابات لبنانية. وتعمل اسرائيل على تسريب أجواء بأنها غير مستعجلة لإنجاز الملف، طالما أن مرسوم 2011 اللبناني المسجل لدى الأمم المتحدة، لا يحرمها أو يمنعها من الاستمرار في عمليات التنقيب على رقعة جغرافية تعتبرها تل أبيب غير متنازع عليها، فيما يتمسك لبنان بحقوقه فيها، وأن مياهه الإقليمية تصل إليها، وبالتالي هي منطقة نزاع. واشنطن تبدو مهتمة ومتحمسة جداً لإنجاز هذا الملف، فيما التسريبات الإسرائيلية قد يكون هدفها نوع من الحرب النفسية، وإظهار أنها غير متحمسة كي لا يصعّد لبنان من مواقفه، وكي لا يرفع سقف شروطه.
التركيز الأميركي على الترسيم، ينطلق من فكرة الوصول إلى تفاهم ضمني على إرساء الاستقرار على الحدود الجنوبية للبنان، ومنع حصول أي توترات، لأنه بمجرد الاتفاق على الترسيم والبدء بعمليات التنقيب، يعني أن الاستقرار سيكون قائماً. فشركات النفط لا تعمل في مناطق غير مستقرة. وفي الأثناء، يتمسك لبنان بشروطه ومطالبه. وهي عدم التنازل عن مساحة تتخطى الخط الـ23. أي أن المنطلق التفاوضي اللبناني الثابت هو الحصول على ما يفوق 860 كلم مربع. وجعل الخطّ 29 خطاً تفاوضياً قد يبدأ منه التفاوض لتحقيق أكبر مساحة ممكنة. وهنا تؤكد مصادر متابعة أن لبنان يبدي اهتماماً استثنائياً، بالحصول على ما هو تحت الماء أي الثروة النفطية. ومن هنا، ينطلق للحفاظ على حقل قانا الذي يمتد من الخط 23 إلى مدى أبعد. وهذا بحد ذاته إنجاز يسجّل لبنان في تحصيل مساحة أكبر من 860 كلم.
لا عودة إلى “هوف”
وتقول مصادر لبنانية إن لبنان لا يوافق على العودة إلى خطّ هوف، وبالتالي بحال نجح هوكشتاين في الحصول على موقف اسرائيلي واضح يخرج من المطالبة بخط هوف، فعندها يمكن جداً الوصول إلى اتفاق. أما بحال أصر الإسرائيليون على التمسك بخط هوف، أي تقسيم مساحة 860 كلم مربع على نسبة مئوية تبلغ 55 بالمئة للبنان مقابل 45 بالمئة لإسرائيل، فهذا يعني أن لا بوادر للوصول إلى الاتفاق. ولا تنفي المصادر اللبنانية أن الأمر مرتبط بسياق التطورات الإقليمية، وخصوصاً بالتفاوض الإيراني الأميركي، وانعكاسه على الوضع في المنطقة ككل.
يعتبر ملف الترسيم مفتاحاً أساسياً للتهدئة، وعاملاً لسحب أي فتائل للتفجير والتوتر، خصوصاً بعد اللقاءات الإسرائيلية الروسية التي عقدت سابقاً، واللقاء بين رئيسيّ المخابرات الروسي والأميركي، وتسريب خبر لقاء رئيس وكالة المخابرات المركزية الأميركية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. لا سيما أنه بعد هذه اللقاءات والتحشيد الإسرائيلي، تنامت الغارات الإسرائيلية التي تستهدف مواقع لإيران وحلفائها في سوريا أو شحنات أسلحة تعود لهم، وبالتالي فإنه في حال عدم الوصول إلى تفاهم على الترسيم، أو بالحد الأدنى إبقاء المفاوضات قائمة، فإن تلك المخاطر الأمنية قد تهدد لبنان.
المصدر: المدن