د- مخلص الصيادي
جوهر المقال أن المدخل إلى حل المعضلة السورية يكمن في تشكيل مجلس عسكري سوري يضم كل الضباط الذين رأوا أو يرون في استمرار الأسد وزبانيته في الحكم مشكلة سوريا الأولى، ويروا أن مثل هذا المجلس هو وحده من يستطيع أن يمسك بزمام الحل بعد أن فشلت كل تشكيلات المعارضة العسكرية والمدنية من تقديم بديل ممكن، وبعد أن أظهرت المعارضة أنها تختزن الأمراض نفسها التي ظهرت في النظام بنية وسلوكا، وأن مثل هذا المعارضة فوتت على نفسها وعلى الوطن امكانية الاستفادة من الدعم الدولي والاقليمي الذي تحقق لها في المرحلة الأولى من الحراك الثوري في انجاز هذا التغيير المرجو.
هذه الرؤية التي يقدمها العميد مناف طلاس ليست جديدة، وهذه الدعوة لمجلس عسكري في سوريا سبق أن نادى بها مرات عدة.
والحق أن كثيرا مما وصف به المعارضة الخارجية المسلحة والسياسية صحيح، وإن وجدنا استثناءات فهي مما لايشكل فرقا في الصورة العامة. وبالتالي لا يقاس عليه في عموم الحكم.
لكن هذا الطرح يختزن خطأين اثنين لا بد من الوقوف عندهما ، لأنهما سيكونان حاضرين ومؤثرين في أي حل قادم:
الخطأ الأول: يتصل في تقييم الدعم الخارجي لثورة الشعب السوري على المستويات الثلاثة: السياسي والعسكري والمادي.
إذ ليس صحيحا أن النظام الدولي والاقليمي وفر فرصة لتغيير النظام، وأن المعارضة ضيعت هذه الفرصة.
هذه رؤية، وهذا حكم غير صحيح البتة.
لا الدول الغربية المؤثرة، ولا الدول العربية الاقليمية المؤثرة عملت على أن تمكين المعارضة من تغيير النظام، بل إن الوقائع والشواهد ترجح أن هؤلاء الذين دعموا اتجاه قطاع من المعارضة للعمل العسكري، وأجهضوا فرصة وجود معارضة سياسية داخلية قوية وموحدة، هم الذين ساهموا في فتح الأرض السورية لكل أنواع المغامرين أصحاب المشاريع الخاصة، والأحلام التي لا تتصل بالحراك الثوري ، ولا تلتقي به، وهيؤا لهم فرص الوصول الى سوريا والعمل فيها، وهم الذين دعموا الدعوة الانفصالية الكردية، وهم الذين منعوا العسكريين السوريين المنشقين على أن يكون لهم وجود حقيقي وفاعل في جغرافية الثورة السورية، ثم إنهم هم بالتواطؤ مع النظام عملوا على تشكيل نظرية “الارهاب وقوى الارهاب”، وتشاركوا مع النظام في دعوة العالم لمحاربة هذا النظام.
الخلاصة التي نؤكد عليها هنا أن المعارضة التي نتفق على وصفها بكل السلبيات التي وصفها بها العميد طلاس لم تفوت فرصة الدعم الدولي والاقليمي لتغيير النظام، لأن الدعم المقدم لم يكن أبدا يستهدف تغيير النظام بقدر ما كان يستهدف تخريب الحراك الثوري السوري ، وتخريب المجتمع السوري وكل مظاهر القوة والوحدة والحضارة فيه.
هذه رؤية وحكم في ورقة طلاس غير صحيحة.
الخطأ الثاني : ينبع في أن المشكلة ليست في رفض أو قبول المعارضة – التي اتفقنا على وصفها- وجود أو عدم وجود مجلس عسكري، وإذا كان وصفنا للمعارضة صحيحا، – وهو عندنا صحيح – فإن قبولها أو عدم قبولها لمشروع المجلس العسكري لا يعود له أثر حقيقي.
ما يؤثر في وجود وعمل هذا المجلس الجهات والقوى التي تؤثر في الوضع السوري حقيقة، القوى الدولية والاقليمية والعربية، هل توافق هذه على قيام مثل هذا المجلس وأن يكون البديل عن النظام، وهنا تبرز أهمية الموافقة الأممية التي صاغت إرادتها من خلال القرارات الدولية والتحرك الذي تقوده على هذا الطريق.
ثم قبل هذا وعلى درجة أكثر أهمية يجب النظر في قدرة هذا “المجلس العسكري”، على أن يجذب إليه التشكيلات العسكرية في الجيش العربي السوري بحيث يكون تجاوب هذه التشكيلات مع هذا الطرح يمثل قوة الحسم الداخلية في تحويل هذا المشروع من مجرد تصور نظري إلى مشروع عملي ممكن التطبيق.
كل المعادلات تتغير لو وجد الحسم الداخلي، لكن ما من مؤشر على توفر ذلك.
ليست القضية في المسألة السورية قبول أو رفض أو التحسس من حل يقوده العسكريون، ولكن المسألة في جوهرها أن أحدا لم يطرح حلا ممكنا ولو في الحدود الدنيا للاستعصاء الذي يحاصر المسألة السورية.
الألم والقهر والأثمان الذي يدفعه الوطن والمواطن لاستمرار هذا الاستعصاء يدفع الكثيرين الى الدعوة للتجاوب مع اي طرح للحلحلة هذا الوضع، كما يدفع للنظر إلى دعوات التدقيق والتمحيص إزاء أي اقتراح لحل باعتبارها شكل من أشكال الإعاقة، ووضع العصي في دواليب الحل.
والحق أننا فيما نطرح ونحاور ونكشف لا نعيق أي حل، ولا نرفض هذا الحل أو ذاك، لأننا بوادر أي حل حقيقي فيما يطرح .