أمين العاصي
صعّد النظام السوري والجانب الروسي مجدداً في الشمال الغربي من سورية، بعد أن هدأت لهجة الوعيد التركي في الشمال الشرقي من البلاد، مع بدئهما قصفاً جوياً ومدفعياً طاول بلدات في ريفي إدلب وحلب، مؤدياً إلى مقتل وإصابة مدنيين، قبل أكثر من شهر من جولة مباحثات جديدة من مسار أستانة، المقررة بعد 20 ديسمبر/كانون الأول المقبل، حسب ما كشف نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف. وأفادت مصادر محلية “العربي الجديد” بأن قوات النظام قصفت بالمدفعية الثقيلة، صباح أمس الاثنين، بلدة كفرنوران في ريف حلب الغربي، ما أدى إلى مقتل وإصابة مدنيين من عائلة واحدة، إضافة لأضرار مادية في ممتلكات المدنيين. وذكرت المصادر أن القتلى هم امرأة وثلاثة من أفراد عائلتها أصابت إحدى القذائف منزلهم بشكل مباشر، مشيرة إلى أن القرية شهدت حركة نزوح من قبل السكان. إلى ذلك، ذكرت مصادر إعلامية معارضة متقاطعة أن قصف قوات النظام تزامن مع اشتباكات بالأسلحة الثقيلة بينها وبين فصائل المعارضة في ريف حلب الغربي. بدوره، عاود الطيران الروسي، أمس، قصف بلدات وقرى في ريف إدلب الجنوبي، فاستهدفت غارة جوية محيط قرية دير سنبل، وأخرى محيط قرية مجدليا. وشنّت طائرة روسية غارة على منطقة جبل الأربعين في ريف إدلب الجنوبي. وذكر ناشطون أنه لم تقع إصابات بين المدنيين جراء الغارات الروسية.
وارتفعت وتيرة القصف في الشمال الغربي من سورية خلال الأيام الماضية في خضمّ الوعيد التركي بشن عملية واسعة النطاق ضد “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) في الشمال الشرقي من سورية، والذي تراجع زخمه بسبب رفض روسي وأميركي أي تحرك تركي يبدل خريطة السيطرة في شرق نهر الفرات أو غربه. وارتكب الطيران الروسي مجازر عدة في الشهرين الأخيرين، مع مقتل مدنيين، يوم الخميس الماضي، بغارة جوية استهدفت مزرعة للدجاج يقطنها نازحون بصواريخ شديدة الانفجار، ما أدى إلى مقتل رجل وامرأة وثلاثة أطفال. وفي الشهر الماضي، أدت الغارات الروسية إلى مقتل وإصابة العشرات، معظمهم أطفال، في مدينة أريحان جراء قصف مدفعي استهدف سوق المدينة. ويأتي تصعيد النظام والروس قبل انعقاد جولة جديدة من مباحثات مسار أستانة التفاوضي، بعد إعلان الخارجية الكازاخية منذ أيام أن الجولة المقبلة من مباحثات أستانة ستعقد منتصف الشهر المقبل، مشيرة إلى أنها تلقت طلبات من الثلاثي الضامن تفاهمات هذا المسار (تركيا، روسيا، إيران) بهذا الخصوص. ودأب الجانب الروسي على التصعيد قبيل كل جولة من جولات هذا المسار، الذي بدأ مطلع عام 2017، ولم يستطع تحقيق شيء، حتى اتفاق وقف إطلاق النار لم يلتزم به الروس والنظام. ومنذ بدء هذا المسار، سيطر النظام على أغلب مناطق المعارضة السورية في أرياف دمشق وحمص الشمالي وحماة الشمالي وحلب الجنوبي وحلب الغربي. ولم يبق أمام النظام من المناطق الخاضعة لتفاهمات أستانة إلا بعض المناطق في محافظة إدلب ومحيطها، لذا، من المتوقع أن يواصل النظام التصعيد تجاهها، مع تفرّغه لهذه المنطقة بعد تسوية الأوضاع في جنوب سورية بشكل كامل.
ومن الواضح أن موسكو تسعى للحصول على مكاسب للنظام في محافظة إدلب، تحديداً في ريف إدلب الجنوبي وجانب من ريف إدلب الغربي، لاستعادة الحركة على الطريق الدولي “أم 4” (أوتوستراد حلب ـ اللاذقية). ويُعدّ هذا الطريق الحيوي في سورية محل خلاف كبير بين أنقرة وموسكو، مع سعي الأتراك وراء مكاسب لهم في ريف حلب الشمالي في مقابل هذا الطريق. ويطالب الجانب الروسي بتطبيق اتفاق موسكو الموقع في 5 مارس/آذار 2020 مع الأتراك، خصوصاً لجهة السيطرة على “أم 4” وإبعاد الفصائل عن محيطه واستعادة الحركة التجارية عليه. ولا يمكن للروس السيطرة على الطريق بشكل كامل إلا بالسيطرة على منطقة جبل الزاوية ومدينة أريحا في ريف إدلب الجنوبي، ومدينة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي والمنطقة الفاصلة بين المدينتين. وأوضح القيادي في فصائل المعارضة في شمال غرب سورية العقيد مصطفى البكور، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “التصعيد الروسي لم يتوقف على المناطق المحررة (المناطق الخاضعة لفصائل المعارضة) منذ بداية مسار أستانة”، مشيراً إلى أن الروس يضربون حتى في المناطق التي تعتبر آمنة، مثل درع الفرات (ريف حلب الشمالي) وغصن الزيتون (منطقة عفرين)، لذلك، لا يمكن الحديث عن عودة التصعيد وإنما استمرار التصعيد. وعن موقف فصائل المعارضة من هذا القصف، اعتبر “أن الفصائل تقوم بالرد على القصف بشكل دائم”. من جهته، لا يرى الباحث في مركز “الحوار السوري” محمد سالم أن “هناك تغيرات كبيرة في مستوى التصعيد المستمر منذ مدة طويلة على إدلب”. ورأى في حديث مع “العربي الجديد” أن “هذا المستوى المستمر يأتي استمراراً لاستراتيجية الروس بالضغط على فصائل المعارضة السورية في الشمال الغربي من البلاد، وعلى الجانب التركي، وعدم ترك المنطقة تنعم بالراحة وإضعاف الثقة الشعبية بالقدرات التركية”.
المصدر: العربي الجديد