كريمة دغراش
في اتصال هاتفي جديد مساء الأحد، شجّع وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن الرئيس التونسي قيس سعيّد على “انتهاج عملية إصلاح شفّافة، تشرك جميع الأطراف لمعالجة التحدّيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الجسيمة”، وعبّر عن رغبة بلاده في أن تجد هذه الإصلاحات طريقها إلى التجسيد في أسرع الأوقات في تونس “للاستجابة لتطلعات شعبها في استمرار التقدّم الديموقراطي”، مؤكداً مواصلتها دعم تونس وتأييدها الدعم الذي يمكن أن تجده لدى عدد من الدول والمنظمات الدولية عندما تُضبط مواعيد الإصلاحات.
وفي وقت جاء البيان الأميركي عن الاتصال مقتضباً، أصدرت الرئاسة التونسية بياناً مطوّلاً تطرقت فيه الى المكالمة بين سعيّد وبلينكن، وأشارت بإطناب إلى الأسباب التي دعت إلى اللجوء إلى الفصل 80 من الدستور بإقالة الحكومة وتعليق البرلمان.
وبيّن سعيّد في البيان أن “الدستور لم يُعلّق بل تم فقط تجميد عضوية أعضاء المجلس النيابي إلى حين زوال هذا الخطر الذي لا يزال جاثماً في البلاد، وأنه يتم الإعداد للمراحل المقبلة للخروج من هذا الوضع الاستثنائي”، مشدداً على ضرورة أن يتفهّم شركاء تونس أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية هي المشكل الأساسي الأول.
وهذه ليست المرة الأولى التي تطالب فيها واشنطن سعيّد بوضع سقف زمني لمرحلة ما بعد 25 تموز (يوليو)، فقد سبق لإدارة البيت الأبيض أن رفعت المطالب ذاتها مباشرة بعد إعلانه التدابير الاستثنائية، لكن المكالمة الهاتفية الجديدة قد تعكس تغييراً في تعامل هذه الإدارة مع الملف التونسي، بحسب كثير من المراقبين، يسعى إلى التسريع في إغلاقه.
ويواجه سعيّد منذ تموز الماضي ضغوطاً دولية للإعلان عن خريطة طريق لمرحلة ما بعد الإجراءات الاستثنائية، مع تصاعد المخاوف من انفراده بالحكم بعدما جمع كل السلطات بين يديه.
في المقابل، تخوض الحكومة الجديدة التي خلفت حكومة هشام المشيشي المقالة، بموجب الإجراءات الاستثنائية، مفاوضات شاقة مع صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على قرض جديد، وتشترط المؤسسة الدولية المانحة القيام بإصلاحات تعارضها الأطراف الاجتماعية وتصفها بالموجعة، كتسريح الموظفين ورفع الدعم وتقليص كتل الأجور، وتسابق الحكومة الزمن من أجل توفير موارد لتعبئة الموازنة الجديدة، في ظل تراجع تصنيفها السيادي وتوقعات باستمرار أزمتها الاقتصادية.
سيناريو السّودان
وأثار تزامن المكالمة مع إعلان اتفاق التسوية السياسية في السودان الأسئلة حول احتمال تكرار السيناريو السوداني في تونس، بدفع الفاعلين السياسيين إلى العودة إلى ما قبل حوادث تموز، رغم أن البيان الأميركي لم يصفها بالانقلاب.
ورأى بعض المحللين أن البيان الأميركي الجديد جاء بلهجة فيها شيء من التهديد، إذ ربط المساعدات الأميركية والدعم الدولي بالإصلاحات السياسية. ويعتقد أصحاب هذا الرأي أن تكرار السيناريو السوداني في تونس، بدفع أطراف الأزمة للجلوس إلى طاولة الحوار مجدداً، واحد من السيناريوات المحتملة في الفترة المقبلة بالنسبة الى واشنطن.
ويقول المحلل السياسي هشام الحاجي لـ”النهار العربي” إن المقارنة بين الوضع في تونس والوضع في السودان تستدعي استحضار اختلاف السياقات، مؤكداً أن لتونس موقعاً مهماً في الاستراتيجية الأميركية، وخصوصاً في ما يتعلق بالانتقال الديموقراطي “لكن الرهانات في السودان أكبر وأهم”.
ويرى أن المكالمة الأخيرة تؤكد عودة الاهتمام الأميركي بتونس، بخاصة في ظل تسارع التغييرات الإقليمية، مشيراً إلى أن الحزب الديموقراطي “يتبنى فكرة نشر الديموقراطية في العالم العربي، وله شخصيات وأحزاب يراهن عليها أكثر من غيرها، من بينها حزب “حركة النهضة” التونسي”، وفق رأيه.
ويقول الحاجي إن مكالمة بلينكن التي تأتي بعد إغلاق الملف السوداني تحمل شكلاً من أشكال الضغط على الرئيس سعيّد، بسبب ما سمّاه “تقلص المهلة الأميركية الممنوحة له”.
خيارات قليلة
وتبدو خيارات سعيّد لتجنّب سيناريو السودان قليلة، بحسب الحاجي الذي يؤكد أنه علاوة على ضغوط الخارج، فإن الحلفاء التقليديين لسعيّد بدأوا ينفضّون من حوله، وهو ما يقلّص هامش المناورة أمامه.
وداخلياً تتوسع دائرة المعارضين لقرارات سعيّد الاستثنائية. والأحد 14 تشرين الثاني (نوفمبر) نظّم حزب “حركة النهضة” مع الأطراف المناصرة له مسيرة حاشدة للمطالبة بعودة البرلمان، هي الأكبر عددياً منذ تموز الماضي.
ورغم أن سعيّد لا يزال متصدراً نيات التصويت في الانتخابات الرئاسية، بحسب ما يؤكده استطلاع أخير للرأي، إلا أن نسبة الرضا عن قراراته تراجعت، وهو ما يزيد من حجم الضغوط عليه.
وبعد نحو أربعة أشهر، لا يزال الوسط السياسي في تونس يترقب إعلان سعيّد خريطته للمرحلة المقبلة. ويقول كثير من المراقبين إن تأخره في الإسراع بهذه الخطوة فتح الباب أمام التدخلات الخارجية في تونس.
ويعتبر أستاذ القانون الدستوري صغير الزكراوي، في تصريح الى “النهار العربي”، أن الرئيس سعيّد كان بإمكانه غلق الباب أمام هذه التدخلات لو أسرع في الإعلان عن الخطوط العريضة للمرحلة المقبلة، مشدداً على أنه “أهدر الكثير من الوقت، ولم يفتح الملفات الحقيقية التي كان التونسيون يأملون فتحها ويساندونه من أجلها، وهو لذلك يجد نفسه اليوم مجبراً على الاستجابة للضغوط الخارجية”.
ويقول الزكراوي إنه “لا خيار أمام سعيّد اليوم سوى تحديد سقف زمني للإصلاحات التي ينوي القيام بها، وفتح باب الحوار بإشراك كل المنظمات الوطنية والأحزاب والشخصيات التي لم تكن طرفاً في منظومة ما قبل 25 تموز، بعيداً من أي محاولة للانفراد بالحكم أو البحث عن تنفيذ مشروع سياسي هلامي قد يقود البلاد نحو المجهول”.
المصدر: النهار العربي