د- حسين عتوم
لم يتوفّر للناس قبل عصرنا الرقمي مساحات خاصة يُلقون فيها ما شاؤوا من كلمات ، أو منصّات شخصيّة يبعثون منها ما شاؤوا من أفكار؛ كما توفّر في هذا الزمان .
ولم يسبق قبل عصرنا الرقمي أنْ تصل الخواطر والأحداث و الصور لحظة النشر !
لتخلّف وراءها انفعالات متضاربة ، تتفاوت عمقاً و سطحية ، جمالاً و قبحاً ، إصلاحاً وإفساداً، أو بناءً و هدماً !
المقام الجديد !
تقول الحكمة المأثورة : ( لكل مقام مقال ) ، و في زماننا الصّعب نحن أمام مقام جديد ليس له سابقة أو نظير فيما مضى !
نحن أمام عالم كبير أشبه بقرية صغيرة ، و حداثة شائهة مقلوبة أشبه بزمن الجاهلية ، و نظام عالمي بغيض أشبه بحقبة الإقطاع و العبودية ..
فهل ما تسطّره الأقلام على مستوى هذا المقام من التحديات الشرسة و الأحوال الصعبة ؟ ليكون لها أثر ( مهما كان زهيداً ) في تخفيف النكبات و سدّ الرمق و تشجيع النجاح و إضاءة شمعة و إحياء همة و استنقاذ روح من براثن البؤس و اليأس ؟
على عاتق مَنْ يقع الوقوف أمام تيار الإلحاد المدعوم عالمياً ؟ إذا لم يقع على كاهلك !
مسؤولية مَنْ حماية الأبناء و الأسرة من طوفان التفاهة و الانحراف ؟ إذا لم تكن مسؤوليتك !
يقول الحق سبحانه:( كنتم خير أمة أُخرجتْ للناس ، تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر )
من الرّقيّ الأخلاقي أنْ يستحضر المرء أثر الكلمة أو الصورة على الآخر قبل نشرها، لا أنْ تسوقه المشاعر الأنانية بعيداً عن المشاعر الإنسانية ؟
ومن السموّ ألا يغرق في الخصوصية بعيداً عن الشأن العام و مآسي المجتمعات والأفراد .
يجب ألا تنفصل الخاطرة و الفكرة و الصورة عن العقل و الذوق و الأخلاق ؛ و هذا يقتضي الاحتفاظ بالخصوصية في نطاق مناسب ، بالقدر الذي يقتضي الاهتمام بقضايا الواقع على نطاق واسع .
كثيرٌ من الأقوال و المواقف تذبل و تموت بمجرّد السكوت عنها ، و تقوى و تستحكم بالحديث و الخوض فيها وهذا سببٌ من أسباب سطوة التفاهة و الاختلاف ، و عُزلة الفكر و العُمق .
و من الجمال و الحكمة أن نتحرّى مواضع السكوت و التجاهل لقطع الإمداد حيث يجب القطع، و مواضع الصدع و الكلام حيث يجب الإمداد .
ليت الأقلام تساهم في جعل برامج التواصل أكثر عافية ؛ في الوقت الذي غدتْ فيه سبباً من أسباب الضّيق و الكآبة !
يهتك الشخص خصوصيته بنفسه و يقدمها مجاناً ، ثم يدرك ما اقترفه من حماقة أمام حاسد أو مستغل !
ويُغرق طوفان التفاهات مساحات قيّمة من الأوقات الغالية ، فيجعلها أرخص من الرُّخص !
فهل نستثمر وسائل العصر كما يجب ، و ندرك أننا مسؤولون اليوم و غداً عن الكلمة و الفكرة و الصورة ؛ و القلم و ما يسطرون .