سيبستيان كستيليي
ترجم المقال من الفرنسية حميد العربي.
تعد دول مجلس التعاون الخليجي الست من بين الدول ذات أعلى نسبة انبعاثات للفرد من ثاني أكسيد الكربون في العالم. في ظل الكفاح من أجل إزالة الكربون من الاقتصاد العالمي، تعلن المملكات البترولية في الخليج العربي عن أهداف لبلوغ الحياد الكربوني، دون التخلي عن تصدير المحروقات.
على عكس اتجاه الرأي العام الدولي، يؤكد الأمير عبد العزيز بن سلمان بأنه سيتم استخراج “كل جزيء” من ال 297 مليار برميل من النفط الخام الموجود في باطن الأرض السعودية. يطمح وزير الطاقة في هذا النظام الملكي الوراثي الذي يوفر اليوم ما يقرب ال 10٪ من النفط الخام المستهلك في العالم، في أن تحافظ المملكة العربية السعودية على موقعها الريادي في أسواق الطاقة. ويصل هذا الطموح إلى حد مطالبة علماء الأمم المتحدة بسحب دعوة “الإزالة التدريجية للوقود الأحفوري” من تقرير حول التغير المناخي نُشر في منتصف عام 2021. وقصد تبرير كون مركبته القادمة لن تكون “بالتأكيد” كهربائية، أعلن عبد العزيز بن سلمان بمناسبة إطلاق “المبادرة الخضراء” السعودية: “علي أن أكون وفياً لقناعاتي”.
ولكن على الرغم من موقف لا لبس فيه بخصوص استمرار عصر النفط الشامل، تسعى المملكة العربية السعودية، كما هو حال الأنظمة الملكية النفطية الأخرى في الخليج العربي، للاستفادة من بروز اقتصاد خال من الكربون. في عام 2019، استحوذ صندوق الاستثمار الحكومي السعودي (صندوق الاستثمارات العامة) على ثلثي رأس مال “لوسيد موتورز” (Lucid Motors)، الشركة المصنعة للسيارات الكهربائية الراقية. وقد أعلنت الشركة الأمريكية الناشئة عن افتتاح مصنع لها في المملكة في عام 2024، لخدمة سوق محلية لم يلجها أحد بعد، ويبلغ عدد سكانها 35 مليون نسمة. تكاد شبكة محطات إعادة الشحن أن تكون منعدمة ويتم إصدار التصاريح المطلوبة لاستيراد السيارات الكهربائية بصفة شحيحة جدا.
تماشياً مع موقف تتحمل تبعاته ويلعب على الحبلين، التزمت دولة الإمارات العربية المتحدة قبل المؤتمر السادس والعشرين لقمة المناخ التي تنظمها الأمم المتحدة بتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، وهي سابقة بالنسبة لدولة بترولية في الشرق الأوسط. في أعقاب ذلك، تعلن الآن كل من المملكة العربية السعودية والبحرين عن الوصول إلى الحياد الكربوني في عام 2060، لتلتحقا هكذا بأكثر من 130 دولة ملتزمة بالتحكم في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وتشيد بذلك باتريسيا إسبينوزا، الأمينة التنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ قائلة: “إنه قرار يغير قواعد اللعبة، قرار يغير التاريخ”. يجب هنا ملاحظة صمت كل من الكويت وعُمان وقطر في هذا المجال. ومع ذلك، تَعِدُ قطر التي تنظم كأس العالم لكرة القدم 2022 بإجراء بطولة محايدة كربونيا، دون تحديد طريقة الوصول إلى ذلك. “وفق المحادثات التي أجريتها مع الممثلين الرسميين، فإنهم ليسوا مهتمين حقًا بخطة”نتيجة صفر “. هذا ما كشفه سيد محمد، أخصائي في السياسات البيئية ومدير الاستراتيجية لدى المنظمة القطرية غير الحكومية”حركة الشباب العربي للمناخ”.
عشرة مليارات شجرة في المملكة العربية السعودية
“سواء تعلق الأمر بالإمارات العربية المتحدة أو الصين أو اليابان أو الولايات المتحدة، من المهم بالفعل أن يكون هناك هدف”نتيجة صفر“، ثم يأتي الجدل البديهي حول مصداقية هذا الهدف وكيفية تحقيقهم لذلك”. هكذا يحلل أسعد رزوق الوضع، وهو مقاول لبناني بريطاني مقيم في سنغافورة ومتخصص في الطاقات المتجددة. لكن الأصوات تتصاعد مشككة في حركة حياد الكربون التي انضم إليها عدد متزايد من الدول والشركات عبر العالم. في تغريدة نُشرت على هامش قمة المناخ، عبّرت غريتا تورنبرغ عن استيائها من استراتيجيات التعويض لغازات الدفيئة المنبعثة. وترى الناشطة السويدية أن هذه التعويضات هي في الواقع تصاريح بالتلويث، بدلاً من العمل على التقليل من الانبعاثات ذات الصنع البشري: “يعتبر المنتفعون الملوثون التعويض على أنه ’بطاقة خروجهم من السجن مجانًا’ في لعبة المناخ”.
بالفعل، إذا كان الحياد الكربوني يعني تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، فهو يعني في المقام الأول تعويض الكربون الذي يستمر انبعاثه، لا سيما من خلال تخزينه في التكوينات الجوفية أو من خلال حلول طبيعية مثل الغابات. يوضح سيد محمد بخصوص المشروع الذي تقوده المملكة العربية السعودية لزرع 10 مليارات شجرة في جميع أنحاء البلاد في العقود القادمة، مع تجنب المسألة الشائكة المتمثلة في إعادة نظر عميقة لنموذج المجتمع القائم على الكربون يقدره السكان المحليون: “لن تمتص هذه الأشجار ثاني أكسيد الكربون على الفور. إنه موطن طبيعي ويستلزم الأمر وقتًا حتى تنمو هذه الأشجار وتبدأ في امتصاص ثاني أكسيد الكربون”.
لم تكشف بعد دول الخليج عن خارطة طريق لتحقيق هدف الحياد الكربوني، لكن من المنتظر أن يلعب التعويض دورًا مركزيًا فيها. ويتماشى ذلك مع النهج السعودي الرافض اعتبار النفط عدواً، مفضلاً القيام بدعاية لصالح التعويض. وفقًا لوكالة الطاقة الدولية، وهي هيئة كانت تعتبر لمدة طويلة مقربة من المجموعات النفطية، فإن الحياد الكربوني بحلول عام 2050 يتوافق مع الجهود الرامية إلى الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى + 1.5 درجة مئوية، مقارنةً بعصر ما قبل الصناعي.
استهلاك طاقوي خارج المعايير
على صعيد الطاقة، تتوفر الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي على إمكانات هائلة للقيام بعمل أفضل. وحتى الآن، فهي تسجل بالفعل إحدى أعلى معدلات استهلاك الفرد للطاقة في العالم. يعود ذلك على الخصوص بسبب وجود مكيفات الهواء في كل الأمكنة قصد عزل السكان عن حرارة الصيف الحارقة التي تتجاوز بانتظام 50 درجة مئوية. وهي مكيفات تشغل بتيار كهربائي ملوِّث، فعلى الرغم من توفر معدل سطوع شمس عال، لم تنتج المملكة العربية السعودية في عام 2018 سوى 0.04٪ من كهربائها من الطاقات المتجددة. ولا تزال المملكة واحدة من آخر الدول في العالم التي تنتج أكثر من 40٪ من الكهرباء في محطات توليد تعمل بالبترول. وهي تبتلع يوميًا ثلاثة ملايين برميل من النفط الخام لتلبية احتياجاتها المحلية من الطاقة وتشغيل محطات تحلية مياه البحر. وهو ما يعادل استهلاك البرازيل، مع أن هذا البلد يزيد عدد سكانه عن السعودية بستة أضعاف.
أمام الانخفاض الكبير في تكاليف إنتاج الكهرباء المتجددة (إذ أصبحت الطاقة الشمسية توفر أرخص كهرباء في التاريخ) والحاجة إلى تطهير ماليته العامة، يهدف الاقتصاد العربي الأول إلى الوصول لإنتاج 50٪ من الكهرباء من مصادر متجددة في عام 2030. يقول مصدر في قطاع الطاقة السعودي: “قد لا يحققون جميع الأهداف، لكن أن نرى حصة الطاقة المتجددة في إنتاج الكهرباء تنتقل إلى 10-20٪ خلال السنوات الخمسة إلى السبعة المقبلة أمر واقعي”.
فضلا عن الانتقال نحو إنتاج كهرباء ومياه شرب أقل استهلاكا للطاقات الأحفورية، بإمكان دول الخليج أيضًا الاعتماد على معدل مرتفع من التحضر العمراني -وهو يتراوح بين 84٪ في المملكة العربية السعودية و100٪ في الكويت- لتحسين التكلفة البيئية لكل فرد من سكان البنايات. إذ تؤكد وكالة الطاقة الدولية على أهمية تحسين “كفاءة استخدام الطاقة للمباني”، وإلا لن تتمكن الدول “من تحقيق أهدافها المناخية”.
إذا كانت المباني المعتمدة على أنها خضراء لا تزال نادرة في شبه الجزيرة العربية (12 فقط في عُمان)، كما أن هناك استخدام ضعيف للمستشعرات الذكية الخاصة بالإضاءة والثرموستات أو خوارزميات كفاءة الطاقة المسيرة بالذكاء الاصطناعي، فإن الإمارات العربية المتحدة أخذت هذا المنعرج من خلال 869 بناية مصنفة خضراء، وإلزام جميع المباني الجديدة منذ عام 2014 بالامتثال إلى تنظيم المباني الخضراء.
تعلق هدى مأمون الشكعة، الخبيرة في المدن المستدامة ومؤسسة مدونة التنمية المستدامة في المدن العربية The Green Urbanista“:”يمكن لسياسات التخطيط الحضري أن تشجع المباني ذات الكفاءة العالية في استخدام الطاقة، والعمل على دمج إنتاج الطاقة الخالية من الكربون في البيئة المبنية بالفعل”.
تعد معدلات التحضر العمراني المرتفعة أيضًا فرصة سانحة لإعادة التفكير في الحركية الخليجية حول الاستخدام الأفضل لوسائل النقل العمومي. ففي شوارع منطقة “الخليج التجاري” بدبي، أصبحت شبكات المترو والترام والحافلات -التي سجلت حوالي 212 مليون رحلة في عام 2020- من حقائق الحياة اليومية للكثير من العمال الأجانب.
في المملكة العربية السعودية، أعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن مشروع “ذا لاين”، وهي مدينة خالية من السيارات بطول 170 كيلومترًا، تعزز أسلوب حياة مجتمعي خالٍ من الكربون ومبني حول مراكز النقل. مازال المنتقدون يشككون في ذلك، مشيرين إلى رداءة نتائج أداء المنطقة في تنفيذ أهدافها الطموحة، ويُبرز المثال العُماني ضخامة المهمة. تلاحظ إسلام بوزندا، خبيرة الاستدامة المجتمعية والمحاضرة في جامعة توينتي في هولندا، بعد عدة تجارب مهنية في عمان أن “السلطات تجد صعوبات في تغيير الذهنيات، لا سيما في الحد من الاعتماد على السيارات”.
الجلوس على طاولة المفاوضات حول المناخ
توجد دول مجلس التعاون الخليجي الست من بين الدول الاثني عشر التي سجلت أعلى نسبة انبعاثات للفرد من ثاني أكسيد الكربون في العالم. تقدر انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في المملكة العربية السعودية في عام 2019 بنحو 580 مليون طن، أي ما يقارب أربعة أضعاف نصيب الفرد في فرنسا. غير أن الاستهلاك الظاهري الجامح للطاقة في دول الخليج يخفي في الواقع مسؤولية الاقتصاد العالمي عن هذه النتائج البيئية السيئة. بالفعل، فإن جزءا هاما من انبعاثات المنطقة ناتجة عن إنتاج الوقود الأحفوري الذي يتم توجيهه بعد ذلك إلى أسواق الاستهلاك النهائي. وقد كشفت دراسة أجراها سيد محمد أن 64٪ من ثاني أكسيد الكربون المنبعث في الأراضي القطرية يتم تصديره بعد ذلك. وتُعد هذه الإمارة أول مصدر في العالم للغاز الطبيعي المسال، وتنتج المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على التوالي 11.5 مليون و3.65 مليون برميل من النفط يوميًا، يتم تصدير الغالبية العظمى منها.
لم تدافع دول المنطقة عن نفسها “بشكل جيد” منذ بدء مفاوضات المناخ في سنة 1992، كما يعلق المحلل المختص في السياسات البيئية مشيرا إلى أن “اتفاق باريس سنة 2015 كان الوقت المناسب لهم لتسجيل نقطة، ولكنهم ضيعوا الفرصة. أما الآن فقد فات الأوان” للمطالبة بتقاسم عادل بين المنتجين والزبائن لمسؤولية الانبعاثات المرتبطة بإنتاج الوقود الأحفوري.
مع اشتداد الضغط الدولي حول مكافحة التغير المناخي، ترفض دول الخليج المصدرة للنفط بشكل قطعي أن تتحمل وحدها مسؤولية انبعاث ثاني أكسيد الكربون أثناء إنتاج الهيدروكربونات المعدة للتصدير، وخاصة إلى الدول الآسيوية. وهو نهج مخالف لموقف الانتظار والترقب الذي سلكوه لمدة طويلة بشأن هذه القضية، مما سمح للزبائن النهائيين بالتملص من العبء البيئي المرتبط بالمادة الخام المستهلكة. وقصد إعادة التحكم في السردية، تحرص إعلانات أهداف الحياد الكربوني لدول الخليج على أن تستبعد من الحساب أي انبعاثات مرتبطة بالمنتجات الموجهة للتصدير، لتبقى هكذا التزاماتها في حدود الاستهلاك المحلي للطاقة. وهي استراتيجية تسمح لدول المنطقة بطرح مسألة المساواة في تقاسم تكلفة إزالة الكربون من الاقتصاد العالمي.
بعد عقود من الضغط المكثف المناهض للمناخ، تقوم المنطقة بتغيير مسارها في المسألة البيئية. تمنح إعلانات الحياد الكربوني مقعدًا للمنطقة على طاولة المفاوضات بشأن المناخ. على سبيل المثال، حصلت الإمارات العربية المتحدة في الآونة الأخيرة على تنظيم قمة المناخ 28 في عام 2023. ويتمثل هدف الأنظمة الخليجية النفطية في الحفاظ على مصالحها الاقتصادية، وطرح خطاب موات للحفاظ على الوقود الأحفوري في المزيج الطاقوي العالمي. وقد علّق عبد العزيز بن سلمان في مؤتمر قمة المناخ 26 قائلا: “من الضروري أن نعترف بتنوع الحلول المناخية، وأهمية الحد من الانبعاثات على النحو المنصوص عليه في اتفاقية باريس، دون التحيز مع أو ضد مصدر معين للطاقة”.
قبل بضعة أشهر من ذلك، ووفيا لخطه المعارض لأي جهد يهدف إلى دفن الذهب الأسود في سجلات تاريخ البشرية، رفض وزير الطاقة السعودي بشكل كامل ورقة طريق وكالة الطاقة الدولية لتحقيق الحياد الكربوني للمعمورة بحلول عام 2050. وهي ورقة تدعو إلى نشر مكثف لجميع تقنيات الطاقة النظيفة المتاحة على حساب الوقود الأحفوري. وقال عبد العزيز بن سلمان ساخرا: “هذا التقرير تتمة لفيلم”لا لا لاند“. لماذا علي أخذه على محمل الجد؟”.
سيبستيان كستيليي صحفي مستقل
المصدر: موقع أوريان21