عدنان أحمد
تعود قضية ملاحقة مجرمي الحرب في سورية إلى الواجهة مع الكشف، أمس الأول، عن مطالبة الادعاء العام الألماني بالسجن المؤبد بحق أنور رسلان، الضابط السابق في جهاز المخابرات التابع للنظام السوري المتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
وأفادت وكالة “فرانس برس” بأن الادعاء الألماني أكد أن رسلان، الذي يحاكم منذ 23 إبريل/نيسان 2020، أمام محكمة كوبلنس بتهمة تعذيب معتقلين في مركز احتجاز سرّي تابع للنظام في دمشق، مذنب بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية. ويُتهم رسلان بالمسؤولية عن مقتل 58 شخصاً، والمشاركة في تعذيب ما لا يقل عن أربعة آلاف آخرين، أثناء عمله في فرع الخطيب بدمشق.
ولزم أنور رسلان الصمت خلال كلّ الجلسات، لكنّ محاميه قرأ في بداية المحاكمة بياناً مطوّلاً نيابة عنه، نفى فيه أن يكون موكّله قد مارس التعذيب في فرع الخطيب الذي كان يترأس فيه قسم التحقيقات. يشار إلى أن رسلان لم يحاول إخفاء ماضيه عندما لجأ إلى ألمانيا، لا بل إنّه طلب بنفسه من الشرطة في برلين، في فبراير/شباط الماضي، أن تحميه، وأخبرها بأنّه كان ضابطاً في المخابرات السورية.
وتثير هذه القضية آراء متعددة بين السوريين، بين من يعتبرها بداية تاريخية على طريق العدالة والقصاص من مجرمي الحرب، الذين ارتكبوا فظائع خلال السنوات العشر الدامية في سورية، وآخرون يرون أنها تمثل عدالة منقوصة أو انتقائية، لأن هذه المحاكمات تستهدف منشقين عن نظام بشار الأسد منذ سنوات، وليس ضد رموزه وكبار قادته الذين ما زالوا على رأس عملهم حتى اليوم.
توقعات بالحكم المؤبد على أنور رسلان
وكان ممن طالب بالعدالة من رسلان محامي حقوق الإنسان السوري أنور البني، الذي قال في 2014، إنه تعرف على رجل في مركز اللجوء الخاص به في برلين، مؤكدا أنه الشخص الذي اعتقله قبل سنوات عديدة في دمشق.
وفي حديث مع “العربي الجديد”، توقع البني صدور حكم بالمؤبد على رسلان. وحول الانتقادات التي يوجهها بعض السوريين لمحاكمة رسلان، ومجمل المحاكمات لسوريين في الخارج متهمين بارتكاب انتهاكات وجرائم بأن هذه المحاكمات لا تمثل عدالة حقيقية، بل عدالة انتقائية ولن تطاول بمسارها الحالي رموز الإجرام الحقيقيين في سورية، قال البني: “بدأنا بملاحقة رموز الإجرام في سورية منذ العام 2017، وقدمنا ملفات حولهم، وصدرت بحقهم مذكرات اعتقال، لكن لم يتم القبض عليهم حتى الآن لتتم محاكمتهم”.
واعتبر البني أن المغزى الأهم من محاكمة رسلان وغيره أن القرار والاتهام ليس لهم شخصياً، بل هو “لكل النظام، لأن الجرائم ضد الإنسانية لا يرتكبها شخص، بل يرتكبها نظام كامل بكل أركانه، وهذا هو المغزى الحقيقي لهذه المحاكمات”.
أنور رسلان جزء من منظومة النظام
من جهته، اعتبر مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، في حديث مع “العربي الجديد”، أن هذه المحاكمة خطوة محدودة جداً في مسار العدالة، لأن رسلان في أسفل هرم النظام السوري، ومسؤولي النظام لن يسافروا إلى دول قد يتعرضون فيها للمحاكمة.
لكن من جهة أخرى، رأى عبد الغني أن هذه القضية مركبة، لأن رسلان “لديه ضحايا، وكان يتولى منصباً مهماً في استخبارات النظام، وهو رئيس فرع التحقيق في الفرع 215. كما أن أنور رسلان هو جزء من المنظومة الأمنية للنظام، وإدانته هي إدانة لكل النظام، لأنه كان يمتثل لأوامر النظام الصادرة من المستوى الأعلى. والمحاكمة كشفت كيف يتعامل النظام مع المعتقلين”.
وتنظر ألمانيا حالياً في أكثر من 12 قضية تتعلق بجرائم ارتكبت في سورية، وفقاً لتقرير صدر، العام الماضي، عن منظمة حقوق الإنسان، من بينها توقيف الطبيب السوري علاء موسى المتهم بارتكاب عمليات تعذيب للمعتقلين في المستشفيات العسكرية التابعة للنظام.
وفي فبراير الماضي، أصدرت محكمة ألمانية حكماً بالسجن 4 سنوات ونصف السنة على صف الضابط المنشق عن مخابرات النظام إياد الغريب، بعد إدانته بالتورط في اعتقال 30 متظاهراً واقتيادهم إلى مركز اعتقال تعرضوا فيه للتعذيب. واعتبر الحكم، وقتها، الأول من نوعه ضد مسؤول عن جرائم تعذيب تورطت فيها شخصية من قوات النظام.
وأثار هذا الحكم وقتها أيضاً تحفظات لدى البعض، باعتبار أن الغريب انشق في وقت مبكر عن النظام، وهو من تطوع بنفسه لتقديم معلومات عن انتهاكات أجهزة النظام بحق المدنيين.
وكان المحامي السوري ميشيل شماس قال، في وقت سابق لـ”العربي الجديد”، إن الحقوقيين السوريين أسهموا منذ 2016 في تكوين أكثر من سبع قضايا ضد أكثر من 60 مسؤولاً في النظام، وفي مقدمهم رئيسه بشار الأسد وشقيقه ماهر. وأوضح أن هذه القضايا قدمت للسلطات القضائية في عدد من الدول الأوروبية، منها أربع قضايا في ألمانيا وواحدة في كل من فرنسا والنمسا والسويد والنرويج، وهناك أيضاً دعوى مقامة في سويسرا ضد رفعت الأسد بتهم ارتكاب مجازر في حماة في ثمانينيات القرن الماضي.
محاكمات بموجب “الولاية القضائية العالمية”
وتجري المحاكمات ضد مسؤولي النظام في ألمانيا بموجب ما يعرف بمبدأ “الولاية القضائية العالمية”، الذي يتيح لكل دولة محاكمة مرتكبي جرائم ضد الإنسانية، بغض النظر عن جنسيتهم أو مكان ارتكاب جرائمهم.
وأصبحت “الولاية القضائية العالمية” السلاح المختار للجهود الرامية إلى تحقيق العدالة في الجرائم المرتكبة في سورية، لأن إنشاء محكمة مخصصة، مماثلة للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا والمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، يتطلب قراراً من مجلس الأمن. ولأن سورية لم توقع على ميثاق المحكمة الجنائية الدولية، فإن هذا يعني أن الإحالة إلى محكمة لاهاي تتطلب موافقة مجلس الأمن، وهو ما يتعذر الوصول إليه بسبب الممانعة المتوقعة من جانب حليف النظام، روسيا، العضو الدائم في المجلس.
وفي بيان له أمس الجمعة، رحب الائتلاف الوطني السوري بالموقف الأميركي الملتزم بمحاسبة مجرمي الحرب في سورية. وعبر عن دعمه للمبادرة التي قدّمتها المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد في مجلس الأمن، والتي دعت فيها إلى إنشاء آلية قضائية خاصة لمحاكمة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب في سورية.
المصدر: العربي الجديد