محمد عمر كرداس
بانتصارها مع الحلفاء في الحرب العالمية الثانية عام 1945 واستسلام اليابان بعد ضرب مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين بالقنابل النووية والتي أدت إلى تدمير المدينتين بمن فيهما من السكان المدنيين، تكرست الولايات المتحدة كزعيمة لل(عالم الحر)، شاركت باحتلال ألمانيا وحكمت اليابان حكمًا عسكريًا مباشرًا وفرضت نظامها الاقتصادي والمالي على المنهزمين، كما روجت لذلك النظام عند الحلفاء ليصبح نهجًا اقتصاديًا وحيدًا في مواجهة الاتحاد السوفييتي القائم على النظام الشيوعي وحكم الحزب الواحد، تم الاستقطاب العالمي بعد تأسيس حلف الناتو والذي تبعه حلف وارسو لتبدأ في العالم مرحلة جديدة سميت الحرب الباردة، ولتنتهج فيها الولايات المتحدة سياسة حافة الهاوية ضد الحلف الشرقي والتي تعني سياسة الضغط الاقتصادي والتهديد العسكري، ولمحاصرة الاتحاد السوفياتي شنت الحروب في عدة مناطق في العالم ضد حلفاء موسكو والصين التي برز فيها الحزب الشيوعي كحاكم مطلق مثل كوريا وفيتنام وبعض دول شرق آسيا وأنشأت القواعد العسكرية في الدول الحليفة لها والمحيطة بالاتحاد السوفياتي كتركيا وغيرها، كما بنت قوة بحرية عظمى سيرت من خلالها الأساطيل التي تحتوي حاملات الطائرات العملاقة والبوارج التي تعتبر جيوشًا بحد ذاتها، كل ذلك كان يعتبر برأي الإدارات الأميركية المتعاقبة ضروريًا لحماية السلم العالمي ومنع قيام دول ذات نزعات عدوانية تهدد هذا السلم.
مع غطرسة القوة وبروز زعماء أميركيون سيطرت عليهم أوهام جنون العظمة، وبعد أن أصبحت أميركا القطب الواحد بعد تفكك الاتحاد السوفياتي دون حرب، شرع منظرو ومفكرو هذه الدولة العظمى باستنباط طرق جديدة للسيطرة على العالم وعدم ترك الفوضى والفراع يعمان بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، فكان صراع الحضارات ونهاية التاريخ وتكريس انتصار النظرية الأميركية ووجوب تعميمها وتعميم الديمقراطية الأميركية على العالم ولو بالقوة.
لم تكتف أميركا بالهيمنة المالية والاقتصادية عبر سيطرتها على العالم وفرض سياساتها بقوة المال والاقتصاد وبنظام العقوبات والحرمان بل لجأت لسياسة القوة والاحتلال في أكثر من منطقة في العالم.
بتولي جورج بوش الأب وتدشينه أول حروب أميركا في منطقتنا ضد العراق لإخراجه من الكويت عبر تحالف عريض ضم دول عربية فاعلة وعبر منعه الحل السلمي لإنهاء الاحتلال بدأت مرحلة جديدة في السياسة الأميركية تعتمد القوة الغاشمة بعد مرحلة الحرب الباردة، كانت حرب إبادة للجيش العراقي ودفن الآلاف أحياء بهمجية مقصودة بحجة تحرير الكويت، ولإرهاب العالم بالقوة الغاشمة التي لاتعرف الرحمة ولا تحضع حتى لقواعد الحرب بين الجيوش.
بعد عملية تفجير برجي التجارة في نيويورك وضرب البنتاغون بعمليات انتحارية عبر طائرات مدنية والتي اتهم تنظيم القاعدة الذي يقوده أسامة بن لادن سعودي الجنسية وحليف أميركا السابق بتدبيرها، قامت الجيوش الأميركية مع تحالف دولي باحتلال أفغانستان لتدمير القاعدة وبقيت هناك مدة عشرين عامًا وبعد انسحابها المذل عادت الأمور كما كانت وكأنك (ياأبوزيد ماغزيت) فبعد أن كانت طالبان تسيطر على أجزاء من الدولة أصبحت تسيطر عليها بالكامل وقام تنظيم القاعدة بعملية انتحارية في مطار كابول يوم الانسحاب الأميركي ليودع الأميركان بعدد كبير من القتلى والجرحى.
صرفت أميركا في أفغانستان قرابة ترليون دولار وتركت الشعب الأفغاني جائعًا بدون بنية تحتية أو أي مراكز علمية أو أية مصانع ومزارع غير مزارع الحشيش والأفيون.
بعد احتلال أفغانستان وطعم الدم مازال في فمها قامت أميركا بغزو العراق بحجة امتلاكه أسلحة الدمار الشامل التي ثبت عدم وجودها ومع قناعة بوش الصغير بذلك إلآ أنه صمم على الغزو وحسب تصريح جاك شيراك الرئيس الفرنسي أن بوش أبلغه أن وحيًا من السماء يطلب منه ذلك لوجود يأجوج وماجوج هناك. إذًا الخرافة وجنون العظمة قادا إلى حرب العراق الذي كان بوابة الأمة الشرقية ليتحول إلى حكم عصابات وميلشيات نهبت ودمرت وغيرت تركيبة السكان بالتهجير والتشريد ومازال العراق يئن تحت وطأة هذه المليشيات الناهبة والمتخلفة.
فهل هذه هي أميركا التي كانت حلم الكثيرين؟ واذا وصلنا إلى سورية وكيف تتصرف أميركا بالملف السوري نرى العجب، فمن جهة وخلال عشر سنوات نراها تجهر بدعم المعارضة وبمقاطعة النظام، ولكنها على أرض الواقع تفعل العكس فهي تتواجد بجيوشها في مناطق استراتيجية في سورية وتدعم فصائل انفصالية لتستولي على ثلاثة محافظات رئيسية مع أن هذه الفصائل بمكونها العرقي هي أقلية في هذه المحافظات ومع أنها تستمر بدعم أميركي وإشراف مباشر من أميركا فهي تمارس في هذه المناطق نفس سياسة النظام الاستبدادية والفاسدة ضد أهل المنطقة، ومن هنا يتضح الموقف الحقيقي لأميركا التي تجهر بدعمها لوحدة واستقلال سورية ولكنها تمارس سياسة انفصالية ودكتاتورية عبر حلفائها فلا تهتم لمصائب الشعب السوري ومعاناته وتنازلت عن أن النظام فقد شرعيته لستدعي روسيا لحمايته وتجنيبه السقوط عندما فشلت إيران بذلك.
من يعتبر أميركا هي المنقذ فقد فقد عقله، حسب وجهة نظري، أميركا لاتعرف إلا التخريب والتهديم وتفسيخ الكيانات لأن أميركا حقيقة لاتخيفها إلا الديمقراطية، وبنظرة على من تحالف من الأنظمة في المنطقة يتضح ذلك تمامًا.
المصدر: إشراق