في كلمته أمام جلسة خاصة في مجلس الأمن مساء يوم الإثنين 9/4/2018، والتي دعت إليها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، للبحث في مجزرة الكيماوي التي ارتكبها النظام في دوما، اقتبس الجعفري من رمز ثورة الحقوق المدنية في أمريكا “مارتن لوثر كينغ” المقولة التالية : ” الكذبة مثل حجرة كلما تدحرجت على الثلج كبرت ” وذلك في معرض نفيه مسؤولية نظامه عن استخدام الأسلحة الكيميائية في الغوطة، وتشبيهه أيضاً ما زعم أنها أكاذيب تستهدف نظامه الذي انتصر على الإرهاب ” بالفيل الذي تطأ قدماه على مجلس الأمن” واستعارات أدبية أخرى حاول الجعفري من خلالها وكعادته، إظهار نظامه المجرم في صورة الحمل الوديع.
يبدو أن وقاحة الجعفري كمحامي دفاع عن أعتى نظام متوحش، في زمن الإفلات من العقاب، وصفاقته المعهودة في عرض روايات النظام الذي يمثله في الأمم المتحدة، قد فاقت قدراته الاستعراضية في قلب الحقائق وتزويرها، حتى تجاوز أسلوبه الخاص في التضليل على نظامه الفاجر، كل حدود الوصف والتمثيل والهزل. ربما لو كان غوبلز رمز الدعاية الهتلرية، في أيامنا هذه وهو يسمع أراجيف وأكاذيب الجعفري، لكان وقع خياله على قدوة استثنائية في تسويق روايات القتلة والمجرمين، ولشعر نفسه بالخجل من شخص يبزه في الكذب والخداع.
الجعفري هو البوق الأكثر تعبيراً عن مطابقة نظامه لحقيقته البشعة، فهو لا يشعر بذرة خجل وهو يلوي عنق التاريخ وأبطاله الحقيقيين، كي يوظف مآثر ورموز وأمثولات كفاحية في متن سرديته المفضوحة، ولا يأبه لملايين ضحايا ” نظامه الممانع” وهو يدافع عن جيش التشبيح والتعفيش بكل فجور ووقاحة، ولا يضيره أن يحاضر بالوطنية والشرف، فيما نظامه السفاح لا يتوقف عن مجازره بحق المدنيين الأبرياء. من المثير للكوميديا السوداء؛ أن هذا الممثل الدجّال يلعلع صوته طيلة سبع سنوات وأكثر على منابر الأمم المتحدة، ولا يكف عن استعراض عضلات نظامه على من يعرفون بابتسامتهم الساخرة، فصول المسرحية ودور الكومبارس الأسدي في حلقاتها الدامية. الأشد وجعاً للروح قبل العقل، أن يبقى الجعفري ممثل عصابة القتل والاغتصاب والتدمير والتهجير، متحدثاً بل ومنظراً في نظريات الحق والقانون والسيادة، على جماجم ضحايا تلك العصابة الطائفية.
في زمن لا حرمة فيه لدماء العرب، ولا خطوط حمراء لمن لا حول لهم ولا قوة، لا عجبَ أن يصبح رموز الاستبداد والإجرام، وأبواقهم المأجورة، نجوماً في الخطابات الرنانة عن مكافحة الإرهاب، وهم أصحابه الشرعيين، وعتاته في القفز على دماء وصرخات ضحاياه، وأن يمُنح الجعفري الوقت الكافي لتضييع دماء وصرخات ملايين السوريين، دون أن يرف له جفن. لو كان مارتن لوثر كينغ حياً لكان بصق في وجه هذا الدبلوماسي البلطجي الذي يستشهد به، ولو كان ثمة مكان للعدل والإنصاف، لما سمحت قاعة الأمم أن يجلس في صدرها، منافحٌ عن الإجرام ومشاركٌ في التغطية عليه بكل عهر وفجور.