أحمد مظهر سعدو
لاشك أن القضية الأحوازية هي من أعقد وأقدم القضايا العربية، المرتبطة مباشرة باستطالات الدولة الفارسية/الإيرانية وتمددها خارج إطار جغرافية إيران وتغولها بل احتلالها الكولونيالي لمناطق جغرافية محيطة بها، في سياق تحقيق أطماعها الامبراطورية الفارسية، التي لايبدو توفر حالة اقتناع عند الإيرانيين بأنها قد بادت كلية بعد أن سادت لفترات زمنية طويلة، ضمن محددات الصراع التاريخية المعروفة مع محيطها الإقليمي العربي وأيضًا الروماني.
وإذ يتطلع ويتشوف الأحوازيون المحتلة أرضهم من قبل دولة الملالي الإيرانية اليوم، إلى الانعتاق من ربقة الاستعمار الإيراني/ الفارسي، فإنهم وفي سياق متغيرات الواقع العربي المتردي، وحالة الانقسام والاستنقاع العربي الكبرى، وتشظي الدول الاقليمية، وغياب الرؤيا العربية الموحدة ومشروعها المفترض والضروري، في مواجهة المشروع الإيراني وأطماعه وأخطاره، وعدم القدرة على توليد مشروع عربي رسمي وقوي في مواجهة الخطر الإيراني المحدق. أمام كل ذلك فإن شعب الأحواز وأهل الأحواز الذين يعانون من التشريد والتهجير والملاحقة، والمحتلة أرضهم منذ عام 1925 يحاولون جهدهم لتوحيد الصف والموقف الأحوازي سوية، توخيًا لإعادة بناء تجمع أحوازي عربي في بلاد اللجوء، ضمن وعي مطابق لماهية الواقع، ومن ثم العمل على إعادة إنتاج جسم ثوري وطني أحوازي يجمع الجميع، ويضم كل قوى الثورة الأحوازية بلا استثناء من أجل تخطي وتجاوز حالة الانقسام العربي، وترهل واقع الجامعة العربية الذي بات هو الآخر غير قادر على الحركة ولا الفعل بالضرورة.
فقد اجتمعت منذ أيام في العاصمة البريطانية لندن قوى أحوازية سياسية في إطار المؤتمر الرابع للمجلس الوطني لقوى الثورة الأحوازية الذي ضم بين ظهرانيه العديد من قوى الثورة الأحوازية وفصائلها التي تعمل في أطر حزبية وفصائلية منذ سنوات عديدة، في سياق حالة من التفرقة والتشظي التي تشبه حالات عربية كثيرة ومشابهة. ويبدو أن العمل الفصائلي الأحوازي الذي لم يؤت أُكله في السابق لأسباب كثيرة منها غياب الدعم العربي كلية عن الساحة الأحوازية، وتبعثر القوى الأحوازية عبر التنوع الأيديولوجي، وهذا الطيف الواسع والمتنوع لشعب الأحواز، عشائريًا وطائفيًا وكذلك تكوينًا سياسيًا، وأيضًا العجز المادي والمعنوي على الإمساك بمشروع وطني وبرنامج وطني أحوازي يعمل عليه كل الأحوازيين متحدين غير متفرقين، علاوة على حالة التدخل النظمي الرسمي العربي، التي اشتغلت سلبًا (بمعظم الأحيان) في لجم ومنع أي توحيد جدي لهذه القوى الأحوازية المبعثرة والصغيرة، لكن كل ذلك لم يمنع الأحوازيين في هذه الأثناء وفي مؤتمر لندن وبعد خمس سنوات من التعثر عبر وجود المجلس الوطني الأحوازي، من العمل الأكثر جدية لتوحيد أكبر طيف وأوسعه من هذه القوى الأحوازية التي تلتقي جميعًا على أهمية وضرورة كنس الاحتلال الإيراني لأراضي الأحواز العربي المحتل منذ 96 عامًا ونيف.
حيث التقى الأحوازيون في لندن ليؤكدوا من جديد على ضرورة استمرار هذه الصيغة التجميعية وتطويرها، عبر صياغات تنظيمية توحيدية أكثر جدوى وأقدر على التعامل والتعاطي مع متغيرات الواقع الإقليمي والإيراني.
لكن الإمساك بفكرة التجميع والتوحيد شيء، والفعل التنفيذي اليومي والتنسيق المباشر خارج أطر المؤتمرات العلنية شيء آخر، على أساس أن هذه التجربة في المجلس الوطني خلال سنواته المنصرمة لم تنتج حالة تنسيقية توحيدية حقيقية تفرح قلوب الشعب الأحوازي في الداخل الذي يعاني ما يعاني من الاحتلال وسوءاته، وشح الموارد، وحصار الفرس العنصري، ومنع أية ممارسات خصوصية عربية من القيام، وكذلك سوط الاعتقال المسلط فوق رؤس البلاد والعباد.
بينما المطلوب من قوى الثورة الأحوازية المجتمعة في لندن إعادة النظر بوسائلها السابقة في العمل السياسي التوحيدي التي لم تنتج ماهو أكثر جدوى، وظلت تدور في سياق الخلافات الحزبية والفصائلية، ولم تتمكن من أن تضم كل الفصائل الأحوازية داخل إطار المجلس الوطني، حتى لو تطور الأمر ليكون ائتلافًا واسعًا يجمع ويجمع الجميع، مع الإستفادة من تجربة الائتلاف الوطني السوري وأمراضه، كي لايقع فيها أهل الأحواز، ويكونوا قادرين على إنتاج قرارات وطنية قوية ومتماسكة بعيدًا عن المرجعيات الخارجية الداعمة إن وجدت، وليكون العمل أكثر انفتاحًا ديمقراطيًا على كل مكونات الشعب الأحوازي الواحد في الشتات وفي الداخل على حد سواء.
المطلوب من المجلس الوطني الأحوازي أن يجترح صيغة حقيقية وعملية للتنسيق والتعاون أيضًا مع كل الفصائل الإيرانية المعارضة لحكم الملالي، من كل الشعوب المتواجدة على الساحة الإيرانية، أذربيجان، بلوش، كورد، وحتى فرس من الذين يجدون في بقاء هذا النظام المستبد خطرًا عليهم وعلى مستقبلاتهم، واستثمار كل المظاهرات والانتفاضات التي تشهدها الساحة الإيرانية وآخرها مايجري في الأحواز، وكذلك أصفهان من مظاهرات ضخمة تزلزل كيان الدولة الأمنية الإيرانيىة، وحرسها الثوري الإيراني/ الباسيج.
ويبقى السؤال هل يمكن أن ينتج اجتماع لندن ومابعده حالة أحوازية جدية وفاعلة تعيد الأمور إلى نصابها، وتبني للأحوازيين تحالفًا أحوازيًا ومن ثم مع شعوب إيرانية أوسع، تتمكن من إنجاز ماعجزنت عن إنجازه حركات القوى الأحوازية والإيرانية في السابق؟ وهل يمكنه من إعادة إنتاج عمل وطني أحوازي جديد ومتجدد يبني ويساهم في بناء السياسة على أسس موضوعية لا حزبية بل وطنية، على طريق إعادة إنتاج الوطنية الأحوازية وفق الصيغة التجميعية التوحيدية الممكنة، وصولًا إلى امتلاك البرنامج الوطني الأحوازي المبتغى، والمفتقد حتى الآن، وبناء الجمعية التأسيسة الوطنية الأحوازية الجامعة، عبر امتلاك الهوية الوطنية الأحوازية الواحدة، وصياغة العقد الاجتماعبي الوطني الأحوازي الذي يجمع الكل، ويؤسس لعمل حقيقي يفعل واقعيًا وليس نظريًا في قيام الوطن الأحوازي الموحد الممتد على كل مساحته الجغرافية الوطنية، ومن ثم انهاء حالة الاستعمار الإيراني، وتصفية هذا الاستعمار كلية عن أرض الأحواز العربية.
إذ ترى الكثير من القوى السياسية الأحوازية أن ذلك ممكنًا وليس مستحيلًا، فيما لو عرفت كل الفصائل الأحوازية وقواها الوطنية العديدة كيف تتجمع وتمسك بملاذات ومآلات الحل الوطني الأحوازي الجامع والتوحيدي.
المصدر: موقع نداء بوست