مصطفى محمد
أثارت تصريحات مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف حول اللجنة الدستورية السورية، جدلاً واسعاً في الأوساط المعارضة، وخلفت مطالبات لوفد المعارضة بالإعلان عن موقف حاسم من المشاركة.
وكان لافرنتييف قد اعتبر أن أي دستور سوري بجب ألا يهدف إلى تغيير السلطة في سوريا، مضيفاً أن “حكومة دمشق راضية عن الدستور الحالي، وفي رأيها لا داعي لتعديله، وإذا رأت المعارضة ضرورة في ذلك يمكن النظر في المقترحات التي تهمها وطرحها على التصويت في استفتاء أو الموافقة عليه بأي صيغة أخرى”.
ورفض لافرنتييف تحميل النظام مسؤولية عدم تحقيق أي تقدم في عملية المفاوضات، قائلاً إنه “من الخطأ تحميل طرف واحد فقط المسؤولية، وهي تقع دائماً على عاتق الطرفين”.
ورداً على ذلك، وصف رئيس “هيئة التفاوض” أنس العبدة تصريحات لافرنتييف ب”المنفصلة تماماً عن المبادئ الاساسية للقرار الدولي 2254″، مضيفاً أن “مشكلتنا ليست الدستور فحسب، والقرار الأممي أوسع وأشمل من أن يختزل بالدستور أو رِضى النظام عنه”.
وأضاف العبدة “نحن قبلنا الدخول في العملية السياسية بما فيها مسار اللجنة الدستورية من أجل التنفيذ الكامل للقرار الدولي 2254 والانتقال السياسي، ولن تقبل قوى الثورة والمعارضة ببقاء مجرم حرب إسمه بشار الأسد في السلطة، وعلى من يتخيل عكس ذلك أن يستفيق من وهمه”.
وتتعارض تصريحات لافرنتييف مع القرار الأممي 2254 للعام 2015، الذي يرى في اللجنة الدستورية بوابة للانتقال السياسي في سوريا، عبر صياغة دستور جديد، وتأمين البيئة الآمنة والمحايدة لإجراء استفتاء على مسودة دستور، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، بناءً على دستور جديد.
لكن، بحسب الباحث المختص بالشأن الروسي الدكتور محمود حمزة فإنه “لا يمكن فصل التصريحات الروسية عما سعت له موسكو في سوريا منذ العام 2015، عند إعلان التدخل العسكري المباشر بضوء أخضر أميركي”.
ويضيف ل”المدن”، أن روسيا التفت على المفاوضات الأممية في جنيف في العام 2017، عندما بدأت التفاوض مع الفصائل والمعارضة في مسار أستانة، وبعدها بعام عندما عقدت مؤتمر سوتشي الذي أقر إجراء إصلاحات دستورية، بموافقة أميركية وتفويض دولي.
وبالتالي، لا يرى حمزة في تصريحات لافرنتييف نبرة روسية مختلفة، ويقول: “روسيا متمسكة بالنظام، والولايات المتحدة تقول إنها غير معنية بتغيير النظام، وهذا كله يحتم على المعارضة الإعلان بشكل فوري عن وقف المشاركة في مباحثات اللجنة الدستورية”.
وجاء أول إعلان في هذا السياق، من عضو اللجنة الدستورية إبراهيم الجباوي الذي أعلن انسحابه من اللجنة، خلال مشاركته في لقاء على “تلفزيون سوريا”، احتجاجاً على تصريحات لافرنتييف الداعمة لإعادة إنتاج نظام الأسد وشرعنته من خلال اللجنة الدستورية.
وأشاد حمزة بموقف الجباوي، ودعا بقية أعضاء اللجنة إلى اتخاذ موقف مماثل. وقال: “نسفت اللجنة السلال الأربع وتحديداً السلة الخاصة بإنشاء حكم غير طائفي يضم الجميع، وأبقت على السلة المتعلقة بوضع جدول زمني لمسودة دستور جديد”، مستدركاً: “لكن حتى الدستور لن يطبق في ظل وجود النظام، لأن مشكلة سوريا ليست دستورية، وإنما هي سياسية بامتياز”.
وتابع حمزة أن الاستمرار في المشاركة بمفاوضات اللجنة الدستورية، “يعني تنفيذ أجندات روسيا التي أخذت ما يشبه التفويض الدولي”، مؤكداً ان “حضور المعارضة يعطي الشرعية لخطوات روسيا، والحضور هو شهادة زور”.
في المقابل، يطالب عضو اللجنة الستورية بشار الحاج هيئة التفاوض السوري بالاحتجاج على تصريحات لافرنتييف لدى مجلس الأمن، والمبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسن، وطلب تفسيرات حول التصريحات الروسية.
وفي تفسيره لما قاله لافرنتييف، يربط الحاج في حديث ل”المدن”، ما جاء على لسان لافرنتييف بالضغوط الدولية على موسكو، ولا سيما في قضية أوكرانيا، ويقول: “روسيا حولت سوريا إلى صندوق رسائل دولية بشكل غير مباشر”. ويضيف “هذه التصريحات تعد نسفاً لعمل اللجنة والقرارات الأممية.. لكن التصريحات الروسية لا تنسحب على الأمم المتحدة التي تقود عملية التفاوض”.
من جهته، يرى منسق “تجمع مصير” المحامي أيمن أبو هاشم أن تجاهل وفد المعارضة تصريحات لافرنتييف، يعني موافقة الوفد الضمنية على ما جاء في هذه التصريحات، بمعنى أن الوفد سيقبل السقف الذي حددته روسيا، أي عدم تغيير النظام.
وفي حديث ل”المدن”، يعتقد أبو هاشم أن على المعارضة الإعلان فوراً عن وقف انخراطها في مسار اللجنة الدستورية. ويقول: “دون ذلك، يعني أن المعارضة مجبرة على تقديم المزيد من التنازلات، وبات الآن الوفد أمام استحقاق لا يمكن الالتفاف عليه بتبريرات تتحدث عن جدوى من هذه العملية”.
وعلى الطرف المقابل، يرفض المحلل السياسي الروسي أندريه أونتيكوف الحديث عن انقلاب روسي على القرار الأممي 2254، ويقول ل”المدن”، إن تصريحات لافرنتييف تؤكد أن سوريا بحاجة إلى دستور جديد يحدد مبادئ الدولة السورية، ومن ثم إجراء انتخابات تحدد الطرف المنتصر.
ويضيف أن هذا ما ينص عليه القرار 2254، ويُذكّر بأن بلاده لعبت دوراً رئيسياً في إقراره، وفي تشكيل اللجنة الدستورية. ويقول: “روسيا تصر على تبني دستور جديد، ومن ثم إجراء انتخابات، وتشكيل حكومة انتقالية كما ينص القرار2254″، مبيناً أن “تبني الدستور الجديد، لا يعني تغيير السلطة في البلاد، لأن إجراء الانتخابات وفوز بشار الأسد بعد ترشحه لا يتعارض مع القرارات الأممية، وحديث لافرنتييف لم يضف شيئاً جديداً، وإنما يأتي انتقاداً لمن يريد تغيير النظام بطرق غير قانونية”.
الواضح أن تصريحات لافرنتييف الأخيرة قد أضعفت حجة وفد المعارضة الذي يتمسك بحضور محادثات صياغة الدستور في جنيف، رغم صفرية النتائج التي خرجت بها الجولات الست السابقة.
المصدر: المدن