أحمد مظهر سعدو
أثار البيان الذي أصدرته جماعة (الأخوان المسلمين) في سورية حول إدانة القصف الإسرائيلي لميناء اللاذقية جملة من التساؤلات، وهي مازالت مستمرة، لحساسية المسألة، وتعارضها مع الكثير من المحددات التي توضحت وتمظهرت بشكل أكبر منذ انبلاج صباح الثورة السورية أواسط آذار/ مارس 2011. من حيث وضوح الرؤيا لدى السوريين من عمليات القصف الإسرائيلي المستمرة لأعتى نظام قمع وقتل في العصر الحديث، وهو الذي لم يتورع أبدًا عن استخدام كل أنواع القتل والإبادة الجماعية والفردية ضد شعبه منذ عشر سنوات خلت وحتى الأن.
ولعل قضية إعادة تعريف الوطن، والاحتماء به ومن ثم حمايته والزود عنه تجاه العدوان الخارحي باتت مسألة فيها نظر، ولابد من توضيح محدداتها الموضوعية والآنية التي تحول اليوم دون حماية جغرافيا لايملكها السوريون ولايرون أن من يقوم عليها سلطة ونظامًا يعبر عنهم أو يخصهم، وهو الذي قتل من السوريين ماينوف عن مليون سوري مدني واعتقل منذ بداية الثورة ماهو أكثر من 900 ألف بين شهيد تحت التعذيب ومغيب لايعرف ذووه أين هو، وآخرين مازالوا يقبعون في زنانين القهر الأسدي. علاوة على تهديم هذا النظام للبنية التحتية بما يقرب من 65 بالمئة منها، في جل الحغرافيا السورية، والوصول إلى رقم مليون ونصف معوق حرب، حصل لهم ماحصل نتيجة حرب البراميل والكيماوي، ناهيك عن نزوح ماينوف عن 7 ملايين داخليًا ومثلهم خارجيًا.
أمام هذا المشهد الذي أوصل السوريين إليه نظام الطغيان والقهر الأسدي لم يعد بالامكان الحديث عن سيادة وطنية، ولا وطنًا مستباحًا اسرائيليًا، بل جغرافيا يحكمها طاغية استمر بالمقتلة أكثر من عشر سنوات ومازال مستمرًا بها فصولًا، ومن ثم فإن حمايته أو الاعتقاد بأن القصف الاسرائلي من قبل عدو السوريين التاريخي والمحتل لأرضهم، لم يعد يدعو للتعاضد معه أو الوقوف إلى جانبه ضد أي عدو خارجي. ويعود ذلك للأسباب التالية:
_كانت الغارة الإسرائلية الأخيرة وماقبلها على «حاوية أسلحة» تابعة للإيرانيين ومايسمى بالحرس الثوري الإيراني في ميناء اللاذقية، بمعنى أنها ليست للسوريين بل لأعدائهم الذين هم أيضًا يشاركون بالمقتلة الأسدية ضد السوريين منذ بدايات الثورة السورية، ويتواجدون في الأراضي السورية من أجل حماية النظام السوري ومنعه من السقوط، وهم الذين أعادوا قيامته بعد أن كاد أن يسقط نتيجة تصاعد المد الجماهيري الشعبي السوري الصاعد نحو الحرية والكرامة. كما أن وجود السلاح الإيراني المتدفق بقوة إلى سورية كان وما زال من أجل تنفيذ مشاريع إيرانية، وليس من أجل حماية الشعب السوري من همجية احتلال إسرائيل للجولان السوري وهم ليسوا سوريين ولا ينفعون الشعب السوري، بل يساهمون في استمرار المقتلة والحرب الكيماوية ضده.
– كما أن القصف الإسرائلي يطال النظام السوري وأدواته القمعية وجيش ظن السوريين يومًا أنه يُبنى ويُحدث سلاحه وترسانته من الأسلحة المتطورة من أجل تحرير الجولان، لكن تبين خلال السنوات المنصرمة أن كل ذلك لم حقيقيًا لا بل إن هذا الجيش بني ويبنى ويجهز من أجل المعركة الفاصلة التي يتأهب لها نظام الأسد الأب والابن ليوم يثور فيه الشعب السوري لنيل حريته، وهو ماكان، حيث لم يحم هذا الجيش شعبه كما كان مفترضًا بل انهمك في حرب ضروس دمر فيها الأخضر واليابس، ومنع السوريين كلية من محاولات قيام وطن تسود فيه دولة المواطنة المفتقدة، وأعاق الطريق المنشود شعبيًا لبناء الدولة الوطنية السورية المخطوفة والمغيبة / منذ عام 1970 وحتى الآن.
-ميناء اللاذقية والكثير من المنشآت في الجغرافيا السورية لم تعد ملكًا للشعب السوري، ولا تخدم مصالحه مطلقًاـ لكنها في المقلب الآخر تمامًا، فمرة تُؤجر للروس وأخرى للإيرانيين، وكلاهما يحتلان الوطن السوري بعد أن استقدمهم النظام السوري، ليساهموا في قتل شعبه.
-كما أن ميناء اللاذقية هو المنفذ البحري الأهم الذي يساهم في تصدير ماتنتجه مصانع الكبتاغون الأسدية والتي تشرف عليها أدوات المخابرات السورية، وهو ما أكدته معلومات أكيدة من قبل الأميركان والأوربيين، فهو مكانًا لتصدير حبوب القتل النفسي والبيولوجي لكل المحيط العربي وغير العربي، وهو مايساعد في تشويه سمعة سورية والسوريين، من أنها قد باتت مع نظام الأسد بلدًا مصدرًا للمخدرات، وليس بلد عبور فقط، كما كان أيام الأسد الأب، وهناك الكثير من المصانع التي تنتج الكبتاغون داخل الساحل السوري، وفي كثير من الجغرافيا السورية، بمساعدة ميليشيا الإرهاب اللبناني /حزب الله، الذي يشرف على مزارع الحشيش وزراعاته في أراضي البقاع اللبناني في ظل غياب الدولة اللبنانية وتغول حزب الله ومليشياته على الواقع اللبناني برمته.
-كما أن القصف الإسرائيلي يأتي بموافقة أو صمت من الاتحاد الروسي حليف النظام السوري، وولي أمره، الذي ساهم في بقائه منذ عام 2015 وحتى الآن، من خلال اتفاقات بينية بينهما في موسكو، خلال تواجد نتنياهو على سدة الحكومة الإسرائيلية وتم متابعتها مؤخرًا عبر بينيت.
-كما أن هذا النظام الذي يحجم عن مواجهة أي عدوان إسرائيلي ضد الجغرافيا السورية، وهو حامي الوطن كما يفترض، بل يزيد في الفجور أكثر عندما يرد على كل ماتم قصفه من قبل إسرائيل، يرد مباشرة على السوريين في إدلب وما حولها ويوقع بشكل يومي المزيد من الشهداء من أطفال ونساء وشيوخ، وهو ماجرى بعد قصف ميناء اللاذقية مباشرة وخلال ساعات قليلة، بينما أحجم حتى عن الحديث الممل من أنه سيختار الزمان والمكان المناسبين للرد، ولم يرد ولن يرد، لأنه لايريد إشغاله في مسائل ثانوية، حيث الأهم هو استمرار قمع وقتل الشعب السوري وليس مواجهة العدوان الإسرائيلي.
إذًا وبعد كل ذلك وأمام كل هذه المعطيات والمتغيرات هل بقي من مكان أو محدد أومنطلق لدى السوريين ليقفوا تحت منطق الوطنية السورية و(الزود عن حياض الوطن) المنهوب والمسروق، ليدينوا العدوان الإسرائيلي الذي يطال الإيرانيين وأدوات النظام والقتل والكبتاغون؟ وهل بات مقبولًا الحديث عن عدوان على الوطن السوري؟ وهل الحرس الثوري الإيراني، والفرقة الرابعة وجيش الأسد القاتل من سورية أو هو موجود لخدمة السوريين؟.
والجواب وبكل بساطة: إن اسرائيل هي عدوة حقيقية للشعب السوري بقضه وقضيضه، وهي التي مازالت تحتل الجولان المُسلم لها من قبل نظام الأسد، وهي مابرحت تحتل كل فلسطين، وتمارس كل أنواع القتل ضد الشعب العربي الفلسطيني، لكن (الحرس الثوري الإيراني) ليس من سورية بل عدوًا لها، وكل أدوات القتل الأسدي ليسوا من السوريين، لأنه لايمكن أن يكون سوريًا من يقتل شعبه، ويدافع عن المجرم الكيماوي. لذلك وبكل وضوح فإن الشعب السوري في معظمه يفرح ويبتهج لقصف من قتله ومن جاء ليغوص في دمائه وأرضه، حتى لو جاء القصف من قبل العدو الصهيوني المحتل للجولان.