تتزامن بداية العام الجاري 2022 مع الذكرى السنوية الثانية لمصرع المدعو “قاسم سليماني” المتزعم السابق لميليشيا “فيلق القدس” الإيرانية، في غارة جوية أمريكية فجر الثالث من كانون الثاني 2020، قرب مطار العاصمة العراقية بغداد.
ومع هذه الذكرى تطفو على السطح العديد من الأسئلة الهامة والبارزة، وعلى رأسها “مدى تأثير مقتل سليماني على المشروع الإيراني في سوريا”، بالتزامن مع استمرار تغلغلها عسكريًا واقتصاديًا وثقافيًا وفي مجالات أخرى داخل المجتمع السوري وبضوء أخضر من النظام السوري.
وفي هذا الصدد، قال الكاتب والمحلل السياسي “أحمد مظهر سعدو” لمنصة SY24، إن “التأثير سيكون كبيرا على المشروع الايراني في سورية، لاهمية المجرم قاسم سليماني في عملية تربيط وتشبيك العلاقات وإدارة عمليات الإرهاب الإيراني في المنطقة كلها، وسوف يكون هناك صعوبات كبيرة في إيجاد البديل له”.
وأضاف “لكن وبكل تأكيد فإن المشروع الإيراني الفارسي الطائفي للمنطقة برمتها لن يتراجع، لأنه بالنسبة لهم مسألة حياة أو موت وهو بمثابة إعادة إحياء للهيمنة الفارسية على جل المحيط الإقليمي للدولة الإيرانية”.
وتابع أن “الأطماع الإيرانية في المنطقة العربية مابرحت ومنذ ماقبل قيام مايسمى بالثورة الإسلامية الإيرانية مستمرة ومتواصلة، وما يشجعها على ذلك أوضاع النظم العربية الرسمية الهلامية الضعيفة والتي مازالت عاجزة عن إنجاز مشروعها العربي القوي الذي يعوق أو يمنع قيام الإمبراطورية الفارسية من جديد”.
وتؤكد عدة مصادر متطابقة أن المشاريع الإيرانية الإستراتيجية الكبرى التي كان ينسقها “سليماني”، قد تعرضت إلى نكسة حقيقية بعد مصرعه ولا بوادر لإمكانية إعادتها من جديد، كما أن مصرعه أحدث حالة تخبط ملحوظة بين صفوف الميليشيات وخاصة في سوريا.
وفي هذا الجانب يشير “أحمد مظهر سعدو” إلى أن “مقتل قاسم سليماني الشخصية العسكرية الأمنية الأهم في إيران قد أثّر كثيرا في حجم النشاط الإرهابي الذي تقوم به مجمل المليشيات الشيعية التي استقدمها الحرس الثوري الإيراني لتكون مرتزقته وأدواته في الأرض والجغرافيا السورية، لأن قاسم سليماني كان الشخصية الأمنية والعسكرية والسياسية التي يعتمد عليها المرشد الأعلى خامنئي وكان يده التي يضرب بها ورجله التي يتحرك بها خارج الجغرافيا الإيرانية”.
وزاد قائلا “لعل الغياب المفاجيء لسليماني قد أربك السياسيات الإرهابية الإيرانية في الهيمنة على المنطقة المحيطة بدءا من العراق الى دمشق الى بيروت وكذلك اليمن، لكن بكل تأكيد فإن أدوات القتل في إيران كثر ومن ثم فإنه لن تتوقف السياسات الإيرانية ذات الأطماع بمقتل شخصية كاريزمية حتى لو كان بحجم سليماني، وهو الذي كان يربط رأس النظام بالمرشد وهو من أخذه إلى لقاء المرشد منذ ثلاث سنوات وبدون علم الخارجية الإيرانية وهو ماتسبب باستقالة وزير الخارجية الإيراني في حينها ثم تراجع عنها بضغط من الرئاسة الإيرانية (روحاني)”.
وعن التصعيد المحتمل القادم من قبل إسرائيل أو أمريكا تجاه إيران، رأى “سعدو” أنه “من الممكن أن نشهد تصعيدا كبيرا ومتعددا على غرار ما شهدناه من قصف المرفأ في اللاذقية الذي كان يضم أسلحة ايرانية، وكل ذلك التصعيد القادم سيكون مرهونا بمدى تقدم أو تقهقر المفاوضات حول النووي في فيينا، ليكون القصف عاملا ضاغطا في المفاوضات المتعثرة”.
وختم قائلا “يبدو أنه مابرح ممكنا التوقع من سياسات إيران المتواصلة في سورية والمنطقة والمزيد من الانخراط في أتون الهيمنة الامبراطورية الفارسية الطائفية في المنطقة العربية، وهيمنة الإيرانيين الحالمة بسيطرة كبرى على جل المنطقة فيما لو تمكنوا من ذلك، كما يبدو أنه وفي ظل غياب المشروع العربي الرسمي الذي يواجه المشروع الإيراني فإن عوامل نهوض وتمدد المشروع الإيراني مازالت قابلة للوجود، ولا أعتقد أن الإسرائيلي سيكون منزعجا من ذلك إذا ما ضمن أن تكون تحركات الإيرانيين مرصودة ومراقبة وضمن الاتفاقات النووية القادمة والمتوقعة في قادم الأيام”.
وفي السياق ذاته، ترى مصادر إيرانية معارضة أن مقتل “سليماني” كان له تأثير واضح على تحرك الميليشيات الإيرانية ونشاطها خاصة في سوريا.
وقال “طاهر أبو نضال الأحوازي” عضو “المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية الشعبية الأحوازية” لمنصة SY24، إن “الشواهد تدل على تراجع واسع في سورية بعد مقتل الإرهابي سليماني، ومن أهمها تزايد القصف الإسرائيلي والانشقاقات الدائرة بين المليشيات، إضافة إلى استمرار مقتل قادة الحرس الثوري الإيراني في مناطق متفرقة من سوريا”.
أمّا “مصطفى النعيمي” الباحث المشارك في المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، رأى في حديثه لمنصة SY24، أن “مقتل قاسم سليماني قصم ظهر مشروع إيران في محاولتها السيطرة على المنطقة العربية بشكل عام، لاسيما أن سليماني شارك علنا في استهداف المدنيين السوريين من خلال تسيير الميليشيات الولائية متعددة الجنسيات العاملة في سوريا، حيث أنشأ العديد من النقاط العسكرية المختلفة في كامل الجغرافيا السورية، في ظل تواجد 597 قاعدة أجنبية في سوريا”.
وأشار إلى أن “إيران تستثمر الغطاء السياسي الذي يمثله النظام السوري والغطاء الجوي المتمثل بسلاح الجو الروسي، في عمليات إعادة تموضع وانتشار قواتها في ظل الضربات الإسرائيلية المختلفة، وعمدت إيران على إنشاء ركيزة جديدة لها في منطقة الميادين بالقرب من الحدود العراقية السورية (قاعدة الإمام علي) والتي وضع حجر الأساس فيها قاسم سليماني”.
ومضى قائلا “رغم الضربات المتكررة لتلك الميليشيات إلا أنها باتت اليوم تحفر الانفاق داخل الجبال لتحصين مخازن أسلحتها وعلى الصعيدين البالستية والمسيرات، وهذا الدفع المستميت لا يلقى اهتمام كافي من قبل التحالف الدولي بما يتناسب معه، لذلك لابد من إنجاز مشروع تحت مظلة الأمم المتحدة ينهي التواجد الإيراني في المنطقة العربية عموما وسوريا خصوصا”.
الجدير ذكره، أن “سليماني” قتل بعد وصوله إلى مطار بغداد الدولي قادما من دمشق، حيث تم استهداف سيارته من قبل طائرة أمريكية بالقرب من المطار، ما أدى إلى مقتله مع العديد من قادة وعناصر ميليشيا “الحشد الشعبي”.
يشار إلى أن “سليماني” ساهم بشكل كبير في حماية رأس النظام السوري “بشار الأسد” ونظامه من السقوط، حيث أرسل ميليشياته إلى سوريا منذ بداية الثورة عام 2011، وأشرف شخصيا على عمليات عسكرية كان أبرزها معركة حصار حلب، التي دُمرت أحيائها وقُتل فيها آلاف المدنيين قبل تهجير سكانها والسيطرة عليها.
المصدر: SY24