أحمد مظهر سعدو
يتحدثون عن طبيعة وجود مايسمى بالاستبداد المشرقي، ويوصفونه على أنه حالة منفردة وثاوىة في عمق الممارسات السلطوية المنفلتة من كل عقال، في ماضينا القريب وواقعنا الآني، ضمن حالات من العسف والقمع وكم الأفواه، لم تعشها حيوات الناس والمجتمعات الإنسانية والبشرية أبدًا. وهي وجهة نظر قد يكون لها وجودها العملي والواقعي. إلا أنه وبعد التجلي لممارسات حافظ الأسد وابنه من بعده بشار الأسد الطغيانية الاستبدادية، لم يعد من إمكانية للحديث عن استبداد مشرقي ولا طغيان، يوازي أو يجاري مافعلته سلطة الأسد الأمنية، ودولته الأمنية المفترضة. فلا شيء يعلو على استبداد الأسد ولا إمكانية للحديث عن ما يشبهها، وهي بالضرورة ليست آتية أو نابعة أو منبثقة كما يقولون من الدولة العميقة، حيث لم يبق على يد الأسد لا دولة عميقة ولا كيان دولة أصلًا، بل جملة سلطات أمنية عصبوية غاية في السوء والقمع وانتهاك الحرمات، والتعدي على الإنسان أي إنسان. فالإنسان المهدور هو السمة الأبرز لمنتجات السياسة الداخلية والإقليمية التي تؤسس لانبثاقات عصاباتية لا تلوي على شيء، عندما يكون الموضوع متعلقًا بوجودها وكياناتها، أو باشتغال وطني سياسي قد يؤدي إلى إزاحتها من السلطة، حتى لو كان العمل مدنيًا أو سلميًا، وهو ماشهدته سورية في ثمانينيات القرن الفائت، عندما تم تدمير مدينة بحالها فوق رؤوس ساكنيها(حماة ) على يد ميليشيات حافظ الأسد وأخيه رفعت، وتم إعادة مسح وامحاء للمدينة بشريًا وعمرانيًا، فقط لأنها قالت لا لسياسات الأسد. وكذلك هو الحال بعد 2011 عندما فكرت جموع السوريين في القول بملء الفيه لا لاستمرار اختطاف الوطن وبيعه في سوق النخاسة على يد الدولة الأمنية التي يتربع على تلتها السفاح بشار الأسد، وهي الثورة السلمية المدنية التي استمرت بسلميتها لمايزيد عن 6 أشهر، حيث لم تشفع لها سلميتها كي تحتمي بها، أو منع الطغيان الأسدي من الخوض في دمائها قتلاً وتدميرًا، واعتقالات حتى تجاوزت أعداد المعتقلين السوريين على يد سلطة الاستبداد 900 ألف مواطن سوري، وتجاوز عدد ضحاياها المليون ونيف، وعدد مهجريها 14 مليون بين نازح داخلي ومهجر قسري أو لاجيء في بلاد الله الواسعة.
علاوة على تدمير البنية التحتية السورية بنسبة 65 بالمئة حسب احصاءات أممية، وتفكيك بنية المجتمع السوري، والعبث في أنساقه الاجتماعية، والتشبيح على أرزاقه وممتلكاته، واستجلاب مايزيد عن 200 ألف مرتزق من الميليشيات الطائفية الإيرانية والعراقية واللبنانية والباكستانية والأفغانية، والفاغنرية، حتى بات الوطن السوري ساحة دولية بمعية دولة الاستبداد وعصاباتها
للقتل والتعفيش والهدم وزج كل من يعارض سياساتهم في أتون أقبية الظلام، التي من النادر أن يخرج منها من دخلها إلا في إطار صور لجثث كصور قيصر المعروفة دوليًا.
ولم تسلم المرأة السورية أبدًا من عسف وقمع الأسد ولم تشفع لها أية تواريخ أو قيم مجتمعية أو أخلاقية، فقد أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مؤخرًا تقريرها السنوي العاشر عن الانتهاكات بحق الإناث في سورية، وجاء في التقرير الصادر بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة أنَّ ما لا يقل عن 28618 أنثى قد قتلنَ في سورية منذ آذار/مارس 2011، 93 منهن بسبب التعذيب، و10628 أنثى لا تزلن قيد الاعتقال/الاحتجاز، إضافة إلى 11523 حادثة عنف جنسي استهدفت الإناث، مشيراً إلى أن غالبية الانتهاكات كانت على يد النظام السوري.
في التاريخ القديم والحديث للأمم الكثير من حالات الطغيان النازي والفاشي، والعديد من ممارسات طغيانية، يندى لها جبين الإنسانية، وهو ما أدى إلى تشريع القانون الدولي الإنساني، وما دفع المجتمع الدولي والإنساني إلى إصدار الإعلان الدولي لحقوق الإنسان في 10 كانون أول/ ديسمبر، حيث تصادف ذكراه هذه الأيام، لكن مافعله نظام الأسدين فاق كل التوقعات وكل ممارسات من سبقهم، هذه الممارسات والأفعال الشنيعة التي تعتبر حسب رؤيتنا أعلى مراحل الاستبداد وأشنعه، فما يمارس داخل معتقلات السلطة السورية الأسدية لا يفوقه أي شيء.
لقد مارسوا كل أنواع وأشكال التعذيب في الدنيا، بل واخترعوا أساليب أخرى جديدة لم يعرفها سواهم من القامعين قبل ذلك، فكانت حيوات الناس داخل المعتقلات والسجون والأقبية لاتساوي شيئًا ولا يوازيها أي فعل جرمي، وهي خالية من روح وماهية الإنسانية قولًا وفعلًا، عبر الانجرار إلى اختراع أساليب عنفية تعذيبية لايحاكيها أي فعل سبقها على يد أي سلطة طغيانية، وهذا يُنتج توصيفات متجددة لسمات الدولة الأمنية السورية الأسدية، وتعيد قيام الجرم اللا إنساني على أسس جديدة، تدفعنا دفعًا إلى الحديث على أن مايقوم به شبيحة الأسد وأدواته، يشير إلى أن الإنسان الذي يقع بين أيديهم من الصعوبة بمكان الاقتناع بأنهم ينظرون إليه على أنه إنسان، أو مجرد مواطن سوري، أو ينتمون معه إلى وطن واحد ومستقبل يُفترض أنه واحد.
من يخترع فكرة القتل بالبراميل ليرميها على شعبه وليكون القتل واسعًا وغير مكلف، ثم يقوم برمي أصناف وأشكال الكيماوي المحرم دوليًا على عشرات الأماكن والأرياف السورية فيقتل ليس العسكريين المعارضين له فقط، بل المدنيين في ريف دمشق وخان شخون والكثير من الأماكن السورية، ومن يقوم بتعذيب مواطنيه حتى الموت، ومن يعتقل الناس دون أن يعرف أهليهم عنهم أي شيء هل هم أحياء أو أموات، أو في أي مكان يتواجدون، ومن يعتبر أن كل المعتقلين السياسيين مجرمين وليسوا معتقلين، ولا يعترف بأن لديه في سجونه ومعتقلاته إلا المجرمين، ومن يلغي السياسة من المجتمع إلا السياسة التي تسبح بحمد الطاغية.
من يفعل كل ذلك لايمكن أن يكون إنسانًا طبيعيًا أو يمكن أن يتسلم سلطة أي سلطة، او حكم شعب، إنه حقًا وفعلًا الطغيان بقده ومقاسه، والاستبداد النابع من عقل عصبوي أمني لايمكن التعامل معه أو الركون إلى أي اتفاقات يريدها المجتمع الإنساني معه، وهو فعلًا لم ينفذ أي قرارات دولية، كان قد نص عليها جمع المجتمع الدولي، ولا هو بوارد الوصول إلى حل سياسي، لأن الاستبداد يحاور بأجهزته القمعية الأمنية وليس بأجهزته السياسية، والإستبداد يمسك بكل أدوات القمع والقتل ويمارس بها مايحلو له، التي تفوق مافعلته النازية أو الفاشسيت.
من هنا فإنه يحق لنا القول وبعد كل هذه السنوات التي عشناها مع آلة القمع والقتل والعنف الإرهابي الرسمي، القول إذا كانت الإمبريالية قد صنفت يومًا على أنها أعلى مراحل الرأسمالية، فإنه يمكن القول اليوم أن الاستبداد والطغيان الأسدي هو أعلى مراحل الاستبداد وأشنعه.
المصدر: نداء بوست