بسام مقداد
إنطلقت يوم الإثنين في جنيف المفاوضات بين مسؤولين روس وأميركيين بشأن الضمانات الأمنية التي تطلبها روسيا من الولايات المتحدة والناتو ومنظمة الأمن الأوروبي، والتي استبقها الجانبان بتخفيض سقف توقع تنازلات متبادلة . كما تتواصل إنتفاضة الكازاخيين ضد نظام نازارباياف، وتتراوح الأنباء حولها بين استمرارها وبين نجاح قوات التدخل في قمعها. لكن مواقع الإعلام الروسية الموالية وجدت متسعاً على صفحاتها للحديث عن زيارة الرئيس الإيراني إلى موسكو “مطلع السنة الجارية”. فلا وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية ولا الناطق الرسمي بإسم الكرملين، وجدا صيغة أكثر “تحديداً” للإعلان عن موعد الزيارة التي سبق للرئيس الروسي أن أعلن عنها بالصيغة عينها. ولم يغير في الصورة ما تفردت بنشره إنترفاكس من أن الزيارة ستتم في 19 من الجاري، بل بقيت صيغة “في مطلع السنة الحالية” هي السائدة.
صحيفة القوميين الروس SP قالت في 8 الجاري أن هدف الزيارة الرئيسي هو توقيع إتفاقية شراكة إستراتيجية بين إيران وروسيا حتى العام 2041، تحل مكان الإتفاقية الموقعة العام 2001، وتتجدد تلقائياً كل 5 سنوات. وكانت طهران رفضت العام الماضي تجديد الإتفاقية لضرورة تجديد النص كلياً. وهي تأمل أن تحصل من موسكو على السلاح، وخاصة طائرات سوخوي 35 متعددة الإستعمالات وصواريخ الدفاع الجوي S-400، وكذلك تحديث الطائرات الحربية الروسية الموجودة في الخدمة لديها. وبرأي موقع إعلامي آخر تنقل عنه الصحيفة، فإن ظهور أسلحة جديدة لدى طهران سوف يتيح لها إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط السياسية العسكرية بأكملها، لكن السؤال يبقى كيف ستدفع إيران ثمن الأسلحة لروسيا.
تجيب عن التساؤل صحيفة NG الروسية في نص بعنوان “بوسع إيران أن تدفع نفطاً مقابل الطائرات الروسية”، وألحقته بآخر ثانوي “موسكو وطهران تعدان إتفاقية بشأن التعاون العسكري، شراء أسلحة ومحاربة الإرهاب”. تنقل الصحيفة عن رئيس الأركان الإيراني محمد باقري قوله بأن موسكو وطهران تعدان اتفاقا “يشمل بنودا بشأن التعاون العسكري والتعاون في مجال الأمن، بما في ذلك شراء الأسلحة وتدريب المتخصصين وإجراء التدريبات ومكافحة الإرهاب في غرب آسيا”. وتقول الصحيفة بأن الخبراء يرون بأن أول ما تريده إيران من روسيا هو الحصول على طائرات مقاتلة حديثة ووسائل دفاع جوي. وتنقل عن محلل إيراني قوله بأن طهران تريد شراء 24 طائرة سوخوي 35 تدفع ثمنها نفطاً بقيمة 3 مليارات$.
تنقل الصحيفة عن مدير مركز تحليل الإستراتيجيات رسلان بوخوف تأكيده على رغبة طهران في شراء طيران مقاتل حديث ووسائل دفاع جوي، لأنها تعتبر أن الهجوم عليها سيكون من الجو. لكنه يشكك في سهولة قبول روسيا بالنقط مقابل السلاح، وذلك لأن إيران تعاني من العقوبات ومن المشاكل الإقتصادية الكبيرة. ويرى أن إيران ستطلب من روسيا تخفيضات على الأسلحة، ويمكن لروسيا أن تمنحها قرضاً، فإذا كانت قد منحت قروضاً لكل من فنزويلا والأردن وبيلوروسيا، “فلماذا لا نمنح إيران، حليفنا في القفقاز الجنوبي وسوريا؟”
الخبير العسكري في شؤون إيران ومؤلف كتاب “الحصن الفارسي” (2020) يوري ليامين لا ينفي فكرة دفع النفط مقابل السلاح، لكنه يرى أن بوسع إيران أيضاً أن تدفع لروسيا بالمقايضة معها بالسلع الزراعية والمواد الخام وسواها، وهو ما تدور حوله المفاوضات الآن بين الإختصاصيين الروس والإيرانيين.
ويفترض ليامين أن روسيا وإيران ستطوران علاقاتهما في حقل الأمن والمناورات العسكرية المشتركة أيضاً. ويقول بأن إيران، وبدعم من موسكو، تدخل في “منظمة شانغهاي للتعاون”، والتعاون بين البلدين يمكن أن يكون أكثر فعالية في مكافحة الإرهاب في سوريا. ويعتبر أن أفغانستان تمثل مشكلة للبلدين، وبوسع موسكو وطهران أن تتبادلا المعلومات الإستخبارية.
وكانت صحيفة القوميين الروس عينها قد نشرت في 4 من الجاري مقالا لعسكري في الإحتياط وصحافي في صحيفة وزارة الدفاع الروسية”النجم الأحمر” بعنوان “الزعيم الإيراني يطير إلى بوتين بقنبلة نووية في جيبه”، وأرفقه بآخر ثانوي “وضع اللمسات الأخيرة على صورة بداية الأزمة العالمية الأكثر حدة في الشرق الأوسط”. يرى الكاتب أن أنباء زيارة رئيسي إلى موسكو “في أحد ايام مطلع كانون الثاني/يناير” ستبدأ بها جميع البرامج الإخبارية في العالم، وينتظرونها بشدة في عشرات بلدان العالم الكبرى ــــــ “البعض بأمل، وآخرون بكراهية وخوف”. ويتحدث عن إحتمال كبير بأن تكون النتيجة الرئيسية للزيارة أزمة حادة على المستوى العالمي “لم يسبق لها مثيل في العقود الأخيرة”.
من المستبعد أن يكون كلام الكاتب العسكري من باب التهويل على الكرملين لكي لا يلبي كل طلبات السلاح الإيرانية عشية إنطلاق المفاوضات الأمنية مع الغرب، فالمجمع الصناعي الحربي هو المعني الأول بمبيعات السلاح الروسي. كما أن القوميين الروس معروفون بانبهارهم بتجربة حكم الملالي الإيراني ومواجهته الشرسة مع الغرب وإسرائيل.
يستطرد الكاتب بالوتيرة عينها، ويرى أن زيارة “زعيم الفرس” إلى موسكو ليست زيارة إعتيادية حتى في طريقة الإعلان عنها وفي من أعلنها. فلم يعلن عنها ممثل وزارة الخارجية الإيرانية كما هي العادة، بل تولى ذلك قائد أركان القوات المسلحة الإيرانية الجنرال محمد باقري الذي يبدو أنه مهد للحدث في زيارته موسكو الخريف المنصرم. ويرى أن باقري ناقش في وزارة الدفاع الروسية حينها شروط الحصول على الأسلحة الحديثة، سيما وأن الأمم المتحدة كانت قد ألغت جميع القيود المفروضة في هذا الشأن. ومهد باقري بذلك لزيارة إبراهيم رئيسي الحالية من أجل وضع توقيعه على “العقود متعددة المليارات” الجديدة، والتي تثير الكراهية لدى الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا الغربية. فهذه الأنباء بالنسبة لهم هي أفظع من غزو القوات الروسية المزعوم لأوكرانيا، والذي لا يقارن بالرقص بالمشاعل على برميل البارود الرئيسي في العالم ـــــــ الشرق الأوسط.
يقدر الكاتب قيمة صفقة الأسلحة ب 10 مليار$، ولا يستبعد بأن تحصل موسكو على جزء من هذه “الأموال الضخمة” على شكل إمدادات نفطية. وسيكون من الصعب جداً على “منتقدينا المشتركين” عرقلة هذه الإمدادات، إذا أخذنا بالإعتبار فضاء بحر قزوين المشترك بين إيران وروسيا، والذي ليس في متناول الأميركيين حتى الآن.
يؤكد الكاتب بأن الأسلحة التي تطلبها إيران هي ذات طبيعة دفاعية، ويستغرب قلق “أعداء الفرس” إذا كان هؤلاء لا يستعدون سوى للدفاع عن أنفسهم ضد مختلف الهجمات من البحر والجو والفضاء.
لتفسير هذا القلق يعود الكاتب إلى مقالة نشرت أواخر الشهر المنصرم في الأسبوعية الأميركية نيويوركر، شارك فيها قائد القيادة الوسطى في القوات الأميركية ومدير المكتب العسكري السياسي في وزارة الدفاع الإسرائيلية وسواهما. تخلص المقالة إلى الاستنتاج بأن إيران تحتاج لفترة 3 أسابيع لإنتاج قنبلتها النووية، وهو وقت “حقاً قصير، وقصير بشكل غير مقبول”.
ويتساءل الكاتب في الختام ما إن كان يجدر التطرق إلى ذكر الجهود الدبلوماسية الدولية في العاصمة النمساوية فيينا في ظل مثل هذه الخلفية العسكرية والسياسية المقلقة؟ ويؤكد بأنه يبدو أن الأوان قد فات لإهدار الحبر للكتابة عن هذه المفاوضات، حين تكون المدافع في الشرق الأوسط قد تم حشوها بالفعل.
لكن السؤال الأهم برأيه يبقى: لماذا يندفع بوتين إلى مثل هذا المرجل الصاروخي النووي الذي يغلي؟ وهل حقا من أجل المليارات الإيرانية فقط؟
المصدر: المدن