قال الباحث البريطاني والملحق العسكري السابق كريس كونلي، إن اسم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، سيرتبط إلى الأبد باسم رئيس النظام السوري، بشار الأسد، الدكتاتور المعروف بأنه استخدم الأسلحة الكيماوية ضد شعبه.
وفي مقالٍ له حمل عنوان “لماذا لن يغادر الروس سوريا حتى وإن أرادوا ذلك؟”، ونشره مركز “أبعاد للدراسات الاستراتيجية”، قال كونلي، إنه ومع كل المخاطر الإضافية على سمعة الروس الدولية، فإن مغادرتهم سوريا بالكامل، يعني فقدان السيطرة على السردية التي يتبنونها، والتنازل عن النفوذ لإيران.
وأضاف أنه بالنسبة إلى بوتين نفسه، فالخروج يعني فقدانه لقب “صانع السلام الدولي” إلى الأبد.
وطرح الباحث البريطاني تساؤلًا حول امتلاك حكومة بوتين خطة للخروج، مع افتراض أن الروس نادمون على قرارهم في التدخل المباشر في الصراع السوري عام 2015 الذي “ربما اقتضته المصلحة الذاتية” لروسيا، وإن كان سيستخدمها بعد بذل الكثير من الدماء الروسية والثروات والمصداقية على الصعيد الدولي.
وبحسب كونلي، فإنه كان من المرجح أن تنتشر القوات الروسية في سوريا لحماية مصالحها الخاصة في البلاد، حيث تتواجد منشأة بحرية في طرطوس وهي نقطة انطلاق روسية/ سوفيتية قائمة منذ بداية السبعينيات.
وأدت الانتكاسات العسكرية لنظام الأسد وشركائه الإيرانيين عام 2015، إلى طلب المساعدة الروسية، الذي ثبت أنه “كان طلبا في الوقت المناسب” بالنسبة لـ بوتين الذي كان مستميتا للعودة إلى الساحة الدولية كرجل دولة ذو مكانة عالمية، بعد الازدراء الدولي للنظام الروسي نتيجة لضم شبه جزيرة القرم.
وفي ظل تراجع الولايات المتحدة والحلفاء عن التدخل المباشر في سوريا، قدمت روسيا نفسها على أنها ذات تأثير إيجابي في المنطقة، من خلال دعم “الحكومة الشرعية”، بدلا من الوقوف إلى جانب قوى المعارضة، الذي كان تناقضا مباشرا مع النهج الغربي.
والذي منح بوتين الفرصة لإظهار كيفية “التدخل الصحيحة”، للمقارنة بشكل إيجابي بالفوضى التي أعقبت التدخلات الغربية في العراق وأفغانستان وليبيا.
وبحسب كونلي “لو أن روسيا أولت مزيدا من الاهتمام للدروس المستفادة من الحملات العسكرية الغربية، فربما كانت وزارة الدفاع الروسية لتفكر مليًّا في الأمر”.
بدأ التدخل الروسي على شكل حملات جوية، لكن دعت الحاجة إلى وجود قوة برية كبيرة للاحتفاظ بالأرض، لتلعب مجموعة “فاغنر” من المتعاقدين العسكريين الخاصة هذا الدور، وسرعان ما شهدت العملية العسكرية الأولية المحدودة ما يسمى بـ”توسيع نطاق المهمة” لتزداد بشكل يتجاوز ما كان على الأرجح نطاقها الأولي.
وركّزت التغطية الإعلامية الروسية في البداية على “الحرب على الإرهاب”، مع إحصاءات يومية لـ”الإرهابيين القتلى” و”الأهداف التي تحققت”، من أجل الحصول على دعم الشعب الروسي العادي، الذين هم أنفسهم ليسوا غرباء عن الفظائع الإرهابية، والحملات الكارثية الروسية في الثمانينيات في أفغانستان، والذي لا يزال صداها يتردد إلى يومنا هذا.
وكانت “داعش” هي الهدف من الضربات الأولية، ليتم لاحقا استهداف المناطق التي لم يعثر فيها على “إرهابيين”، وتم تعديل تصنيف “إرهابي” ليشمل أي شخص يعارض نظام الأسد.
وبسبب عدم القدرة على السيطرة على الخطاب الإعلامي نتيجة وجود مراقبين مستقلين في سورية، تم تحديد الخسائر الجانبية التي لحِقت بالمدنيين الأبرياء.
وتلا ذلك إدانة دولية ليطرأ تغيير جذري في التقارير الصحفية مع إدخال إحصاء يومي للدعم الإنساني في وسائل الإعلام الروسية، وتجاهلت التقارير حقيقة أن هذا الدعم الإنساني كان موجّهًا في كثير من الأحيان إلى نفس الأشخاص الذين عانوا من حملة القصف “الهوجاء” للقوات الجوية الروسية والسورية.
ويحتوي موقع وزارة الدفاع الروسية حتى يومنا هذا على صفحتين مخصصتين لـ”العمليات في سوريا”، فالأولى لا زالت موجودة باسم “مكافحة الإرهاب الدولي”، والثانية “استعادة السلام”، التي تذكر على سبيل المثال عمل الشرطة العسكرية في استتباب النظام وإزالة الألغام وتوفير الملابس الشتوية والوقود والطعام.
وفي أوائل عام 2019، قامت وزارة الدفاع الروسية بتسيير قطار يحمل حوالي 500 معروض من “الحرب على الإرهاب في سوريا”، وعلى مدار ما يقرب من 4 أشهر، زار القطار 61 مدينة، من أجل تشجيع دعم العمليات في سورية ولكن ذلك لم ينجح.
فقد أظهر استطلاع في شهر أيار من ذلك العام، أن 55% يعارضون بشكل مباشر مشاركة روسيا في الصراع، و10% فقط يرون أنها ناجحة.
وبينما قد يحاول بوتين إنكار مسؤوليته عن سلسلة من الجرائم الممتدة من سورية عبر أوروبا إلى المملكة المتحدة وما وراءها، فإن ثِقَل الأدلة على جرائم الحرب المتزايدة ضد نظام الأسد، لن تضيف شيئًا إلى مصداقية الزعيم الروسي كرجل دولة ووسيط سلام، وفي حين جلب عرض المعدات العسكرية الروسية عقودًا إضافية إلى صناعة الأسلحة الروسية المزدهرة، إلا أن استخدام الأسلحة في ساحة المعركة في حرب المدن قد أثار أيضًا إدانة كبيرة.
ويضيف المقال، أن بوتين يجد نفسه الآن جزءًا من معضلة، حيث إنه يتجاهل الرأي العام المحلي في نهاية المطاف، بينما لا يزال يحاول الحصول على الدعم الوطني.
ويتابع، أن القواعد في طرطوس، والقاعدة الجوية الأحدث في حميميم، هي موطئ قدم استراتيجي حيوي في البحر الأبيض المتوسط، لذا فإن الانسحاب العسكري الكامل ليس خيارًا حتى يتم العثور على بدائل.
وهناك خطر كبير من أن يتم وسمه بجرائم الحرب الماضية والمستقبلية التي يرتكبها الأسد، وجرائم الحرب في سورية، لكن خيارات بوتين للنأي بنفسه عن نظام الأسد محدودة للغاية، ولا توجد خطة خروج واضحة لا تؤدي إلى بعض الإذلال السياسي، لذلك، فمن المرجح أن تظلّ القوات الروسية ثابتة في شمال غرب سورية بحسب كونلي.
المصدر: عنب بلدي