خالد الخطيب
شهدت منطقة الباب في ريف حلب الشمالي الشرقي توتراً عسكرياً غير مسبوق بين الفصائل المعارضة في غرفة القيادة الموحدة “عزم”، بعدما اختلفت في ما بينها على معبر أبو الزندين الواصل بين مناطق المعارضة ونظام الأسد شمال غربي سوريا والذي تحاول كتلة من الفصائل داخل الغرفة تحويله من معبر إنساني إلى معبر للتبادل التجاري مع النظام.
التوتر بين الفصائل في الباب والذي كان أكثر وضوحاً وتصعيداً في منطقة المعبر بدأته “حركة ثائرون” أحد مكونات “عزم”، والتي أعلنت في 23 كانون الثاني/يناير، عن ضمها للجبهة السورية للتحرير التي تضم فرقتي المعتصم والحمزة، إلى صفوفها. ومع انضمامهما أصبح اسم التشكيل الجديد “هيئة ثائرون للتحرير”.
وباتت غرفة “عزم” الآن تضم كتلتين كبيرتين من الفصائل، الكتلة الأولى وهي الفيلق الثالث بزعامة القائد العام للغرفة أبو أحمد نور، وأكبر فصائلها الجبهة الشامية، أما الكتلة الثانية ممثلة ب”ثائرون”، وقد أصبحت بعد الاندماج الأخير تضم 10 فصائل، بينها فرقة سليمان شاه التي يتزعمها محمد الجاسم “أبو عمشة”، وأكبر فصائلها، فرقة السلطان مراد التي يتزعمها فهيم عيسى، وهو الرجل الثاني في “عزم” وأحد قادة الفصائل الأكثر قرباً من تركيا.
ومع بداية العام 2022 حاولت فصائل “ثائرون” التابعة لغرفة “عزم” افتتاح معبر أبو الزندين للتبادل التجاري مع النظام لكنها فشلت بعد رفض قيادة “عزم” للخطوة، ورفضها انسحاب الفصيل الذي يسيّر شؤون المعبر الإنساني. وبعد الاندماج الأخير أصبح ل”ثائرون” ثقلٌ عسكريٌ يوازي ثقل الفيلق الثالث الذي كان متحكماً في قرار الغرفة، وهو ما دفعهم، لتكرار محاولة افتتاح المعبر ملوحين بقوتهم وبالتصعيد العسكري.
وقال مصدر عسكري معارض ل”المدن”، إن “الاندماج الأخير بين الفصائل كان عبارة عن عملية اصطفاف داخل عزم تهدف إلى خلق توازن بين فريقين متنافسين، وإنهاء هيمنة الفيلق الثالث على الغرفة”، مضيفا أن “الصدام الأول بسبب معبر أبو الزندين قد يكون شرارة انقسام صفوف عزم، وفي الغالب سيكون هناك تصعيد بين كتلتيها، خلال الفترة القادمة، مع وجود قضايا خلافية أخرى بينهما، لا سيما قضية فرقة سليمان شاه وزعيمها أبو عمشة”.
هل يفلت أبو عمشة؟
وتواصل اللجنة الثلاثية تحقيقاتها بقضايا الانتهاكات التي ارتكبها فصيل السلطان سليمان شاه الذي يتزعمه أبو عمشة في ناحية الشيخ حديد في منطقة عفرين بريف حلب الشمالي، وتستقبل اللجنة المزيد من شكاوى المدعين على زعيم الفصيل وأخوته الذين يشغلون مناصب قيادية فيه، ومن المفترض أن تعلن اللجنة في وقت قريب عن نتائج التحقيقات.
وحاول أبو عمشة مع بداية العام 2022 المماطلة في تسليم قائمة من المطلوبين للتحقيق كانت اللجنة الثلاثية التابعة لغرفة “عزم” قد طلبت حضورهم، وفي منتصف كانون الثاني/يناير، حشدت “عزم” قواتها في محيط الشيخ حديد معقل أبو عمشة وهددت باقتحام المنطقة بالقوة لإحضار المطلوبين، وأمام الضغط العسكري استجاب الأخير.
وكان أبو عمشة قد غادر بفصيله صفوف الجبهة السورية للتحرير منشقاً عنها في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، لينضم إلى صفوف “ثائرون”، وبدا انضمامه حينها كمحاولة للتقرب من “عزم” لكي تغض الطرف عن القضايا المثارة حوله، لكن مساعيه فشلت أمام إصرار الغرفة على متابعة عمل اللجنة المكلفة بالتحقيقات ومتابعة القضايا، وبالأخص الفيلق الثالث الذي كان مهيمناً على قرار الغرفة.
وقالت مصار معارضة ل”المدن”، إن “فرص أبو عمشة وفصيله للإفلات من العقاب ومتابعة قضايا الانتهاكات باتت أكبر في الوقت الحالي بعد أن أصبحت هيئة ثائرون صاحبة نفوذ وقوة تنافس الفيلق الثالث داخل عزم”. ورجحت أن تعمل “قيادة ثائرون على طي القضايا وإنهاء التحقيقات لأنها ببساطة لا تريد لمثل هذه الحملات أن تنجح، ففي حال إدانة أبو عمشة وقادة فصيله ومعاقبتهم فإنه سيأتي الدور على فصائل أخرى، وستكون محاربة الفساد والمفسدين ومرتكبي الانتهاكات كأداة في يد الفيلق الثالث للقضاء على منافسيه في المنطقة، وقد يأتي الدور على فصائل أخرى داخل ثائرون”.
معبر أبو الزندين
تناقلت مواقع محلية معارضة معلومات عن تشغيل معبر أبو الزندين الواصل بين المعارضة والنظام قرب الباب بريف حلب، ليل الثلاثاء/الأربعاء، واستقبل المعبر أربع شاحنات تحمل البضائع قادة من مناطق النظام، وهذه المعلومات لم تؤكدها إدارة المعبر ولا هيئة ثائرون للتحرير التي وضعت يدها على المعبر.
وقال أبو أحمد منغ، وهو أحد قادة “عزم”، في تلغرام: “لم أكن أتوقع أن تجتمع بعض الفصائل وتعلن اندماجها تحت شعار الثورة من أجل أن تفتتح معبراً في نهاية المطاف مع عصابات الأسد، هيئة ثائرون للتحرير تحشد قواتها بعد يومين من تشكيلها وترفع جاهزيتها، ليس لأجل تعزيز نقاط الرباط أو مساعدة أهلنا النازحين أو شن هجوم ضد النظام، لكن من أجل الضغط لفتح معبر أبو الزندين”.
ويرى فريق في المعارضة أن افتتاح المعابر مع النظام ليس شراً مطلقاً، ولا خيراً مطلقاً، فتدفق البضائع الى الجانبين عبر معابر رسمية وعلنية أفضل من دخولها عبر ممرات التهريب والتي تصبّ عائداتها في جيوب عدد قليل من قادة نافذين في فصائل المعارضة. فيما يرى فريق آخر أن معظم من يهاجم خطوة افتتاح المعابر مع النظام تكون مواقفهم بناءً على مزايدات وشعارات، وغالباً ما تكون مواقف مؤيدي هذه الخطوة تحيزاً لفصيل سيحكم هذا المعبر ويستأثر بوارداته، وبالتالي يمكن أن يلخص التنافس داخل “عزم” بأنه صراع على المعابر التي لا يراد لها أن تدار من هيئة مستقلة، وأن تصب عائداتها في جيوب جماعات وأشخاص محدودين.
المصدر: المدن