منصور حسين
أخذت قضية “فرقة السلطان سليمان شاه” منحى جديداً، بعد انخراط هيئة تحرير الشام بالأزمة بين الفرقة وغرفة العمليات الموحدة (عزم) أبرز تشكيلات الجيش الوطني، مستغلة مخاوف الفصائل العسكرية من محاولات “الجبهة الشامية”، التي تعتبر القوة الأكبر في “عزم”، السيطرة على المنطقة.
ومع اقتراب لجنة “رد الحقوق” الإعلان عن نتائج تحقيقاتها، نشطت حسابات تابعة لقادة بارزين في هيئة تحرير الشام وحسابات مقربة من الهيئة على منصات التواصل بالحديث عن ضرورة تسلم جهة محايدة ملف التحقيق، الأمر الذي اعتُبر دلالة على رغبة الهيئة بالتدخل.
وفي شهر كانون الأول/ديسمبر 2021، اتفقت كل من فرقة سليمان شاه المعروفة باسم “العمشات” والتي يقودها محمد الجاسم (أبو عمشة) والفصائل المنضوية ضمن غرفة “عزم” على تشكيل لجنة لحل القضايا، بعد شكاوى السكان وتهم بالفساد لاحقت قادة الفرقة.
ونصّ الإتفاق الذي جاء بعد وساطة فصائل في الجيش الوطني والمجلس الإسلامي السوري، على تسهيل عمل اللجنة وتسليم المطلوبين وإمكانية استخدام “عزم” الحل العسكري في حال نقض الاتفاق.
فرصة لتحرير الشام
ومع تطورات القضية التي أخذت منحى تصعيدياً شمل الجميع تقريباً، حيث أعلنت كل من “حركة ثائرون” و”الجبهة السورية للتحرير” الأحد، الاندماج في تشكيل عسكري جديد حمل اسم “هيئة ثائرون للتحرير”. لا تعتبر هيئة تحرير الشام نفسها بمعزل عن هذه التغيرات، إذ ترى أن أي تطور وتوحد فصائلي يفوّت عليها فرصة التوغل في المنطقة، وخسارة حلفاء لها.
وفي تغريدة على حسابه الذي يحمل اسم “جهاد عيسى الشيخ”، طالب القيادي البارز في هيئة تحرير الشام أبو أحمد زكور بأن تتم محاسبة المفسدين “من قبل جهات محايدة يثق الناس في دينها وقدرتها”، معتبراً أن محاربة الفساد يجب ألا تبقى “ذريعة للتغلب والقتال الداخلي”، كما رفض “تهميش الأجهزة الرسمية في مدينة عفرين، من شرطة عسكرية وغيرها”، الأمر الذي اعتبره كثيرون دلالة على رغبة الهيئة بالتدخل.
ورغم تأكيده على أن ما ينشره يمثل رأيه الشخصي، يرى مراقبون أن حديث الزكور وزملاء له حول هذا المشروع، يشير إلى مخاوف الهيئة من سيطرة غرفة العمليات عزم على مناطق الجيش الوطني، ونجاح مشروعها في إخضاع فصائل المنطقة لقيادة موحدة وقوية.
ويرى الناشط السوري فراس علاوي أن تصريحات قادة تحرير الشام رسالة إلى الجانب التركي أكثر مما هي لفصائل الشمال، تريد من خلالها إثبات جاهزيتهم لقيادة مناطق المعارضة، وتقديم الهيئة على أنها الكيان الأكثر تنظيماً وقدرة على ضبط المنطقة أمنياً.
ويقول: “هناك صراع واضح للهيمنة على الشمال، ومع تضارب هذه المشاريع من حيث الأهداف والاستراتيجية والعقيدة، فإن التوتر والاقتتال يعتبر الحدث الاعتيادي، خاصة وأن جبهات القتال مع النظام تشهد هدوءاً نسبياً، ما يتيح لهذه القوى الالتفات لمشاريع الهيمنة والتسلط وبناء التحالفات والتكتلات العسكرية بين القوى المختلفة فكرياً وعقائدياً بهدف القضاء على مشاريع مضادة لها”.
مشاريع تنافسية في ساحة السلطان
ويتهم مسؤولون ومقربون من الجبهة الشامية، تحرير الشام بتقديم المساعدة لفرقة السلطان سليمان شاه وتعزيز قواتها عن طريق مجموعات تابعة للهيئة تنشط في منطقة غصن الزيتون، بهدف تقوية الفرقة مؤقتاً وتأخير خضوعها الكامل لقرارات لجنة حل القضايا.
وينظر إلى ذلك، على أن الهيئة تريد كسر حملة “عزم” الحالية، وضرب مشروعها المبني على توحيد المنطقة وضبطها أمنياً وعسكرياً، لما يحمله من مكاسب عسكرية تتمثل بتحجيم دور الجبهة الشامية، وتسويقها أمام السوريين على أنها الوحيدة القادرة على ضبط مناطق المعارضة، خاصة بعد فشل محاولات التقارب بين الجهتين العام الماضي.
وكانت الجبهة الشامية قد عملت، مطلع 2021، على تطوير علاقاتها مع تحرير الشام، ومحاولة التوصل إلى مشروع عسكري قادر على دمج مقاتلي الهيئة ضمن صفوف الجيش الوطني وإعادة تعويمها من جديد، بهدف تخليص الجانب التركي من هذه المهمة التي تساهم في إضعاف موقفه خلال التفاوض مع روسيا.
لكن الجهتين، وبحسب معلومات “المدن”، قد فشلتا في التوصل إلى رؤية واضحة للمشروع الجديد، نتيجة تمسك كل طرف بالسلطة والاستحواذ على المراكز القيادة، الأمر الذي فاقم الخلاف بين الطرفين.
الجولاني يبحث عن حضور
ورغم التوتر بين “عزم” وهيئة تحرير الشام، وتسليم الهيئة لصعوبة السيطرة على ريف حلب عسكرياً، إلا أنها لا تخفي اهتمامها وطموحاتها بالتوسع باتجاه المنطقة لما تحمله من مكاسب اقتصادية.
ويعتبر المحلل السياسي وائل علوان في حديث ل”المدن”، أن هيئة تحرير الشام تنظر إلى الفوضى الحالية في ريف حلب الشمالي من بوابة المطامع في امتداد نفوذها الأمني والاقتصادي إلى عفرين، بالنظر إلى صعوبة التوسع عسكرياً في منطقة غصن الزيتون.
ويقول: “تريد تحرير الشام أن تخلق فرصة نفوذ اقتصادي لها في ريف حلب، مع توفر معلومات لدى قيادة الهيئة عن أن المنطقة سيكون لها دور اقتصادي متنامٍ مستقبلاً، حيث تتم دراسة تحويل الحركة التجارية بين مناطق سيطرتها ومناطق سيطرة الجيش الوطني من خلال معبر الحمام، والذي سيكون بطبيعة الحال على حساب معبر باب الهوى في ريف إدلب”.
تنظر تحرير الشام إلى استمرار سيطرة فصائل الجيش الوطني على منطقة غصن الزيتون على أنه تفويت نسبي للمكاسب الاقتصادية المفترضة، والتي قد يزيد من صعوبة الوصول إليها تحقيق الفصائل مزيداً من التماسك، بحسب علوان، الأمر الذي سيحدد، بالإضافة للعوامل الأمنية والعسكرية طبعاً، مدى نجاح تشكيلات الجيش الوطني في الوصول إلى قيادة موحدة. وهو هدف لا يبدو أنه بهذه السهولة.
المصدر: المدن