د. مخلص الصيادي
إلى أخي أبي ضرار، وقد غيبه الموت في مثل هذا اليوم قبل عامين.
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، أخالك وقد انتقلت إلى جوار رب كريم عادل جبار، تنظر إلى ما آل إليه وضع وطنك الصغير سوريا، وما آل إليه وضع أمتك على امتداد مساحة وجودها فيعصرك الألم لكن لا يغادرك الأمل رغم أنك غادرت هذه الحياة.
فما آمنت به طوال حياتك، وما بذلته من وقتك وجهدك، وما تمسكت به من مبادئ وقيم، كان هو الحق.
كنت دائما تعبر عن قيمة هذا الشعب وجوهر هذه الأمة، كنت دائما مؤمنا بسورية العربية الديموقراطية التي يعيش فيها مواطنوها وقد تحققت لهم انسانيتهم ” المواطنة والعدل، والأمن “، ومؤمنا بوحدة هذه الأمة وحريتها وتقدمها،ومؤمنا بفلسطين كل فلسطين لشعبها وأمتها، وما غادرك هذا الأمل أبدا، وكيف يغادرك وأنت على يقين أن وعد الله لهذه الأمة، ولهذا الشعب وعد لا بعد أن يتحقق، إن لم يكن اليوم فالغد موعده.
أخي أبا ضرار
كنت في حياتك نموذجا للمناضل الذي لا يساوم، وللقائد المتعفف عن تفاهات الدنيا وإغراءاتها، لم تثن عزيمتك السجون، ولم تنل من طهرك المناصب، فبقيت دائما في موقعك، متقدما جميع رفاقك واخوتك في النضال، لكنت دائما متمسكا بإظهار روح القائد الحق في كل موقف، لا يفت في عضدك من وافقك ولا من خالفك ما دام موقفك مبنيا على قناعة راسخة ملازمة للحق والواجب.
كنت حينما أزورك في مكتبك أتابع طريقتك في التعامل مع أصحاب القضايا والخلافات الذين يلجأون إلى
“المحامي” بحثا عن النصرة، فكنت تنتصر للحق لا “للزبون”، تماما كما كنت تفعل في مواقفك النضالية والفكرية.
في مكتبك، على الجدار فوق رأسك تماما لوحة فيها قول الله تعالى:”رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين”، وكنت أتمعن دائما في هذه الآية التي تختصر وتوجز الميثاق بينك وبين ربك في مسيرة حياتك، منذ أن كنت طالبا في كلية الحقوق حتى غادرت هذه الدنيا.
أعلم كم نال منك الجرح السوري النازف منذ عشر سنوات قبل رحيلك، وكم كان يؤلمك ضعف المعارضة السورية، وعتو وجبروت السلطة الباغية، والاستباحة التي ابتلي بها وطننا السوري من كل حدب وكل صوب تحت رايات طائفية عنصرية بغيضة ما عرفتها الحياة السورية إلا زمن هذا الحكم البعثي/ الأسدي.
وكم كنت تتمنى أن ترى فرجة أمل قبل أن تغادر هذه الدنيا/ الدنية.
أبا ضرار
أمام ناظري في بيتي سبحة من الخرز الأحمر، أهديتنيها حينما زرتك عقب خروجك من آخر فترة سجن طويل زجك به نظام الاستبداد والفساد والقتل ، وكلما نظرت إليها، استرجعت أوجه الألم والأمل في حياتك وحياتنا.
كثير يمكن أن يكتب عنك، فكل من ناضل في الحركة الناصرية في سوريا، وعربيا، وكل من كان الاتحاد الاشتراكي ميدانيا لنضاله، وكل من تصدى بحق لجريمة الانفصال، وكل من عمل على تجسيد الرؤية الناصرية في فكره وسلوكه، سيجد لك في تكوينه وعقله ووجدانه انطباعا وأثرا حقيقيا ثريا يعتز به.
عبد المجيد منجونة، أبا ضرار، أبا لطفي، لك مني التحية ، والذكرى الطيبة، والدعاء إلى الله أن يجمعني معك في عليين مع الشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.