الصراحة ضرورية في هذا التوقيت مهما كانت، ويجب أن تصل الرسالة التي لن تغير شيئا باعتبار أن مدركيها عاجزون ولا يملكون ما يكفي من القوة، وباعتبار أن خيارات المحاصرين في مخيم اليرموك مشروعة أيا تكن بالتوازي مع كمّ المعطيات التي أمامهم وتقصير الجميع تجاههم.
تشي التسريبات عن لقاء ناشطي مخيم اليرموك مع وفد روسي قبل أسبوعين بأن الروس اعترفوا صراحة أمام ناشطي المخيم بإخراج الأخير من أي عملية تفاوض وفصل ملفه كأرض وكمخيم للاجئين الفلسطينيين عن ملف اللاجئين من أبنائه أنفسهم وعن ملف بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم الملاصقة له باعتباره سيتعرض لحملة عسكرية شرسة.
وبمعنى أدق فالمخيم يتجه نحو التدمير قريبا وهذا مفروغ من أمره ويخرج عن أي تفاوض، وهذا ما يتناسى القاصي والداني أنه أكبر الهدايا للكيان الإسرائيلي من قبل أتباع روسيا الذين يتفاخرون بالمقاومة ويدمرون المخيمات ويقتلون الفلسطينيين منذ عقود ويكسبون إعجاب شريحة واسعة من الفلسطينيين.
اليرموك الذي كان نواة الشتات الفلسطيني رغمًا عن نظام الأسد منذ نشأته قبل 44 عامًا، تحول حين سنحت للأخير الفرصة المواتية بدعم دولي بغيض إلى ساحة حرب وسجن كبير وغابة ومدينة أشباح عبر حصار جيش النظام وعملائه من الفصائل والميليشيات الفلسطينية للمخيم وتهجيرهم سكانه وإبطالهم ثقله الوطني بفعل المجازر والقصف والخطف والاغتصاب والإجرام ودفع المعارضة وداعش إلى اقتحامه وتناوب السيطرة عليه.
دليل ذلك الحشود العسكرية والمتاريس والعتاد التي بدأت تجهزها تلك الميليشيات الإرهابية قبل أيام عند مدخل المخيم تمهيدًا لمعركة مسحه عن الخريطة أسوة بمخيمي تل الزعتر ونهر البارد، والذريعة والأداة هي وجود تنظيم داعش الإرهابي الذي أذاق الأهالي ويلات وقهرًا وشظف عيش وتنكيلًا، والذي تمنّع النظام مرات عديدة عن إخراجه من هناك بالتفاوض وبلا قتال لغرض إبقائه ذريعة لتدمير اليرموك، بل إن المعلومات والتسريبات تؤكد أن مخابرات الأسد نفسها هي من سهلت احتلال الدواعش للمخيم ونسقت مع أمرائهم أمنيًا ونفذت معهم صفقات بيع وشراء مسروقات وسمحت بخروج ودخول أمراء وعناصر وشرعيين وأمنيين منهم، وأمدتهم بالعتاد وسهلت وصول رواتبهم من مركز خرافتهم في الرقة وفتحت مستشفيات دمشق لجرحى معاركهم ضد المعارضة.
هذه هي صحيفة الوطن التابعة لنظام الأسد وعلى واجهتها بدأت تتحدث عن معركة تحرير _تدمير_ اليرموك ومعها إعلام ميليشيات لواء القدس وجبريل وفتح الانتفاضة وبقية كورس البوصلة المعقوفة عن طريق تحرير القدس الذي يمر من المخيمات الفلسطينية ومدن سورية. كما يتم الترويج عبر سماسرة لبيع عقارات في المخيم.
حتمًا سيخرج قريبًا آلاف الفلسطينيين ليصفقوا للأسد على ما يفعله بمخيم اليرموك وينسوا دماء المدنيين الذين استشهدوا خلال صمودهم فيه بمواجهة كل الوحوش ودفاعا عن بقاياهم… كما سيواصل آلاف اللاجئين مسلسل البلاهة وربط كل ما يجري من صفقات القرن والقرنين بالعملاء المعلنين في المنطقة ويتناسون أن تدمير تل الزعتر ونهر البارد ومخيمات الفلسطينيين في لبنان عشرات المرات، وتشتيت فلسطينيي سورية من قبل أخوتهم الأعداء هو السبب المباشر لاستفراد البشرية والأونروا بهم اليوم..
وعليه وجب استباق كل تلك الأحداث قبل تدمير 90% من بيوتنا وذاكرتنا هناك… ذاكرة أجيال كاملة عاصرت القضية وخزنتها تحت التراب وعلى الجدران وفي البيوتات لتمحوها أيادي الخونة الحاقدين.