عدنان عبد الرزاق
12.4 مليون سوري لا يعرفون كيف يوفرون وجبتهم التالية، وفق تقرير نشره برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي. عدد الجياع زاد ثلاثة ملايين دفعة واحدة في العام 2021، ليصبح أكثر من 60 في المائة من السوريين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، فيما أكثر من 90 في المائة منهم يعيشون تحت خط الفقر.
وقف الدعم عن 600 ألف أسرة في بداية الشهر الحالي، أوصل عدد الجيّاع إلى نحو 15 مليوناً، بحسب الباحث الاقتصادي يحيى السيد عمر، فيما عدد سكان سورية هو 17.5 مليون شخص. إذ إن ارتفاع أسعار السلع والمنتجات الغذائية ضاعف بؤس السوريين وفقرهم.
ويجزم السيد عمر أن ما يعانيه السوريون في الداخل اليوم، هو الأقسى على الإطلاق منذ انطلاق الثورة السورية في عام 2011، واصفاً الوضع بـ”المأساة”، بعدما بات رغيف الخبز أمنية يسعى إليها جل السوريين، ويلفت إلى أن سعر ربطة الخبز (1100 غرام) ارتفع من 250 إلى 1300 ليرة سورية، وظهرت سوق سوداء للخبز بسعر 2000 ليرة، فيما وصل سعر الدولار في السوق السوداء إلى 3650 ليرة.
وترافق غلاء الخبز خلال الشهر الحالي مع رفع سعر المياه المعبأة، بعد رفع أسعار المازوت والكهرباء والدواء، الأمر الذي حوّل كامل سورية، عدا قلة قليلة، إلى دولة جياع.
ويفرّق الباحث السوري خلال حديثه لـ”العربي الجديد”، بين سوء التغذية والأمن الغذائي والجوع، مؤكداً أن السوريين تخطوا مراحل سوء الأمن الغذائي والتغذية، فـ”هم يعانون بكل معنى الكلمة من الجوع، بعدما تخطوا مرحلة عدم كفاية الطاقة الغذائية، وانتظمت خاصة في الآونة الأخيرة حالة عدم استهلاكهم سعرات حرارية ليعيشوا بصحة ونشاط”.
ويؤكد السيد عمر أيضاً أن المزاجية في التسعير والفوضى في الأسواق بواقع غياب الرقابة زادتا الطين بلة. ولكن، يستدرك الباحث السوري، “علينا ألا نرمي كامل المسؤولية على التجار والصناعيين”، لأنهم يعانون أيضاً، برأيه، من رفع تكاليف الإنتاج وزيادة الضرائب، بل و”إتاوات لا تتوقف من حكومة الأسد”.
ويضيف الأكاديمي عبد الناصر الجاسم أسباباً أخرى لارتفاع الأسعار في سورية، ويشير إلى أن استمرار التصدير إلى دول الخليج، خاصة الخضر والفواكه واللحوم، والتزام نظام الأسد بعقود تصدير ومقايضة مع روسيا وإيران، أثرا بشكل كبير على المعروض السلعي في السوق السورية، “حيث رأينا ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية بشكل خاص”.
ويسأل: “منذ متى يصل سعر كيلوغرام البطاطا في سورية إلى 2500 ليرة؟ كما أن الحمضيات التي يزيد إنتاجها عن ضعف الاستهلاك المحلي، ارتفعت أسعارها إلى ما يفوق القدرة الشرائية، ووصل سعر كيلوغرام البرتقال إلى ألفي ليرة”.
ويرى الجاسم خلال سرده أسباب ارتفاع الأسعار، أن “للصقيع الذي عصف في المنطقة، ومنها سورية، أثراً لا يمكن التنكر له، وإن كانت تبعاته محدودة، لكن تلف منتجات زراعية، خاصة في منطقة الساحل، خفض طرح الخضر في السوق ورفع أسعارها”.
ويضيف الجاسم أن ارتفاع تكاليف الإنتاج يأتي سبباً سادساً لصعود الأسعار في سورية، إذ إن المازوت والفيول هما من السلع الأولية التي تدخل في معظم تكاليف الإنتاج الزراعي والصناعي، ورفع سعرهما إضافة إلى رفع أسعار الأسمدة، لا يقود سوى إلى زيادة الأسعار على المستهلكين.
ويلفت الجاسم إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية المستوردة، ما رفع سعر الدواء أخيراً، إذ إن منشآت الأدوية تستورد مواد الصناعة الأولية بالدولار، ويضطر المستوردون للتصريف من خلال السوق السوداء بعدما توقف المصرف المركزي عن تمويل المستوردات.
ويشرح الأكاديمي السوري أثر ارتفاع الأسعار بنسبة قدرها بنحو 30 في المائة خلال شهر واحد على معيشة السوريين، قائلاً: “إن كانت الكلفة الشهرية لمعيشة الأسرة تقدر بنحو 2.2 مليون ليرة والدخل الشهري بعد الزيادة الأخيرة على الأجور لا يزيد عن 100 ألف ليرة، فمن أين وكيف يمكن للسوريين ردم هذه الهوة الهائلة بين الدخل والإنفاق؟”، ويخلص إلى أن الجوع وصل إلى درجة المرض، وهي الحالة العامة القائمة اليوم في بيوت الناس، باستثناء القليل من المواطنين الذين يبيعون ما تبقى لديهم من ممتلكات فقط لتأمين الحد الأدنى من الغذاء.
وخرجت اللحوم “بالكامل” من حسابات أكثر من 90 في المائة من السوريين، بحسب حنان أحمد، التي تعمل كإعلامية. وتشير أحمد، خلال اتصال مع “العربي الجديد”، إلى أن سعر كيلوغرام السمك لا يقل عن 80 ألف ليرة، ما يعادل راتب موظف، وسعر كيلوغرام لحم الخروف بين 30 و35 ألف ليرة، وشرحات العجل سعرها 25 ألف ليرة.
وحول أسعار الغذاء والمستورد منه تحديداً، تؤكد أحمد من دمشق أن الأسعار ارتفعت بنسبة 30 في المائة هذا الشهر، ويبلغ سعر كيلوغرام الأرز المصري 5 آلاف ليرة، وكيلوغرام البرغل نحو 4 آلاف ليرة، وكيلوغرام القهوة 35 ألف ليرة. خاتمة بأن النمط الغذائي للسوريين تبدل تماماً، ويتم استهلاك سلع مجهولة المصدر ومنتهية الصلاحية لرخص أسعارها، وكثيرون يبحثون عن فضلات الغذاء، سواء حول المحال أو في أسواق الجملة، أو حتى في حاويات القمامة.
المصدر: العربي الجديد