غزوان قرنفل
صرح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو يوم الأربعاء الماضي خلال لقائه في أنقرة وزير الخارجية الأردني عن الحاجة لتنظيم اجتماع رباعي لممثلي الدول الأربعة المحيطة بسوريا يتعلق بدعم العودة الطوعية للاجئين السوريين إلى بلدهم أسقط منها أو سقطت منه سهوا كلمة (عودة آمنة) وكأن الظروف قد نضجت واستقرت الأوضاع في سوريا ووصل قطار الحل السياسي إلى محطته الأخيرة، ولم يبق إلا أن يملأ السوريون حقائب سفرهم وينطلق موكب الحافلات إلى الجنة السورية الموعودة!!!.
ربما يمكننا أن نتفهم عدم رغبة تركيا في إضافة أربعة ملايين شخص إلى عديد سكانها إلى الأبد لكن بالتأكيد لن يكون مفهوما أن تعيد هؤلاء أو معظمهم على الأقل إلى بلدهم التي فروا منها التماسا للحماية والأمن والسلامة بعدما صار كل شارع في بلدهم هدفاً عسكرياً يطوله القصف ويخلف فيه الموت والدمار، دون أن تكون الأسباب التي ألجأتهم قد زالت ولم تعد هناك مخاطر على أمنهم وسلامتهم.
في هذا السياق يمكننا القول إن الحديث عن عودة آمنة للاجئين السوريين إلى بلدهم ما يزال سابقا لأوانه بكثير باعتبار أن تلك العودة لا يفترض أن تكون طوعية فحسب وإنما آمنة أيضا.. فهل يرى الدعاة لهذا المؤتمر أن معطيات توفر البيئة الآمنة قد تهيأت، أم أنه لا بأس من إعادة هؤلاء ورميهم في فم الأسد؟؟!!!
لقد أكدت عشرات التقارير الحقوقية الدولية وفي مقدمتها تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش الصادر في شهر أكتوبر 2021 أن (عشرات اللاجئين السوريين الذين فروا من بلادهم هربا من الاضطهاد يتعرضون، بعد عودتهم، للانتهاكات على أيدي السلطات أو الجماعات المسلحة الموالية للحكومة) وأن (الروايات المروعة عن التعذيب والاختفاء القسري والانتهاكات التي تعرض لها اللاجئون العائدون إلى سوريا ينبغي أن توضح أن سوريا ليست آمنة للعودة. الانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الملكية وغيرها من الصعوبات الاقتصادية تجعل أيضا العودة المستدامة مستحيلة بالنسبة للكثيرين)، وأضافت هيومن رايتس ووتش أن على جميع الدول وقف عمليات الإعادة القسرية إلى سوريا. وتضيف “سارة كيالي” وهي باحثة في الشؤون السورية بالمنظمة الحقوقية التي مقرها الولايات المتحدة لرويترز: “أي دعوات لعودة (اللاجئين) قبل الأوان ستترتب عليها مخاطر جسيمة تصل إلى حد الموت”.
بطبيعة الحال فإنه لابأس من عقد أي مؤتمر إقليمي أو دولي يخص ملف اللاجئين ويناقش الظروف والبيئة اللازم تهيئتها لعودتهم لبلدهم وفي مقدمة تلك الظروف بلا شك هي انتفاء وجود سبب خروجهم ومغادرتهم لوطنهم، وهذا يفضي بالمؤتمرين بالضرورة إلى التعاطي بجدية أكبر مع ملف الحل السياسي الشامل الذي من شأنه امتلاك القدرة والإرادة على خلق وتوفير البيئة الآمنة لأولئك اللاجئين بمعناها الواسع الذي يكفل حياة الناس وأمنهم وسبل عيشهم، وكل ذلك لن يكون ممكنا مع استمرار وجود نفس السلطة الحاكمة المتسببة بتلك الكارثة ابتداء، وإلى أن يكون كل ذلك ممكنا فعلى المؤتمرين أن يناقشوا على الأقل تطوير الأوضاع القانونية للاجئين في بلدانهم وتطوير صيغ العيش المشترك والآمن مع المجتمعات المضيفة وتذليل كل صعوبات العيش وسبله التي تواجه اللاجئين في تلك البلدان، خصوصا أن تلك البلدان وإن كانت تتحمل أعباء تقديم الخدمات بحدودها المعقولة لتلك الأعداد الكبيرة من اللاجئين، لكنها بالقطع لا تتحمل العبء المالي المترتب على ذلك بل تتحمله مؤسسات حكومية ودولية تضخ مليارات الدولارات في الشرايين الاقتصادية لتلك الدول سنويا، فعلى سبيل المثال فقد أنفقت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين خلال عامي 2020 و2021 مبلغا قدره خمسة مليارات وخمسمئة مليون دولار على ملف اللاجئين السوريين في تركيا وحدها، وذلك عدا المخصصات المالية التي يؤديها الاتحاد الأوروبي لتركيا بموجب الاتفاق المبرم بينهما منذ عام 2016.. وما يقال عن هذا الجانب بشأن اللاجئين السوريين في تركيا يمكن قوله عن أقرانهم في الأردن ولبنان والعراق وطبعا مع مراعاة أعداد اللاجئين في تلك الدول والتي لا تصل في مجموعها لنصف عددهم في تركيا.
وفي هذا السياق فإن تقريراً لمركز السياسات وبحوث العمليات
(OPC) الصادر مؤخرا برعاية “أصوات لأجل المهجرين السوريين”
(VDSF) أدرج حزمة من التوصيات الموجهة للدول المضيفة جاء في بعضها:
إن تبعات العودة المبكرة خطيرة للغاية، وعلى جميع الدول المضيفة التأكيد على مبدأ عدم الإعادة القسرية وإنهاء استخدام القوة والإكراه والحوافز لإعادة السوريين إلى سوريا قبل أن تصبح آمنة لا سيما في غياب تدابير الحماية القضائية.
العمل على تحسين الظروف المعيشية للسوريين داخل البلدان المضيفة، مما سيساعد في ضمان أن تكون قراراتهم بالعودة طوعية بغض النظر عن وضعهم القانوني كلاجئين أو طالبي لجوء، أو حاملي وضع الحماية المؤقـتة.
العمل على تبني سياسات طويلة الأمد مبنية على منظور واقعي بأن الظروف في سوريا ليست آمنة للعودة، ومن غير المرجح أن تصبح آمنة في المستقبل القريب، ستعمل هذه السياسات من أجل الاندماج على المدى الطويل من خلال الاعتناء بمسائل مثل المواطنة والحق في العمل.
خلاصة القول إن تلك الدول المضيفة للاجئين لا تملك وحدها وبإرادتها المنفردة أن تقرر مصائر ملايين البشر دون أن تتوفر لهم سبل العودة الآمنة والعيش الآمن، ودون ذلك مترتبات سياسية وقانونية لا يستطيع أحد أن يتنصل منها، وعليهم بالتالي التكيف مع حقيقة أن امتداد زمن اللجوء يدفع بالكثير من اللاجئين لرفض فكرة العودة بكليتها إلى بلدهم بعد أن اندمجوا في المجتمعات المضيفة وأسسوا حياة جديدة، وأن بعضهم الآخر سيعود حتما ليعيد بناء حياته مجددا بعد أن تتوفر لهم السبل الآمنة للعودة والعيش الكريم وذلك لا يحتاج إلى تنظيم مؤتمر لبحث قضية “عودة اللاجئين” بقدر ما يحتاج إلى تنسيق مجهود دولي جدي وحقيقي لتوفير وسائل التغيير في المشهد السياسي السوري بكليته بما يجعل من عودة اللاجئين أمرا ممكنا وناجعا.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا