محمود خزام
سمعت باسمه كثيرا وعرفته ” بالسمعة” أولا عبر “سرديات ” توأم الروح والدرب النضالي المبكر الشهيد” تيسير الشهابي” الذي سيكون له لاحقا الدور الاساس بالتعارف الشخصي المباشر بالرفيق عمر قشاش…
و ” مرافعات ” رفيق الدرب الآخر الأكثر ” تركيز وحميمية ” حين يأتي على ذكره متحدثا بتلك ” القاف ” المشدّدة المغناة عن الرفيق ” أبو عبدو “رجل الطبقة العاملة “الأصلي والاصيل ” بالقيمة والمعنى والتواضع الإنساني..
هذا المتحدث الآخر هو الطالب الجامعي
الذي لايكلّ ولايملّ عن الحركة بين كليات جامعة دمشق والعودة ل ” بوفيه او كافيتريا ” الجامعة عند التعب…
أتحدث هنا عن الرفيق الأكثر قربا لعقلي وروحي حينها ” صاحب الشنكليش ” زهير زاهر الذي له من اسمه نصيب..!
وبالتأكيد يحضرني هنا احاديثنا المشتركة عن ” ابو عبدو الانسان ” مع رفيقنا الراحل ” احمد محفل ” عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي – المكتب السياسي والمسؤول الأول عن منظمات الحزب في فرنسا وباقي المدن الاوروبية
الأخرى ….
وهذه الحوارات جرت في باريس واثينا وتونس..وتحدث خلالها ” ابن العم ” عن ادق التفاصيل التي غمرت حياة عمر قشاش على الصعيدين الإنساني والنضالي النقابي والسياسي..!
باختصار فان حكاية ” عمر قشاش ” هي حكاية وطن وتجربة ومرحلة..
وايضا هي حكاية ” جيل ” كامل من الرفاق والاخوة والاصدقاء…اسميه أنا بيني وبين نفسي ” جيل حالم ” آمن مبكرا بالحرية والوحدة العربية والكرامة
والديمقراطية والعشق والجمال..
ليس على مستوى بلدنا سوريا فقط بل على مستوى كامل جغرافيا وطننا العربي الكبير…
لذلك لم تكن مصادفة أن يبدأ نظام الاسد الأب تنفيذ سياسة ” قصف الأعمار” بهذا الجيل الواعد الذي بدأ ” مشروع حياته ” بموعد مع الآمال والثقة بأن ” القادم ” سيكون اجمل واكثر ثقة ببناء وطن غير قابل ل ” القِسمة والضرب والانقلابات” والعبث بمقدراته ودوره الذي يليق به سورياّ وعربيا وانسانيا…!
أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات تصاعدت الاحداث واشتدت المواجهة ” الدموية” المفتوحة بين نظام القمع والديكتاتورية والاستبداد من جهة وتنظيم الاخوان المسلمين واداتهم العسكرية ” الطليعة المقاتلة ” من جهة اخرى…
في هذا ” الخِضَّم المرعب ” كان لابد من تشكيل حركة سياسية وطنية ديمقراطية جامعة مؤثرة تأخذ دورها لانقاذ سوريا وطنا وشعبا ، من أتون مواجهة دموية ثنائية قد تأخذ البلد الى مايحمد عقباه..
وتشكل حينها ” التجمع الوطني الديمقراطي ” 1979…
كإطار سياسي مفتوح لاحزاب ومنظمات سياسية ونقابية وشخصيات عامة ومواطنين مستقلين ..يؤمن بالاعتراف والتنوع والاختلاف ، واعتماد الحوار الديمقراطي ، والانطلاق من الوحدة الوطنية والمصلحة العامة ، والاحتكام إليهما ، والثقة بقدرات الشعب ، والاعتراف بحقه في اختيار النظام السياسي ،الاجتماعي ، الاقتصادي،الذي يحقق مصالحه ، ونظام الحكم الذي يحمي هذه المصالح ويصونها…؟
في شباط/ فبراير 1980 خرج الرفيق عمر قشاش ” ابو عبدو ” من المعتقل بعد ان امضى فيه قرابة السنتين …؟!
بعد هذا التوقيت بشهور قليلة وعبر رفيق العمر الشهيد تيسير الشهابي ساتعرف على ” المواطن ” عمر قشاش…!
ذات ليلة في منطقة ركن الدين وفي” بيت نضالي سرّي ” مشترك يجمع رفاق ” المكتب السياسي وحزب العمل ” / بعد قرابة العامين واكثر قليلا سأقيم به عدة شهور قبيل مغادرتي بلدي / اقترب تيسير مني وبصوت هامس : بكرا عنا مشوار خاص..حضر حالك…هزيت براسي بالايجاب…!
في اليوم التالي كنّا بالقرب من ثانوية دمشق الوطنية ( هناك حصلت على الثانوية العامة ) انطلقنا نحو منطقة ” الحريقة”.. دقائق عشرة وربما اكثر قليلا دخلنا بعدها بشارعين وصرنا امام مقهى شعبي ..تابعنا الخطى واصبحنا بالداخل ووقفنا امام رجل يحمل بين يديه جريدة يومية..وحقيبة سوداء اللون..!
رفع الرجل الجالس ناظريه نحونا وقال : اهلين بالعزيز ابو النور وبرفيقه…
من فوره تيسير قال : رفيقنا ابن عمي شحادة الشهابي..
اجاب الرجل : رفيقك عمر قشاش ” ابو عبدو ” اهلين وسهلين ..!
جلسنا وتحدثنا كثيرا عن سوريا ولحظتها التاريخية الصعبة ومخيم اليرموك الذي بدا لي ان ابو عبدو يعرفه جيدا وفلسطين ومنظمة التحرير وابو عمار وغير ذلك..بعدها جمعتنا لقاءات أخرى وفي اكثر من مكان..
بعد ذلك ، اشتدت الازمة في سوريا وتصاعدت واصبح النظام اكثر شراسة وقسوة ودموية..وصار ” البطش ” بحق المعارضة الوطنية والقوميةوالتقدمية له اليد الطولى…
غاب الرفيق ابو عبدو وغيره من قيادات وقوى “التجمع الوطني الديمقراطي ” عن حضور المشهد بشكل علني تحسبا من بطش النظام واصراره على اعتقال قيادات العمل الوطني والنقابي الديمقراطي الذي طاول كل الجغرافية السورية..!
في اواخر ايلول/ سبتمبر وبداية تشرين الأول / أكتوبر 1980تصاعدت حملات النظام الهمجية القمعيةبحق المعارضة الوطنية الديمقراطية وطاولت الجميع ..قيادات وكوادر بالمئات..!
حينها ، التقيت بالراحل تيسير واخبرني ان الرفيق ” ابو عبدو ” بالشام ويريد ان نلتقي سويا..تحمست ولاجل ذلك أمنت سيارة خاصة للحركة…!
لرغبته وحسه الامني وايمانه بمقولة ” مطرح مابتخاف ابحث عن الأمان “.. وهكذا وبالقرب من البنك المركزي في ساحة السبع بحرات التقينا…بعدها انطلقنا برغبة من تيسير نحو الغوطة وكان لنا صديق يعمل هناك بواحد من “المقاصف” وهو ان لم تخني الذاكرة العزيز مصطفى الهندي…وحين وصولنا للمكان وجدناه مغلقا وتذكرنا أننا في رمضان..!؟
بعدها انطلقنا بالسيارة دون ان نتوجه لمكان محدد..فجأة وجه ابو عبدو نظراته نحوي وسألني : شو رأيك نروح لعندكن قصدي على بيتكون..اجابه تيسير بس يارفيق بيت عمي كمان مكان عليه العين الامنية ، وكمان البيت بيشبه مكاتب الثورة الفلسطينية وخاصة فتح…!
ضحك ابو عبدو وسألني شو رأيك..اجبته بنتشرف فيك رفيقي وتوجهنا نحو بيتنا في مخيم اليرموك….
قبل حارتنا بشارع الجاعونة بجادتين اوقفت السيارة وتوجهنا نحو البيت مشيا على الأقدام وبسبب رمضان وساعة الافطار كان الصمت هو سيد الموقف..
فتحت الباب على مهل ودخلنا مباشرة الى صالون الضيوف وجلسنا..
دقيقة نظر ابو عبدو باتجاه الحائط المواجه له وابتسم وقال: شو رفيق شحادة صورة ” ابو خالد ” يقصد عبد الناصر ” مزينة ” البيت..بسرعة جاوبه تيسير بعد شوي رح تتعرف على شخصية ناصرية رائعة ومن نوع مختلف ( يقصد والدي الراحل )…
بعد قليل سمعت وقع اقدام والدي نازلا من الاعلى وهو ” يتنحح ” ويناديني بالقول: شحادة وينك يابا قولي أنك بدك تتأخر ..مش شايف البلد قايمة قاعدة..
ووصل الى باب الصالون وسألني كنك مش لحالك..جاوته فوت يابا معاي تيسير وصاحب آخر حابب اعرفك عليه..
دخل والدي ونظر مباشرة نحو ابو عبدو واتجه نحوه مرحبا بالقول : اهلا وسهلا جاوبه ابو عبدو اهلين فيك رفيقنا ابو شحادة..أنا عمر قشاش ابو عبدو رفيق هالشباب الطيبة…جاوبه والدي ” رفيق” الشباب خلص ” عرفتك “..؟!
بعدها بقليل استاذن والدي وخرج وعاد بعد نصف ساعة وهو يحمل بين يديه
” سدر ” من الطعام..اخذته منه ووضعته فوق الطاولة ..وحين همّ والدي بالخروج طلب منه ابو عبدو البقاء..
وامتد الحوار وطال عن عبد الناصر والحكيم وفلسطين وسوريا واحوالها..وعبر والدي عن رايه بالاسد الاب بكل صراحة ووضوح واضاف : اليوم احنا قدام ” أسد ” حقيقي يعني وحش ..والله يعين سوريا من يوم وطالع..ودايما بقوله ل شحادة ورفقاتو وانا يا ابو عبدو تعرفت عن طريق شحادة على ” رفاق ” كتار مثل حضرتك ودايما بقول ل ابني ورفقاته ديرو بالكو على حالكو..هذا الرجل لايرحم واللي جاي حيكون ابشع من كل التصورات…
بعد منتصف الليل بقليل استاذن والدي وقال : إذا مرتاحين خليكو هون الليلة ومافي حدا من اهل البيت راح يضايقكو
واذا بدكو تطلعوا بره خبرنا يابا وين بتكون مش ناقصني خوف أمك وخواتك عليك…تصبحو على خير..!
بالفعل بقينا بالبيت حتى السادسة صباحا ثم خرجنا واوصلنا ابو عبدو الى المنطقة الصناعية…
بعدها بعشرين يوما او اكثر قليلا سيعتقل ابو عبدو والمئات من قيادات التجمع الوطني وكوادره..في أكبر حملة اعتقالات حدثت بتلك المرحلة..
سيمضي ابو عبدو بالمعتقل ” 15″ عاما ويخرج وهو اكثر اصرار على نهجه ومبادئه وحلمه باقامة نظام وطني ديمقراطي تستحقه سوريا وشعبها العظيم..
وحين انطلقت الثورة السورية العظيمة آمن بها ابو عبدو وباهدافها النبيلة بالحرية والكرامة..
ورحل ” المواطن البسيط ” وانتكست الثورة…وماتزال سوريا تحلم بتحقيق حلم ” واحد واحد واحد “الشعب السوري واحد….
وما نزال نحن ابناء الثورة..في انتظار انتصار الثورة السورية العظيمة…في انتظار تأسيس ” دولة العشاق “…
المجد لذكراك رفيقنا المواطن…ياساكن الذكرى..والذاكرة
المصدر: صفحة محمود خزام