تيسير الخطيب
أوان نشر الغسيل الوسخ لا يمضي مع الوقت، وتبقى ضرورته حاضرة وطنيا دائما وليس في صيغة النقد فحسب، الذي فقد فاعليته مع انحطاط وتكلس الحركة الوطنية الفلسطينية برمتها ، بل في فضح وتعرية تلك البنى الفاشلة والمتهافتة أيضا والتي إن صنعت شيئا لشعبنا على امتداد سنوات الكفاح الشعبي والتضحيات البطولية فهو الهزيمة بالمعنى السياسي للكلمة، وذلك مقارنة بالاهداف التي انطلقت من اجلها ثورتنا الفلسطينية. وكذلك مقارنة بالاتفاقات التي وقعتها تلك القيادات مع العدو نفسه، التي لم تكن مؤهلة بحال من الأحوال لإنتاج سلطة وطنية واستقلال حتى لجزء من الشعب على جزء من الارض. وتتأخر عملية نشر عفونة مواقف البعض في ساحتنا الفلسطينية ظناً منّا أن تفجير التناقضات الفلسطينية الداخلية تضر بالمصلحة الوطنية العليا، حتى تلك التي تم تعريفها من قبل سلطة أوسلو لجزء من الشعب على جزء من الارض. فما بالكم بالمصلحة الوطنية العليا حسب تعريفات الميثاق الوطني الفلسطيني.
لست بصدد قراءة شاملة للمصائب التي أتت بها تلك السلطة وتلك القيادة على شعبنا، بل محطات أو ومضات قصيرة من تلك السردية التي لا بد منها يوما ما، وبرغم ان الكثير منها قد نشر سابقاً، ولكن بالمختصر: بعد أن تنكرت قيادة اوسلو للرواية الوطنية الفلسطينية المتمثلة برؤيتنا لتاريخ النكبة، وللظلومية التي وقعت على شعبنا الفلسطيني كله، من جراء إقامة الكيان الصهيوني على الأراضي التي احتلت عام ١٩٤٨ ومن ثم احتلال ماتبقى من الوطن الفلسطيني عام ١٩٦٧. فالسلطة الفلسطينية التى تأسست على وهم الدولة المستقلة أضحت سلطة أمنية تؤدي خدماتها مقابل تامين المال اللازم لبقائها على راس مهامها الأمنية
“التنسيق الامني المقدس” في مواجهة أدنى احتمال لتجديد حيوية حركة وطنيةفلسطينية فاعلة واستكمال العمل على المشروع الوطني الفلسطيني، واستنهاض وتوحيد شعبنا بعد ان انفرط عقده بعد اتفاقات اوسلو المذل.
هذه المقدمة التي كان لا بد منها لقول التالي: لم تكتف تلك السلطة والقوى السياسية العاملة في إطارها بالتسليم بالرواية الصهيونية للصراع والتنكر للرواية الفلسطينة واستخدام جزء مهم من شعبنا تحت الاحتلال لتنفيذ سياستها التي بمجملها لا تؤدي سوى الى نفي جزء من الشعب لمصالح الغالبية العظمى منه على مذبح المنافع الذاتية والانانية لمسؤولي السلطة والمنتفعين منها ومؤسساتها الامنية والادارية. فعندما يعمل في تلك المؤسسات قرابة مائتي ألف من الموظفين الذين يعيلون قرابة المليون شخص، وبحكم المصلحة يصبح هؤلاء هم الحامل لرؤية السلطة ومشروعها التدميري في فلسطين ،فالتشويه والتخريب في الساحةوالوطنية والعبث بأمن شعبنا ومستقبل قضيته هو مهام تحصيل حاصل لتلك السلطة، وهذا التدمير الذي طال المشروع الوطني الفلسطيني، تتبعه تلك السلطة بمهام أخرى ليست اقل خطورة من العبث الداخلي الذي تمارسه كواجب يومي لها، فابتداءً من غزو الكويت الى غزو اكرانيا؛ مرورا بالموقف المعادي لثورات الربيع العربي والاصطفاف الى جانب المستبدين العرب، فوقوفا مع المجرمين والقتلة في ليبيا وسوريا، وصولاً الى الوقوف مع مجرم الحرب بوتين في غزو سوريا وغزو اكرانيا وما بينهما، ناهيك عن الموقف التافه من المطبعين العرب مع العدو الصهيوني. كل ذلك ما هو إلا استكمالاً للإجهاز على القضية الفلسطينية، وخلق مناخات عربية ودولية معادية لنضال شعبنا، ومنع استنهاض أي عمل وطني للفلسطينيين في الداخل أو الخارج لإحياء حركتهم الوطنية، من خلال التشويه المتعمد للنزعة الانسانية والتحرية الاصيلة لشعبنا.
من هنا تأتي المواقف المخزية واللاإنسانية التي تابعناها بالسنوات الماضية والتي يجري تلبيسها للشعب الفلسطيني عن عمد وبقصد تشويهه عربيا ودوليا وضرب مصداقيته امام العالم. بينما تستمر تلك القيادات والسلطة بمواقفها المخزية اتجاه الاعتداءات اليومية للاحتلال على شعبنا وممتلكاته ومقدسات، فتكتفي بكنابة قرارات لا تنفذها وهي لا تساوي قيمة الحبر الذي تكتب به.
إن كل تلك المواقفة المخزية تتحمل مسؤوليتها السلطة الفلسطينية وحدها، والاشخاص الذين يؤيدونها بالواقع ما هم الا أفراداً جهلة وضالين عن قيم الشعب الفلسطيني الاصيلة، ومنتفعين من هذه السلطة أو متاثرين بتشويهاتها.