رندة حيدر
تحوّل رئيس الحكومة الإسرائيلي، نفتالي بينت، خلال سبعة أيام، من زعيم على المستوى الدولي يتوسط بين الرئيسين، الروسي بوتين والأوكراني زيلينسكي، في حرب أوكرانيا، ويجتمع مع قادة عرب كبار في شرم الشيخ، ويلعب أدواراً إقليمية، إلى رئيس حكومة ضعيف في نظر مواطنيه، لم ينجح في كبح موجة الهجمات الدموية التي حصدت 11 قتيلاً في غضون أيام، وزعيم ائتلاف حكومي إشكالي وهشّ، ينظر إليه الإسرائيليون الآن بشك وريبة، خصوصاً لأنه يضم تمثيلاً عربياً من خلال القائمة العربية الموحدة المتماهية مع الحركة الإسلامية، سيما في ضوء الحديث عن وجود شبح تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وراء هجوم الخضيرة.
أهمية الهجمات الثلاث أكبر بكثير من الخسائر التي تسبّبت بها في الأرواح، فهي أصابت مكاناً أخطر وأكثر حساسية، هو الأنا الإسرائيلية المتغطرسة التي تعدّ نفسها محصّنة وقادرة على مواجهة أي خطر، كما نجحت في زعزعة ثقة الناس في قدرة أجهزتها الأمنية على حمايتهم على الطرقات والساحات وفي قلب مدنهم. وربما ليس من قبيل المبالغة القول إن التطورات أخيرا قد تشكل خطراً حقيقياً على الاستقرار الحكومي لدولة إسرائيل التي كانت، حتى وقت قريب، تتبجّح أمام شركائها العرب في “قمة النقب” بقوتها العسكرية واستقرارها الداخلي، وأنها تملك ما يكفي من القوة لردع إيران ومساعدة شركائها في التصدّي للأخطار المشتركة التي تتربّص بالمنطقة في ظل المتغيرات الكبيرة الحاصلة وتغير النظام العالمي القديم.
في غضون أيام، بدت إسرائيل هشّة مضروبة ومصدومة، وبدا الجمهور الإسرائيلي قلقاً خائفاً متسائلاً ماذا يجري في المجتمع العربي؟ وأين كان كل هذا العنف يحتبئ، وهل فعلاً مصدره التطرّف الديني؟ وكيف انفجرت كل المشكلات التي يعانيها أبناء هذا المجتمع جرّاء سنوات من الإهمال والتمييز والإفقار دفعة واحدة في وجههم؟
أثبتت الهجمات كذب (وتضليل) كل الكلام الإسرائيلي عن تهميش القضية الفلسطينية، وعن تراجع الاهتمام العربي والدولي بها، وأظهرت الحقيقة العارية التي لا يريد أحد من المسؤولين الحاليين في إسرائيل الاعتراف بها. لا يمكن أن تصبح إسرائيل دولة عادية، وأن تنضم إلى “نادي” الكبار، وأن تكون عنصراً فاعلاً في أي حلف إقليمي أمني يجري التخطيط له في القمم المختلفة، من دون تسوية سياسية للنزاع مع الفلسطينيين. ولقد تأكد اليوم عقم الفكرة الغبية ولاجدواها، تلك التي يدافع عنها بينت ولبيد، إن الوقت حالياً لا يسمح بطرح عملية سياسية مع الفلسطينيين، وأن الجهود يجب أن توجّه نحو تقديم تسهيلات اقتصادية وتحسين مستوى حياة الفلسطينيين، وأن الاستقرار الاقتصادي يساهم في الاستقرار الأمني.
في ضوء الهجمات الأخيرة، تبدو الآلة الجهنمية الإسرائيلية للتحكّم والسيطرة على حياة الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية أو قطاع غزة عاجزة وضعيفة أمام موجة الهجمات التي تشهدها “المدن الإسرائيلية”. كل العنف المكبوت في صدور الفلسطينيين من حاملي الهوية الإسرائيلية، سواء كان مصدره التشدد الديني أو التطرّف القومي، هو نتيجة مباشرة للعنف اللامحدود الذي مارسته وتمارسه إسرائيل ضد سكان الضفة والقطاع، وهو نتيجة سياسة التمييز والاقصاء التي تُمارس في حق الفلسطينيين في الداخل. الاضطرابات التي شهدتها المدن المختلطة في إسرائيل إبّان عملية “حارس الأسوار” الإسرائيلية ضد قطاع غزة كان يجب أن تكون جرس انذار بأن هناك ناراً تحت الرماد، وأن السنوات الطويلة التي قضاها الفلسطينيون في ظل دولة إسرائيل لم تجعلهم ينسون هويتهم الفلسطينية. وعبثاً، يحاول المسؤولون الأمنيون العثور على خيوطٍ تربط ما حدث في بئر السبع وفي الخضيرة بأطراف جهادية مثل داعش، أو بتنظيمات إسلامية فلسطينية في غزة والضفة، وعبثاً يبحثون عن طرف أو عنوان فلسطيني يحملونه المسؤولية ويدفعونه الثمن.
لكن المفارقة أنه على الرغم من كل ما جرى لا تريد المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تعريض الهدوء الذي يسود قطاع غزة منذ أكثر من عشرة أشهر للخطر، كما لا تريد تحميل المسؤولية للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، خوفاً من انزلاق الوضع وتدهوره إلى مواجهاتٍ شاملة وخطرة.
نفتالي بينت في مأزق، وزعامته السياسية على المحكّ، وهو أمام معضلة إسرائيلية داخلية عميقة ومعقدة، وهي كيفية التعامل مع ظاهرة الهجمات من داخل الجمهور العربي في إسرائيل، وكيف يمكنه مواجهة الخطاب العنصري التحريضي الذي تقوم به جهات يمينية قومية متطرّفة ضد العرب عموماً، وبصورة خاصة ضد حكومته وضد التمثيل العربي فيها. المشكلة المطروحة اليوم متعدّدة الأوجه، وليس الجانب الأمني وحده المهم. هنك أيضاَ الاستقرار السياسي والاجتماعي وكل التوازانات الهشّة التي قامت عليها طوال سنوات السياسات الإسرائيلية عقودا، حيال الجمهور العربي في داخل إسرائيل، والتي تحصد الآن نتائجها عنفاً وعدم استقرار، فهل لدى بينت ولبيد القدرة على مواجهة هذه المشكلة الداخلية، أم أن شطارتهما تقتصر على الوساطات الدولية والصور في القمم والاجتماعات الإقليمية؟
المصدر: العربي الجديد