عمرو حمزاوي
قبل أيام، انضم وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى وزراء خارجية إسرائيل والبحرين والإمارات العربية المتحدة والمغرب ومصر في اجتماع غير مسبوق في النقب. كان الهدف المعلن لقمة النقب هو التباحث حول الأمن الإقليمي والتعاون الاقتصادي وفقا “لروحية” اتفاقات التطبيع المسمى بالاتفاقات الإبراهيمية. غير أن أطراف “قمة النقب” ترجموا الأمن الإقليمي والتعاون الاقتصادي على نحو تفاوت بين التركيز على إيران من جهة، وتناول الدور الروسي في الشرق الأوسط وتداعيات حرب أوكرانيا على الأسعار العالمية للطاقة من جهة أخرى، والإشارة إلى القضية الفلسطينية من جهة ثالثة.وظفت إسرائيل والإمارات والبحرين مشاركتها في اجتماع النقب للتعبير عن الغضب من السياسات الأمريكية تجاه إيران والتنازلات المحتمل تقديمها إلى الجمهورية الإسلامية في مفاوضات الملف النووي. أما المغرب، وعلى الرغم من اهتمامها الأقل بإيران ودورها في الشرق الأوسط، فقد تضامن وزير خارجيتها مع نظرائه من إسرائيل والإمارات والبحرين لجهة انتقاد تراجع الدور الأمريكي في المنطقة ومحدودية الضمانات الأمنية المقدمة من واشنطن للعواصم الشرق أوسطية بعد أن قصف الحوثيون المدعومون من إيران مناطق في السعودية والإمارات دون رد أمريكي واستبعدت الولايات المتحدة من مفاوضات الملف النووي وجهة النظر الإسرائيلية المشككة في جدوى اتفاق جديد مع إيران. وعلى الرغم من أن صانع القرار المصري لا يرى في الضغط على إيران والحد من سياساتها العدائية أولوية استراتيجية، إلا أنه انضم للأطراف الإقليمية الأخرى في الشكوى من التراجع الأمريكي وتثبيت موقفه المحايد من حرب أوكرانيا وعدم رغبته في تهديد علاقاته الواسعة بروسيا بطلب أمريكي. وإذا كان بلينكن قد جاء إلى النقب لكي يحصل على تعهدات شرق أوسطية بالمساعدة في تطبيق العقوبات الغربية على روسيا ومن بينها رفع معدلات إنتاج النفط بغية السيطرة على ارتفاع الأسعار الذي رتبه حصار روسيا، فإنه غادر الاجتماع خالي الوفاض، بل ومحمل بإصرار إسرائيل والدول العربية على سياسة الحياد فيما خص روسيا. أما فلسطين ومسألة استئناف مفاوضات السلام بين السلطة في رام الله والحكومة الإسرائيلية، فلم يشر لها سوى بلينكن ومعه وزير الخارجية المصري سامح شكري. في حين فضلت الأطراف الأخرى تجاهلها، تثبيتا لما تحمله الاتفاقات الإبراهيمية من توجه نحو تطبيع بين إسرائيل والعرب ودمج لإسرائيل في شرق أوسط لا دولة فلسطينية به.
باستثناء مصر، صارت حكومات الدول العربية المشاركة في النقب تريد تطبيعا وتعاونا مع إسرائيل دون حل لصراعها مع فلسطين وشعبها. تنظر أبو ظبي والمنامة والرباط إلى إسرائيل إما كشريك إقليمي يمكن تطوير دوره في الأمن الإقليمي ويمكنه المساعدة على احتواء السياسات الإيرانية والأخطار المرتبطة بها على خلفية التراجع الأمريكي أو كدولة ذات اقتصاد قوى ومتقدم ينبغي على العرب السعي إلى تطوير علاقاتهم الاقتصادية والتجارية معها والتبادل التكنولوجي والاستثماري الذي يربطهم بها أو كالأمرين معا. فمنذ توقيع الاتفاقات الإبراهيمية في 2020، ودولة الإمارات ودولة البحرين، ومن خلفهما السعودية، تعملان على توطيد تعاونهما الاستراتيجي-الأمني مع إسرائيل بجانب الاقتصاد والتجارة. وما أن انتشرت من فيينا حيث يتم التفاوض بشأن الملف النووي الإيراني أحاديث التنازلات الأمريكية المحتملة لإيران (كشطب إدراج الحرس الثوري الإيراني في قائمة التنظيمات الإرهابية الأمريكية)، حتى سارعت الدولتان إلى التعبير عن رفضهما لتهاون واشنطن مع طهران واشتركتا مع إسرائيل في النقب في صياغة مبدأ “عدونا الأول هو إيران” الذي عبر عنه بجلاء شديد وزير الخارجية البحريني عبد اللطيف ابن راشد الزياني ولحق به وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد متحدثا عن ترتيبات أمنية شرق أوسطية ستخيف إيران.
أما المغرب، وهي وقعت لاحقا على الاتفاقات الإبراهيمية، فتضامنت علنيا مع الغضب العربي والإسرائيلي من التهاون الأمريكي مع إيران. إلا أن الحكومة المغربية تظل معنية بالتعاون الثنائي في المجالين الاقتصادي والتجاري مع إسرائيل وراغبة في الحصول على شيء من الدعم الإسرائيلي لموقفها تجاه قضية الصحراء في العاصمة الأمريكية.
في المقابل، يمكن تفسير مشاركة مصر في اجتماع النقب إما بالخوف التقليدي للدبلوماسية المصرية من الإقصاء من دوائر التنسيق الأمني بين الحكومات العربية وإسرائيل أو بالإشارة إلى لقاء شرم الشيخ الذي ضم إلى جانب الرئيس المصري رئيس الوزراء الإسرائيلي وولي العهد الإماراتي وهدف إلى الوصول إلى موقف إقليمي واحد من التداعيات العالمية لحرب أوكرانيا والضغط الأمريكي على الحلفاء في الشرق الأوسط لإدانة الغزو الروسي، وربما كانت مشاركة وزير الخارجية المصري نتيجة للأمرين معا.
أيا ما كانت الدوافع وراء مشاركة الوزير شكري كالمدعو الأخير إلى اجتماع النقب، شاركت مصر لتسجل وجود توافقات إقليمية بشأن ضمانات الأمن إن المتعلقة بالخليج وإسرائيل (مع رفض مصري صريح لتشكيل حلف شرق أوسطي معادي لإيران) أو فيما خص مواجهة التهديدات الواردة على الأمن الغذائي والنمو الاقتصادي ومعدلات التضخم بسبب حرب أوكرانيا. شاركت مصر أيضا لتسجيل رفضها هي لاستبعاد القضية الفلسطينية من المساع التطبيعية في الشرق الأوسط، وتلاقت مع الموقف المصري هنا الدبلوماسية الأردنية عن بعد حيث ذهب الملك عبد الله الثاني للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس في رام الله أيام انعقاد “قمة النقب”!
وماذا عن الولايات المتحدة الأمريكية؟ هدفت إدارة بايدن عبر مشاركة وزير خارجيتها، من جهة، إلى التشديد على تأييدها للاتفاقات الإبراهيمية التي أبرمت بوساطة الإدارة السابقة، إدارة ترامب. أرادت واشنطن، من جهة أخرى، طمأنة الحلفاء الشرق أوسطيين إلى استمرار الالتزامات الأمنية الأمريكية وإلى هامشية التنازلات المقدمة لإيران ورغب في الحصول على مقابل للتعهدات الكلامية الأمريكية باتجاه الحلفاء إلى إدانة روسيا والمساعدة في التخفيف من ارتفاع أسعار الطاقة عالميا بزيادة ضخ النفط الخليجي. غير أن بلينكن فشل في الأمرين، ووجد نفسه محاطا بحلفاء يشككون في الدور الراهن والمستقبلي لبلاده في منطقة الشرق الأوسط ويذكرونه بحديث إدارته المتكرر عن الانسحاب من المنطقة والتوجه نحو آسيا ويعلمونه برفض إدانة روسيا التي تحتاج إسرائيل للتنسيق معها فيما خص الأوضاع السورية وتربط مصر بها علاقات عسكرية واقتصادية وتجارية واسعة وتناور بها الإمارات والبحرين ومن خلفهما السعودية للتعبير عن الغضب تجاه الولايات المتحدة وسياساتها.
٭ كاتب من مصر
المصدر: القدس العربي