ضياء عودة
تشهد أوساط المعارضة السورية في تركيا، الممثلة بـ”الائتلاف الوطني السوري”، منذ أسبوع، انقساما وارتداداتٍ سلبية اعتبرها مراقبون سوريون بأنها “إهانة لهم ولقضيتهم”، وذلك على وقع سلسلة إجراءات فصل وإقصاء تم الإعلان عنها بصورة “مفاجئة”، وتحت عنوان “خطوات الإصلاح”.
ومن خلال هذه الإجراءات، تم استبعاد 4 مكونات من “الائتلاف” هي: حركة العمل الوطني، الكتلة الوطنية المؤسسة، كتلة الحراك الثوري، الحركة الكردية المستقلة، بالإضافة إلى 14 عضوا، من بينهم شخصيات كانت قد انخرطت في المسار السياسي للجسم المعارض، منذ الإعلان الأول عن تأسيسه، قبل سنوات طويلة.
وفي الوقت الذي قال فيه رئيس الائتلاف، سالم المسلط، بمؤتمر صحفي إن ما حصل هو “عملية إصلاح جاءت استجابة لمطالبات الشعب السوري، وضمن أجندة وطنية خالصة”، تحدثت شخصيات تم إقصائها عن “محاولة انقلابية على تيار كان يريد الإصلاح وهو إصلاحي في الأصل”.
وفجّرت هذه المعادلة، خلال الأيام الماضية، اتهامات متبادلة بين الطرفين و”وعيد”، فيما طرحت الكثير من التساؤلات عن الأسباب الأساسية لما حصل، ولماذا الآن؟ وما السر وراء سحب كل طرف لـ”عبارات الإصلاح” من حساب الطرف الآخر؟
وفي مقابل ما سبق، ينظر مراقبون سوريون، بينهم الصحفي السوري ماجد عبد النور والكاتب والناشط السياسي، حسن النيفي للمجريات الحاصلة على أنها “صراع داخلي وفساد خرج إلى العلن”، مستبعدين في حديث لهم لموقع “الحرة” النوايا المعلنة من جانب أي طرف، كون الخلل “يكمن في البنية والهيكلية القائمة”.
“الكل مصلح”
وتأسس “الائتلاف الوطني السوري” في نوفمبر 2012، ويقدم نفسه كمظلة جامعة للمعارضة ضد النظام السوري، معترف بها من قبل المجتمع الدولي، وفي المسارات السياسية بجنيف، التي ترعاها الأمم المتحدة.
لكن هذا “المظلّة”، ومنذ تأسيسها لاقت انتقادات كثيرة من قبل سوريين و”شبهات فساد”، فيما اعتبرها آخرون أنها لم تقدم “خرقا سياسيا ملموسا” من شأنه أن يخدم قضية ملايين السوريين، المناهضين للنظام السوري.
ويجادل مسؤولو “الائتلاف السوري” أن الخطوات التي اتخذوها بالفصل والإقصاء “خطة إصلاحية” هدفها الرئيس “تطوير الأداء وإعادة المكانة في الأوساط الدولية والشعبية”، مؤكدين أنهم يسيرون وفق “النظام الأساسي الجديد”، الذي تم إقراره قبل أيام.
وذلك ما أشار إليه حديث سالم المسلط في مؤتمره، يوم السبت، بقوله: “التعديلات على النظام الأساسي الجديد أفضت إلى الاستبدالات المجمدة لسنوات لمكونات الائتلاف، وفصل الأعضاء والمكونات غير الفاعلة أو التي فقدت مرجعياتها”.
لكن، وعلى الطرف المقابل تحدث أحمد رمضان، العضو المؤسس لـ”الائتلاف” الذي تم إقصاؤه عما وصفها بـ”الفئة المتنفذة ومرتهنة القرار، التي تحاول باستمرار جرَّ المؤسسة نحو الفوضى والترهل وعدم الفاعلية، وتعمل على تعطيل القرار السياسي، كي تبقى متحكمة في المسار العام للائتلاف”.
ويقول رمضان لموقع “الحرة”: “في مقابل ذلك هناك تيار إصلاحي يعمل من داخل الائتلاف، ولكن المصاعب زادت في الأشهر الأخيرة وعملية التعايش باتت غير متاحة”.
لذا، وبحسب ذات المتحدث، وهو أيضا رئيس “حركة العمل الوطني من أجل سورية”، فإنهم “قرروا – وهم مجموعة من الأعضاء الحاليين والسابقين في الائتلاف – الانتقال إلى مخاطبة الجمهور السوري مباشرة، ضمن نطاق المكاشفة والصراحة والمساءلة”.
“بين ائتلافين”
ولم تتوقف الارتدادات السلبية لقرارات الإقصاء على تبادل الاتهامات بين الطرف متخذ القرار والجهة المستهدفة، بل توسعت دائرتها لما هو أبعد من ذلك، ووصلت في إحدى مراحلها للحديث عن “ارتباطات بعض الأطراف بالنظام السوري”.
وإضافة إلى ذلك، بدا المشهد وكأن ممثلي المعارضة انقسموا ضمن “ائتلافين”، وهو الأمر الذي انعكس على البيانات الرسمية الصادرة باسم الائتلاف وشعاره الرسمي، حيث باتت تصدر من قبل الجانبين، برؤى ومواقف متضاربة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال سالم المسلط، خلال المؤتمر الصحفي الذي اطلع موقع “الحرة” على مجرياته، إنه لا يوجد في “الائتلاف” من هو بمنأى عن الإصلاح والاستبدال، بمن فيهم رئيسه.
وبينما ينفي رمضان أن يكون هناك “انقسام”، يقول: “نحن أمام حركة إصلاح داخل المؤسسة منذ فترة، وانتقلت الآن إلى مرحلة المكاشفة أمام الرأي العام”.
ويضيف رمضان: “ستبقى المؤسسة موحدة، ولكن على قواعد عمل جديدة، لا مكان فيها للفساد والمحسوبية وإخفاء المعلومات وهدر المال العام دون مساءلة أو محاسبة، وتورط البعض في ملفات تجارية وتهريب وغير ذلك، دون أن تتم محاسبتهم”.
هل من ضغوط خارجية؟
ومن بين الانتقادات التي واجهها “الائتلاف الوطني السوري” في السنوات الماضية، تلك التي تشير إلى أن “قراره مرتهن للخارج وليس بيده”، بمعنى أنه لا يُقدم على اتخاذ أي قرار أو إجراء دون العودة إلى الدول الفاعلة فيه وبالملف السوري بشكل أساسي.
وذلك ما فتح باب حديث عن أن ما يجري من “خطوات إصلاحية” الآن مردها ضغوط من الخارج، فيما نفى ذلك رئيس “الائتلاف” سالم المسلط، وكذلك الأمر العضو المؤسس السابق، أحمد رمضان.
وذكر المسلط قبل أيام أن “العمل القادم هو على إصلاح العملية السياسية عبر فتح مسارات تفاوضية لكافة بنود القرار الدولي 2254”.
وأضاف أنه “سيتم التركيز على بنود القرار المذكور، والتفكير في تفعيلها، وليس الهروب إلى الأمام عبر طرح متناقض بمضمونه وشكله، مثل طرح المبعوث الأممي جير بيدرسون خطوة مقابل خطوة”.
وفي المقابل اتهم رمضان القائمين على الائتلاف بالإقدام على “سياسة تعطيل”، استهدفت مؤخرا 14 مسودة للرؤية السياسية للجسم المعارض ككل، إضافة إلى الأوارق الخاصة بالدستور.
ويقول: “الفئة المتنفذة عطلت ذلك بذرائع مختلفة، وبقي الائتلاف بدون أوراق معتمدة بشأن الدستور، وهو الطرف الوحيد في هيئة التفاوض الذي ليست لديه رؤية!”.
ماذا يقول السوريون؟
على الطرف الآخر من حالة الاستقطاب الحاصلة، ينظر سوريون بعين “اليأس” لما يحصل، فيما يعتبرون الأخذ والرد والاتهامات المتبادلة وحديث الفساد “دليل إهانة لكل السوريين. المعتقلين. النازحين. المشردين في الخيام”.
الصحفي السوري، ماجد عبد النور، يقول في حديث لموقع “الحرة”: “هو ليس إصلاح لأن القائم بالإصلاح مفسد!. هناك فئة متحكمة بالائتلاف، منذ عشرة سنوات”.
ويتحدث عبد النور عن سيناريوهين قد يكونا الأقرب للحال الذي يعيشه “الائتلاف” في الوقت الحالي، أولها: “صراعات انتصر فيها طرف على آخر وأقصي طرف مهزوم”، بحسب تعبيره.
أما السيناريو الآخر فهو أن “هناك إرادة تركية مع الانفتاح الدولي الحاصل لإزالة بعض الشخصيات من الواجهة، وخصوصا المحسوبين على الإخوان المسلمين”.
ومع ذلك يتابع الصحفي السوري: “برأيي ليس انقلابا أو أنه يتعلق بشخصيات الإخوان. ما حصل لن يؤثر في المستقبل لأن الديكتاتوريين في الائتلاف نفسهم. كيف يمكن لمفسد أن يقوم بعملية إصلاح؟!”.
ويوضح عبد النور أن المؤسسة وجودها “ضروري كونها معترف بها دوليا”، كجهة تمثل المعارضة السورية، مشيرا: “يجب نسف الشخصيات فيها والحفاظ على هيكل المؤسسة ككل. يجب التغيير من عامل البوفيه إلى الرئيس، وأن يتم تصدير وجوه جديدة عبر مؤتمر وطني أو تزكية”.
ومن جانبه يرى الكاتب والناشط السياسي، حسن النيفي، أن ما يجري في الائتلاف “لم يكن لحظة مباغتة أو مسألة طارئة، وإنما نتيجة صيرورة طويلة من الفساد المتراكم والأخطاء إلى أن استفحلت الأمر وعظم الفساد”.
ويقول النيفي لموقع “الحرة”: “بنية الائتلاف أصبحت عقيمة على الإصلاح. هو بحاجة لإصلاح جذري بمعنى إلغاء وإعادة إنتاج”.
وفي الوقت الحالي و”عندما أصروا إلى الترقيع”، بحسب تعبير الكاتب السوري “جروا أنفسهم إلى نتائج غير متوقعة. أعني بذلك الحالات التي تعتبر أقرب إلى الفضائح”.
ويوضح النيفي: “القائمون على الائتلاف تجاهلوا الخطأ البنيوي وأصروا على أن يجروا بعض التعديلات. هذه التعديلات لا تنبثق من إدارة وطنية أو إرادات تريد الخدمة الوطنية، وإنما كرروا المحاصصات مما أدى إلى صراع بين الكتل”.
ويتابع: “جذر المشكلة ليس سياسيا. المبعدون كانوا في مناصبهم منذ 10 سنوات. لماذا احتجوا الآن؟ ما يحصل عبث بالمصلحة السورية وعبث بالقضية السورية. هم بهذه الطريقة يوجهون إهانة للسوريين في الخيام. المشردين. النازحين. المعتقلين. هم يستخفون بقضايا السوريين جميعا”.
المصدر: الحرة. نت