محمد كركص
نشرت صحيفة “ذا غارديان” البريطانية، يوم الأربعاء، تحقيقاً مصوراً يُظهر قيام مجموعة مسلحين تابعة لقوات النظام السوري، في الـ16 من إبريل/ نيسان عام 2013، بإعدام 41 مدنياً ورميهم في حفرة في حي التضامن، جنوب العاصمة السورية دمشق.
قصة الشريط المروع
ووقع الفيديو الرهيب بين يدي أحد المجنّدين عن طريق الصدفة. فبحسب الصحيفة، سلّمت إحدى المليشيات التي تقاتل مع نظام بشار الأسد المجنّد حاسوباً عندما تمّ تعيينه في إحدى الجبهات المشتعلة في ريف دمشق، ففتح الحاسوب وبدأ يتصفّح محتوياته، ليعثر على المشاهد التي “أصابته بالغثيان، فشعر بضرورة تحريرها من جهاز الحاسوب ونشرها في الفضاء العام”، بحسب ما جاء في تقرير “ذا غارديان” الذي أعدّه مارتن شولوف.
وتحكي صحيفة “ذا غارديان” كيف سُرّب الفيديو بداية إلى ناشط معارض في فرنسا، ومنه إلى الباحثين أنصار شحّود وأوغور أوميت أونجور، العاملين في “مركز الهولوكوست والإبادة الجماعية” في جامعة أمستردام، ما شكّل مصدر خوف كبير بالنسبة للمجنّد الذي ينتمي إلى عائلة بارزة موالية للأسد، وكان لا يزال في الداخل السوري في ذلك الحين.
ويروي التحقيق الطويل الذي كتبه مارتن شولوف قصة “هروب” الفيديو من “سورية الأسد” إلى أوروبا، في رحلة محفوفة بالمخاطر، إلى جانب تفاصيل دقيقة عن كيفية التحقيق الذي خاضه الباحثان للوصول إلى هوية مرتكب “المجزرة المريعة”. وكانت أنصار شحّود قد عارضت النظام منذ بداية الثورة، وانتقلت للعيش في بيروت عام 2013 ومنها إلى أمستردام عام 2016 حيث التقت أوميت أونجور.
على مدى عامين، انتحلت شحّود شخصية مزيّفة على صفحة “فيسبوك”، وحاولت الإيقاع بالكثير من المتورّطين بالدم السوري. و”في مارس/ آذار 2021، توصلت أنصار شحّود بهويّتها المستعارة أخيراً إلى معرفة هوية الرجل الذي يرتدي قبعة صيد في الفيديو ويقوم بتنفيذ عملية الإعدام تلك. فأصبح الصياد هو الفريسة”، بحسب الصحيفة.
“تحدثت الشخصية المستعارة إلى ما يصل إلى 200 مسؤول في النظام، بعضهم متورّط بشكل مباشر في جرائم قتل، وآخرون مارسوا التحريض ودافعوا عن محاولات الأسد الوحشية المتزايدة للتشبث بالسلطة”. ثم عثرت عن طريق البحث في صور “الأصدقاء” على الشاب “الصيّاد”، واسمه على “فيسبوك” أمجد يوسف. وبعد حوارات مطوّلة اعترف أمجد بارتكابه عمليات قتل في مرات كثيرة، متذرّعاً برغبته بالانتقام لمقتل أخيه في الحرب السورية. “إنني فخور بذلك”، يقول أمجد نقلاً عن الصحيفة.
أين وقعت مجزرة حي التضامن بالضبط؟
وفي السياق، قال المدير السابق للمجلس المحلي في حي التضامن بريف دمشق عادل قطف، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن “حي التضامن الواقع جنوب دمشق هو جزء من العاصمة، كونه ملاصقا للزهراء الجديدة”، مشيرا إلى أن “جزءا من حي التضامن يُعتبر ريفيا وليس مدينة، وهو تحديدا منطقة السليخة وشارع دعبول، حيث وقعت المجزرة في الـ16 من إبريل/ نيسان عام 2013”.
قطف: هذه المجزرة ليست الأولى في حي نسرين وحي التضامن، وهناك العديد من المجازر التي ارتُكبت في المنطقة نفسها، اكتشفت إحداها في العام 2014 داخل قبو تُسيطر عليه قوات النظام السوري
وأشار قطف إلى أن “مكان المجزرة تم تحديده بشكلٍ دقيق، وهو خلف صالة الحسناء في شارع دعبول مقابل مسجد عثمان ضمن مربع سكني غير مجهز”، موضحاً أن “المعتقلين الذين تم إعدامهم ميدانيا، وبشكل وحشي، من قبل عصابات النظام ليسوا فقط الأشخاص الذين خرجوا من حاجز اليرموك، فهناك أشخاص ممن أعدموا كانوا يقيمون في الأحياء الملاصقة لمسجد عثمان، وهذه العائلات لم يخرج أفرادها إطلاقاً من المنطقة التي كان يسيطر عليها النظام السوري”.
من هم ضحايا مجزرة حي التضامن؟
ولفت إلى أنه “تم اعتقال عدد من الأشخاص وفق معلومات خاصة وصلت إلى المجلس المدني في حي التضامن في الفترة ذاتها التي وقعت فيها المجزرة، بل في اليوم نفسه، وقد جرى إبلاغنا من قبل شخص يعمل لصالح النظام السوري بأنه تم ارتكاب مجزرة خلف صالة الحسناء، وأنه حُفرت حفرة كبيرة ثم أعدم عدد من الأشخاص بطريقة ميدانية، ولكن لم يحدد العدد في تلك الفترة، وقمنا بتوثيق تلك المجزرة في حينه، ولكن حتى الآن لم نستطع التعرف إلى الضحايا”.
وأردف قطف، في حديثه لـ”العربي الجديد”: “كان هناك أشخاص من الذين تم إعدامهم وجوههم مألوفة لسكان التضامن، ولكن ليس كل من تم إعدامهم من أهله، بل يوجد من بينهم من يقطنون أحياء مجاورة”، موضحاً أن “الفيديو الذي نشرته صحيفة “ذا غارديان” لا يظهر وجوه كافة الضحايا”.
أمجد يوسف: قاتل معروف
وأشار مدير المجلس المحلي السابق إلى أن “مرتكب المجزرة أمجد يوسف معروف، وكان مسؤولاً عن حي التضامن، وارتكب العديد من الانتهاكات فيه خلال تلك الفترة، وكان اسمه دائماً يتردد مع بعض العناصر التابعين لمليشيا الدفاع الوطني، كون شارع نسرين هو جزء من حي التضامن الدمشقي الذي كان يتحدر منه بعض عناصر تلك المليشيا التي كان يقودها فادي صقر، المشارك في المجزرة”.
“مجرزة حي التضامن” ليست الأولى
وأكد المتحدث ذاته أن “هذه المجزرة ليست الأولى التي ارتكبت في حي نسرين وحي التضامن، جنوب العاصمة دمشق، فهناك العديد من المجازر التي ارتُكبت في المنطقة نفسها، وفي إحداها تم إلقاء خمس جثث متفسخة بالقرب من صالة الحسناء”.
قطف: حدد مكان المجزرة بشكلٍ دقيق، خلف صالة الحسناء في شارع دعبول مقابل مسجد عثمان ضمن مربع سكني غير مجهز
وقال: “وقعت أيضا مجزرة ميدانية راح ضحيتها 15 شخصاً خلف صالة الحسناء، وأخرى بالقرب من جامع الزبير في حي التضامن، بالإضافة إلى مجزرة تم اكتشافها لاحقاً في عام 2014 داخل قبو كانت تُسيطر عليه قوات النظام في تلك الأثناء”.
ويعتقد مدير المجلس المحلي لحي التضامن أن “جثث الـ41 شخصاً الذين تم إعدامهم بشكلٍ ميداني لا تزال موجودة ضمن الحي، كون قوات النظام دمرت المنطقة بشكلٍ كامل، منها حي السليخة”.
قطف: القتلة سيقتلون لـ”طمس الجريمة”
وشدد المدير السابق للمجلس المحلي في حي التضامن بريف دمشق على أن “كافة الضباط والعناصر الذين شاركوا في المجزرة سوف تتم تصفيتهم من قبل أجهزة النظام الأمنية حتى لا يدلوا بتصريحات عن أشخاص آخرين أو ضباط وقادة مسؤولين عن تلك المجزرة، ومجازر أخرى”.
ويرى قطف أنه “بعد نشر التحقيق حول المجزرة، سوف يعمل النظام على طمس معالم هذه المجزرة”، خاصة أن الفيديو “يوثّق اعترافات المجرم أمجد اليوسف”، منبها إلى أن “هناك العشرات من المجازر التي ارتكبت في تلك المناطق، ولكن من النادر أن تجد فيديو مُسربا يوثق لها وللمجرمين الذين قاموا بارتكابها”.
معلومات عن بعض المتورطين بمجزرة حي التضامن
من جهته، قال الناشط الحقوقي عبد الناصر حوشان، وهو عضو في “هيئة القانونيين السوريين”، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن “المجرمين الذين ارتكبوا المجزرة هم المساعد أول في جيش النظام أمجد يوسف (36 عاما)، ويتحدر من قرية نبع الطيب في منطقة الغاب بريف حماة الغربي، ونجيب الحلبي (38 عاما)، من ميليشيا الدفاع الوطني، ويتحدر من مدينة السويداء، وهو من سكان حي التضامن، وفادي صقر قائد مليشيا الدفاع الوطني في حي التضامن، وصالح الرأس المعروف باسم أبو منتجب، وجمال الخطي، وحكمت إبراهيم المعروف باسم أبو علي حكمت”.
واعتبر حوشان أن “هذه الجريمة النكراء ليست استثناء من سلسلة الجرائم التي ارتكبتها وما زالت ترتكبها عصابات الأسد”، مضيفا أنها “في الحقيقة تنفيذٌ لسياسة ممنهجة تهدف إلى تطهير دمشق من سكانها من السنة، وخاصة في الأحياء التي تتكون من خليط طائفي، وهي أحياء تشرين، والقابون، ومخيم اليرموك، وفلسطين، والحجر الأسود، وحي التضامن، والزاهرة، التي تحيط بعدد من فروع الأمن والوحدات العسكرية”، بحسب تعبيره.
ولفت حوشان إلى أن “مجزرة حي التضامن التي تم الكشف عنها أخيراً على الرغم من أنها ارتكبت منذ ثماني سنوات تقريباً، هي جريمة حرب فظيعة يتحمّل مسؤوليتها رأس النظام السوري بشار الأسد، كونه القائد العام للجيش والقوات المسلحة”، وهو “مسؤول عن تصرفات مرؤوسيه، كما يتحمل مسؤوليتها معه رؤساء الأجهزة الأمنية”.
المصدر: العربي الجديد