رامز الحمصي
منذ مطلع عام 2022، عملت المليشيات الإيرانية في سوريا على زيادة قدراتها العسكرية واللوجستية مستغلة انشغال روسيا بغزوها على أوكرانيا. ومع ذلك، اقتصر وجودها على الجماعات العسكرية الصغيرة وبعض المليشيات المحلية المدعومة من إيران.
ومنذ ذلك الحين، عززت قوات “الحرس الثوري” الإيراني و”حزب الله” اللبناني والفرقة الرابعة بقيادة اللواء ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري، بشار الأسد، من تواجدها العسكري في محيط دمشق، إلا أن الغارات الإسرائيلية التي ازدادت وتيرتها خلال الشهر الفائت، فرضت عليها انسحابا نحو مستودع مهين بريف حمص الشرقي، ثاني أكبر مستودع أسلحة وذخائر في البلاد، ونحو قاعدة “الإمام علي” في ريف دير الزور، ما يطرح تساؤلا حول ما إذا كان هذا الانسحاب كاملا من سوريا أو جزئيا؟
التفاف إيراني داخل سوريا
خلال العامين الماضيين عمل الحاج علي “الإيراني” والحاج مهدي “اللبناني”، على زيادة النفوذ الإيراني في دمشق وريفها وخصوصا قرب مطاري دمشق الدولي والمزة العسكري، إلا أن الإشارات حول تراجع المليشيات الإيرانية الأخير لا يعده مراقبون، أنه استسلام أمام الضربات الجوية الإسرائيلية.
وبحسب الباحث في الشأن الإيراني، وجدان عبد الرحمن، فإن إيران لا تفكر جديا في الانسحاب من سوريا، لا جزئيا ولا بشكل كامل، لأن وجودها في سوريا مشروع استراتيجي للوصول إلى البحر الأبيض المتوسط مرورا من العراق عبر سوريا إلى لبنان، وليس مشروع محدود.
وحول الانسحاب الأخير للمليشيات الإيرانية من بعض المعسكرات في دمشق، قال عبد الرحمن، في حديث لـ”الحل نت”، إن هذا الانسحاب يعود إلى أمرين، الأول هو عدم قدرة طهران في تحمل تكاليف وجود مليشياتها الأجنبية في سوريا (فاطميون، وزينبيون، والحرس الثوري، والمليشيات العراقية)، على كامل الجغرافيا السورية، بسبب الأزمة الاقتصادية التي تمر بها.
أما الأمر الثاني، وفقا لحديث عبد الرحمن، أن انسحاب بعض القوات الروسية من مواقعها بسبب انشغالها بالحرب في أوكرانيا، ولد لدى قيادة المليشيات الإيرانية استغلال المناطق الحدودية الحساسة في سوريا، وخصوصا بين العراق وسوريا، فضلا عن رغبتها في دعم روسيا عبر إرسال عناصر من مليشياتها في سوريا.
تمويه وإعادة تموضع
على ما يبدو، تريد إيران التأكيد على قدرتها على استخدام الخيار العسكري وزيادة حدتها إذا تعرضت لضغوط أكبر في سوريا إذ لا تعلق كثيرا على خسائرها بسبب الضربات الإسرائيلية. هذا بالإضافة إلى تجديد رفضها إدراج موضوع وجودها العسكري في المنطقة ضمن مفاوضاتها النووية مع الولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، لا يعتقد المحلل السياسي، أحمد سعدو، أن الانسحاب الإيراني الجزئي سيفضي إلى انسحابات كلية من الجغرافيا السورية. مضيفا خلال حديثه لـ”الحل نت”، “بل لعل المشروع الإيراني في سوريا يتجذر ويتعمق أكثر فأكثر، ضمن المفاعيل الإقليمية والدولية المحيطة، وخاصة بعد تعثر المفاوضات في فيينا بما يخص النووي الإيراني وتبعاته”.
ويشير سعدو، إلى أنه وإن حصلت اليوم بعض عمليات إعادة الانتشار، فهي تأتي اتقاء للقصف الإسرائيلي المتواصل، وللتمويه عن التواجدات والتموضعات الإيرانية. و”من الممكن أن يكون قد حصل ذلك بأوامر وتوافقات إسرائيلية روسية في محاولة روسيا للخروج من الإحراجات المتكررة نتيجة الاستهدافات المكثفة التي تعرضت لها المليشيات الإيرانية ضمن سورية خلال الأسابيع الأخيرة”.
وفي أتون الانشغال الروسي على لملمة أوضاعها وخسائرها في أوكرانيا، لا إمكانية بنظر سعدو، لموسكو من أن تتلقى خسارات كبرى، وهذه الخسارات ستنعكس بالضرورة على حلفائها وشركائها من سوريين وإيرانيين.
انسحاب ليلي للمليشيات الإيرانية من مواقع سورية
خلال أقل من شهر، استهدفت الطائرات الإسرائيلية حوالي 8 مواقع إيرانية قرب دمشق، آخرها كان “الفوج 100” في منطقة السومرية والذي يعد المسؤول عن تأمين مطار المزة العسكري، في الـ 26 من نيسان/أبريل الفائت، وبسبب ذلك رصد ناشطون انسحابا للمليشيات الإيرانية من عدة مواقع في معظم المناطق السورية.
مصادر في الجيش السوري، كشفت لموقع “عربي بوست”، اليوم السبت، أن “فيلق القدس” الإيراني سحب خلال ليال الأيام الماضية، عددا من الآليات العسكرية وصواريخ متوسطة المدى، بالإضافة إلى عدد يتراوح بين 100 و120 عنصرا إيرانيا من قاعدة الكسوة، ومعسكر “جمرايا” القريب من مركز البحوث العلمية بمحيط العاصمة دمشق.
كما أغلق الفيلق طبقا لحديث المصادر – لم يتسن لـ “الحل نت” التأكد من صحة المعلومات – كلا من معسكري “الحجيرة والعادلية” بريف دمشق، بعد إجلاء عناصره منهما، كما أغلقت المليشيات الإيرانية، قواعدها في كل من “تل أحمر وريف معرية غرب درعا، ومنطقة تل الأحمر الغربي في القنيطرة.
ونقل الموقع، عن جابر الحمصي، وهو ناشط ميداني، قوله إنه “خلال اليومين الماضيين شوهد عبور عدد من الأرتال العسكرية، ترفع أعلاما إيرانية، في محافظة حمص عبر طريق تدمر”، بينما ذكر الناشط الميداني، معتصم الحلبي، أن المليشيات الإيرانية أخلت مواقعها في كل من منطقة السفيرة وجبل عزان جنوب وشرق مدينة حلب شمال سوريا.
ومن الواضح أن المسؤولين الإسرائيليين، يعتقدون أن المواد الكيماوية ستعيد بناء برنامج الأسلحة الكيماوية في سوريا. ولكن هذه المرة تحت إشراف وسلطة طهران، لذلك حدثت المزيد من الضربات. حيث استهدفت غارة في 8 حزيران/يونيو مخازن عسكرية قرب الناصرية، وهي قرية صحراوية شمال دمشق، وموقعين إضافيين بالقرب من حمص. من بين هذين الموقعين، تم وصف أحدهما بأنه المركز المساعد للمختبر العسكري لمركز البحوث العلمية في مصياف.
المصدر: الحل نت