تعمل قيادة “الحرس الثوري” الإيراني في سوريا على استكمال خطوات توسيع نفوذها في البلاد، على خلفية الانشغال الروسي في حرب أوكرانيا الذي كان له أثر كبير في إعادة تعريف العلاقة بين روسيا وإيران في سوريا، ولا سيما في ظل حاجة موسكو إلى لاعب يكون بإمكانه أن يملأ الفراغ الذي قد تخلفه القوات الروسية في بعض المناطق، فضلاً عن رغبة روسيا في توجيه رسالة إلى تل أبيب، مفادها أن تغيير موقفها من الحرب الأوكرانية قد يجد رداً على أكثر من جبهة وصعيد.
وفي هذا السياق، تناقلت مواقع إعلامية سورية معارضة معلومات عن تأسيس ميليشيا جديدة تحت اسم “كتائب الإمام” يشمل نطاق نشاطها المحافظات الجنوبية المتمثلة في درعا والسويداء والقنيطرة التي تقع في محاذاة الحدود مع الأراضي السورية المحتلة من إسرائيل.
وقد جاء تشكيل “كتائب الإمام” بأوامر مباشرة من قيادة الحرس الثوري الإيراني التي أوكلت إلى المستشار الإيراني سليمان العباسي مهمة الإشراف على تشكيلها، على أن يتولى القياديان في “حزب الله” اللبناني زيد حسين الحسن، وصابر الخليل مهمة التشكيل من الناحية العملية.
وبحسب مصادر سورية معارضة، فإن الميليشيا الجديدة تشكلت بدايةً في البادية السورية لتكون بعيدة من الرصد والمراقبة وكذلك من أجل التمويه على الهدف الحقيقي من وراء تشكيلها، حيث خشيت قيادة الحرس أن يؤدي تسريب معلومات حول مهمة الميليشيا الجديدة إلى التسريع باستهدافها من قبل “الطيران المجهول” الذي بات يشكل ضغطاً قوياً على نشاط القوات التابعة لقيادة الحرس.
وتضم “كتائب الإمام” عناصر منتقاة من ريف حمص والرقة ودير الزور كانوا منتسبين سابقاً إلى ميليشيات “حزب الله” و”حركة النجباء” و”عصائب أهل الحق”، وجرى فرزهم للميليشيا الجديدة بعد إخضاعهم لدورة عسكرية مكثفة مدتها 60 يوماً.
ويبلغ راتب العنصر في الميليشيا الجديدة ما يقارب 650 ألف ليرة سورية، بينما يصل راتب القيادي إلى 850 ألفاً، أي ما يعادل مئتي دولار أميركي. ويأتي رفع مستوى الرواتب عن مثيلاتها في الميليشيات الأخرى بهدف استقطاب أبناء درعا والسويداء والقنيطرة إلى صفوفها نتيجة تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية في الجنوب السوري، وفق ما ذكر موقع “وطن أف أم” المعارض.
وأضاف الموقع أنه “سيجري استقطاب الشباب من هذه المحافظات عبر الرواتب المالية من جهة، وعدم إرسالهم إلى جبهات القتال أو التمشيط في البادية من جهة أخرى، ما سيزيد من فرصة تطوعهم في “كتائب الإمام” الحديثة النشأة والمختصة في المنطقة الجنوبية”.
وبالتوازي مع عمليات التأسيس، كانت قيادة الحرس الثوري الإيراني تعمل على تجهيز مراكز في القنيطرة ودرعا والسويداء، بهدف تسليمها إلى الميليشيا فور الانتهاء من تدريباتها وتنظيمها إدارياً ووضع أسس عملها.
وفعلاً، انتقلت عمليات التدريب إلى بادية محافظة السويداء بعد استقدام الحرس الثوري الإيراني و”حزب الله” الأسلحة من مستودعات ريف حمص الشرقي خلال الأيام القليلة الماضية من “مدفعية وراجمات صواريخ متوسطة وقريبة المدى وأسلحة رشاشة مختلفة”، وفق ما ذكر موقع “ثقة” المعارض في تقرير حديث.
وأضاف الموقع أن تعداد الميليشيا الجديدة (كتائب الإمام) يبلغ قرابة 50 إلى 60 عنصراً، إذ يتم اختيار عناصر منهم بعد انتهاء التجهيزات والتدريبات، وتسليمهم مناصب قيادية واستقطاب المزيد من أبناء الجنوب السوري.
وترفع الميليشيا أعلام الجيش السوري بهدف تجنب استهدافها من قبل الطيران الإسرائيلي أو الأميركي، خلال عمليات التدريب.
وتهدف مهمة الميليشيا الجديدة التمركز على حدود منطقة الجولان تحت العلم السوري الرسمي، بالإضافة إلى انتشارهم على طريق دمشق – حمص الاستراتيجي، والذي يعتبر الشريان البري للميليشيات الإيرانية والحرس الثوري الإيراني.
وكان “النهار العربي” قد أكد في تقرير سابق “أن إيران عبر ميليشياتها العديدة لا تزال تؤدي دوراً محورياً في ملف الجنوب السوري، وأن الانشغال الروسي في حرب أوكرانيا، وعدم رضا موسكو عن موقف إسرائيل من هذه الحرب، قد دفعا روسيا إلى غض الطرف عن المساعي التي تبذلها إيران لتعزيز نفوذها في المنطقة المحاذية لإسرائيل”.
وأضاف التقرير أن توسع النفوذ الإيراني في درعا يأتي في ظل تطورات دولية وإقليمية معقدة، ترافقت مع استمرار الحرب الروسية ضد أوكرانيا. ورغم أن التنسيق الروسي – الإسرائيلي في سوريا لم يتأثر حتى الآن بالسجالات السياسية التي أثارتها بعض مواقف تل أبيب الرافضة للغزو الروسي، إلا أنه من الواضح أن بعض مواقف وزارة الخارجية الإسرائيلية التي أدانت العملية الروسية واتهمت موسكو بممارسة جرائم حرب، قد جعلت روسيا تغضّ الطرف عن التطورات التي يحفل بها المشهد الجنوبي، في رسالة تحذير إلى تل أبيب بأن استمرارها في اتباع السياسة نفسها قد يدفع موسكو إلى التنصل من بعض بنود اتفاق “منع التصادم” الذي توصل إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، ونجح رئيس الوزراء الحالي نفتالي بينيت في تجديده.
كما أن التغاضي الروسي عن توسع إيران في درعا، وغض الطرف عن عودتها إلى سياسة التجنيد لمصلحتها، يتناغمان إلى درجة كبيرة مع تفاهمات عديدة بين إيران وروسيا، في الآونة الأخيرة، من أجل إعادة ترتيب المشهد العسكري السوري بما يتناسب مع انشغال موسكو في أوكرانيا وعدم تمكنها من التفرغ لتفاصيل بعض الملفات السورية، ما جعل إيران المرشح الأول لينوب عن موسكو في أداء هذه المهمة.
المصدر: النهار العربي