إبراهيم درويش
قالت إليزابيث تسيركوف الزميلة في مركز “فورم فور ريجونال ثينكينغ” (منبر للتفكير الإقليمي) إن إسرائيل عندما هاجمت جنازة الصحافية شيرين أبو عاقلة يوم الجمعة في القدس كانت تعرف أنها ستفلت من العقاب.
وقالت الكاتبة إن مشاهد العنف في القدس هي عرض عن ثقافة الإفلات من العقاب بين القيادة الإسرائيلية وقوات الشرطة التي تشرف عليها.
وأضافت أن الكثيرين شعروا بالصدمة من صور شرطة حرس الحدود الإسرائيليين وهم يهاجمون جنازة الصحافية الفلسطينية المعروفة شيرين أبو عاقلة، والصدمة ليست بسبب وحشية الشرطة ولكن لأنهم أقدموا على الهجوم وهم يعرفون أنه يضر بسمعة إسرائيل.
وقالت الصحافية إن قتل أبو عاقلة والذي نفذه على أكبر احتمال، قناص إسرائيلي ثم مداهمة الشرطة بيت عائلتها وترهيب شقيقها قبل جنازتها، تشير إلى الحس المتزايد بالإفلات من العقاب بين صناع القرار والجيش في إسرائيل.
وقد وعدت القيادة الإسرائيلية إدارة جو بايدن بأن جنازتها ستحظى بـ”احترام”، وعلى ما يبدو لم يرتح المسؤولون الأمريكيون وهم يشاهدون لقطات الفيديو التي حاولت فيها الشرطة الإسرائيلية تمزيق العلم الفلسطيني الذي لف به كفن أبو عاقلة وضرب حاملي النعش بالهراوات بشكل كاد أن يسقط على الأرض. ومع ذلك لم يواجه البلد وقيادته أي تداعيات دولية للأفعال التي ارتكبها في السنوات الأخيرة بالأراضي المحتلة.
وصف وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، المشهد بكلمات خانعة قال فيها إن الشرطة الإسرائيلية “تدخلت في موكب الجنازة”، وكأن الشرطة كانت “ضيفا جاء بلا دعوة”.
وترى الكاتبة إن إسرائيل تعول على التقاعص الدولي. ولا يبدو أن إسرائيل ستتخذ أية إجراءات لمعاقبة رجال الشرطة أو محاكمة القناص الذي قتل أبو عاقلة، فأي خطوة بهذا الاتجاه ستعرض الحكومة لهجوم من اليمين المتطرف. فعلى مدى عقد من الزمان الذي شهد فيه اختفاء اليسار الإسرائيلي، أصبحت أية تداعيات لفعل تمارسه إسرائيل تأتي من داخل كتلة اليمين المتطرف. ومع زيادة قوة اليمين المتطرف في إسرائيل، والذي تقوى أثناء حكم بنيامين نتنياهو، تحول الساسة في التيار الرئيسي نحو اليمين المتطرف أكثر وأكثر خشية خسارتهم قاعدتهم الانتخابية.
وحاول نتنياهو ورئيس الوزراء الحالي نفتالي بينيت عدم الظهور بمظهر المتشدد مع قوات الأمن الإسرائيلية، مهما كانت جرائمها. ففي عام 2016، عندما قتل الجندي إيلور أزاريا فلسطينيا مقعدا في مدينة الخليل، وسجلت جريمته عبر الكاميرا، شجب نتنياهو الفعل بداية لكنه غير موقفه عندما شاهد نتائج الاستطلاعات ودعا للعفو عن أزاريا. ولم يحكم على الأخير سوى 9 أشهر قضاها في سجن عسكري وتحول بعد الإفراج عنه إلى نجم في أوساط اليمين المتطرف.
ولم يعاقب رجال الشرطة وهم يضربون الصحافيين في القدس أو الجنود الذين احتجزوا مسنا فلسطينيا أمريكيا والذي قيد وكمم ووضعت العصابة على عينيه ثم مات متأثرا بنوبة قلبية بعد وقت قصير. وتقول تسوركوف إن هذه الحالات المعروفة ليست مجرد تصرفات منحرفة، فالبيانات التي جمعتها المنظمة غير الحكومية الإسرائيلية “يش دين” أظهرت أن نسبة الشكاوى التي قدمها الفلسطينيون ضد الجنود الإسرائيليين وقادت إلى محاكمات لم تتجاوز 0.7% فيما تم إغلاق معظم الحالات، 80% بدون تحقيق.
ولا يتوقع الجنود الإسرائيليون المحاكمة على مقتل الصحافية ومهاجمة جنازتها التي شاهدها كل العالم. وتقول الكاتبة إن الشرطة الإسرائيلية حذرت عائلة أبو عاقلة قبل الجنازة من تحولها إلى مناسبة احتجاج، وهي محاولة واضحة لإظهار هيمنة إسرائيل على القدس.
وليست هذه هي المرة الأولى التي يحاول فيها الجيش والشرطة عمل هذا، ففي بداية العام سمحوا للمتطرفين اليهود بدخول الحرم الشريف والصلاة فيه، بشكل انتهك اتفاقا سابقا مع الأوقاف الإسلامية في القدس والأردن. وفي عام 2017، حاولت إسرائيل إظهار قوتها عندما نصبت بوابات إلكترونية على مداخل المسجد الأقصى، وتراجعت عن قرارها وأزالتها بعد عدة أسابيع بسبب الاحتجاجات الواسعة.
وفي أثناء شهر رمضان، منعت الشرطة الفلسطينيين من الجلوس أمام بوابة دمشق، وهي مكان يحظى بالشعبية لتجمع الناس بعد صلاة التراويح، وقامت بعمليات اعتقال جماعية لمن خالف الأوامر. وأرسل الأمن الداخلي في الفترة الأخيرة عددا من الرسائل النصية لمن ارتبط بالأقصى وهددتهم بالانتقام على ما افترض الأمن مشاركتهم في تظاهرات.
وتقول الكاتبة إن محاولة إسرائيل إزالة كل الأعلام الفلسطينية التي رفعت أثناء جنازة أبو عاقلة، هي آخر محاولة لها لمحو أي أثر للهوية الفلسطينية في القدس.
وفي عام 2018 خصصت الحكومة الإسرائيلية ملياري شيكل إسرائيلي (480 مليون جنيه استرليني) لـ”زيادة السيادة الإسرائيلية في القدس الشرقية”. وركزت جهودها على النظام التعليمي ودفع المدارس للتوقف عن تدريب المناهج الدراسية الأردنية وتبني المناهج الإسرائيلية. وأجبرت السلطات الإسرائيلية المدارس القليلة في المدينة والتي تدرس المناهج الفلسطينية على حذف المواد المتعلقة بالتاريخ الفلسطيني.
وفي بداية هذا العام اعتقلت الشرطة طلابا فلسطينيين في الجامعة العبرية في القدس لأنهم غنوا أغاني وطنية فلسطينية.
وتقول تسيركوف إن قتل الصحافية أبو عاقلة ومعاملة المعزين والمشاركين في جنازتهم بوحشية أضر بسمعة إسرائيل، ولكن بدون شجب دولي يؤدي إلى تغيير سياسي ملموس، فلن تجد القيادة الإسرائيلية أي سبب لوقف انتهاكات أخرى في المستقبل. فالقادة الإسرائيليون منشغلون بترضية اليمين المتطرف الذي يطالب بدعم واضح وقوي للقوات الأمنية الإسرائيلية. وطالما ظل حلفاء إسرائيل يتسامحون مع هذه الانتهاكات، فثقافة الإفلات من العقاب ستظل القاعدة وليس استثناء.
المصدر: “القدس العربي”