وائل عصام
اتهم حقوقيون سوريون الولايات المتحدة بالتضليل والتنصل من مسؤوليتها عن مقتل عشرات المدنيين في مخيم بلدة الباغوز شرق دير الزور، في العام 2019، وذلك في أثناء المعارك التي شهدتها البلدة التي كانت تعتبر آخر معقل لتنظيم الدولة في سوريا.
يأتي ذلك رداً على اعتبار الولايات المتحدة أمس أن الغارة الجوية التي نفذتها على الباغوز «ليست انتهاكاً لقانون الحروب»، وذلك في تحقيق أشرف عليه قائد القوات البرية الأمريكية، الجنرال مايكل جاريت، حول الخسائر في صفوف المدنيين جراء القصف الجوي الذي نفذته الولايات المتحدة خلال دعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
وادعى المسؤول العسكري في التقرير، أن «الهجوم تم تنفذيه بما يتماشى مع قواعد الاشتباك»، وأنه لم يتم التوصل إلى وجود انتهاك لقانون الحروب. وقال متحدث البنتاغون جون كيربي: «على الأقل نخرج أمامكم هنا ونتحدث عن الخسائر في صفوف المدنيين، لا يمكنكم سماع ذلك من وزارة الدفاع الروسية»، مضيفاً: «لا نسعى لشرعنة شيء عبر المقارنة مع روسيا، حول جدوى الحديث عن خسائر المدنيين دون محاسبة المسؤولين، وفيما إذا كانت المقارنة مع ما ترتكبه روسيا في أوكرانيا محاولة لشرعنة مقتل عشرات المدنيين بينهم نساء وأطفال على يد الولايات المتحدة». وأضاف كيربي أن التقرير خلص إلى «عدم وجود انتهاك لقانون الحروب، وأنه ما من داع لتحميل مسؤولية ما حدث على شخص ما بصورة فردية».
وفي حديثه لـ«القدس العربي» قال المحامي المختص بالقانون الدولي، أحمد الموسى، إن مزاعم الولايات المتحدة عن أن الغارة الجوية التي نفذتها مقاتلاتها والتي أودت بحياة عشرات الأطفال والنساء لا تشكل انتهاكاً لقانون الحروب، لا يعني انتفاء مسؤوليتها عن «جريمة الحرب» وفق توصيف القانون الدولي.
لكن الموسى، أكد بالمقابل أنه لا يمكن محاسبة الولايات المتحدة على هذه الجريمة في المحكمة الدولية المختصة، أي محكمة الجنايات الدولية، مرجعاً ذلك إلى عدم عضوية أمريكا في المحكمة، وكذلك النظام السوري، حيث ارتكبت الجريمة على أرض سورية. وأضاف المحامي، أنه يمكن محاسبة الولايات المتحدة على هذه الجريمة فقط عن طريق قرار من مجلس الأمن، مستدركاً: «لكن هذه الخطوة مستحيلة». وبذلك، ما من سبيل للمحاسبة على هذه الجريمة، إلا عبر رفع دعاوى من ذوي الضحايا أمام المحاكم الوطنية الأمريكية، لمحاكمة المتسبب بإعطاء الأوامر لتنفيذ الجريمة، وفق الموسى. أما عضو «هيئة القانونيين السوريين» المحامي عبد الناصر حوشان، يدرج محاولات التنصل أمريكياً من الجريمة، في خانة التهرب من التبعات القانونية.
ويوضح خلال حديثه لـ«القدس العربي»، أنه استناداً الى «المادة 39» من ميثاق الأمم المتحدة فإن مجلس الأمن هو الهيئة الوحيدة المختصة بتحديد وجود أي تهديد للسلام أو إخلال بالسلم أو أعمال العدوان. ويتابع حوشان بالإشارة إلى القرار «رقم 3314» الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي يعتبر قيام القوات المسلحة لدولة ما بغزو إقليم دولة أخرى أو الهجوم عليه بأنه «عدوان». ويقول حوشان إن القواعد المطبقة في النزاعات المسلحة الدولية هي اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والبروتوكول الإضافي الأول وكذلك قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي.
ويكمل الحقوقي بالإشارة إلى أن اللوائح المنظمة لهذه النزاعات ما زالت هي الأكثر تفصيلاً، ويقول: «تنشئ القيود على أساليب ووسائل الحرب وتفرض التزامات على أطراف النزاع من حيث إغاثة وحماية السكان المدنيين والأشخاص العاجزين عن مواصلة القتال، وهي تنظم حقوق المنظمات الإنسانية والعقاب على جرائم الحرب».
وتأسيساً على ما سبق، يقول حوشان: «نجد أن التدخل العسكري في سوريا لا يستند إلى مستند قانوني دولي، لعدم وجود تفويض من مجلس الأمن، وهو ما ينطبق على «الحرب على الإرهاب» التي ابتدعها الأمريكان بعد أحداث أيلول/سبتمبر 2001، وطالما أن الولايات تبتعِد عن أي تصريح أو فعل ضد النظام السوري فهي ليست طرفاً في هذا النزاع ويبقى وجودها دون شرعية، وبالتالي هي مسؤولة مباشرة عن تصرفات جنودها والمليشيات المدعومة منها».
ويكمل بقوله: «حتى لو اعتبرنا أن المستهدفين في بلدة الباغوز من المحاربين فالحماية القانونية المنصوص عنها في اتفاقيات جنيف الأربع وبروتوكولاتها تشملهم من حيث عدم استخدام القوة المُفرطة أو تشمل المدنيين من سكان البلدة، وحيث أن القصف العشوائي و استهداف المدنيين الامنين المحمييّن بالقانون الدولي يعد من الانتهاكات الصريحة لاتفاقية لاهاي لعام 1907 واتفاقيات جنيف الأربع و البروتوكولات الملحقة ولقرارات مجلس الأمن الدولي بشأن حماية المدنيين، التي لا تجيز للدول إعفاء نفسها أو التنصل من أي مسؤولية ارتكبت من جانب سلطاتها أو مواطنيها أو باسمها».
وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2021، ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية في تقرير أن القوات الجوية الأمريكية نفذت غارة يوم 18 آذار/مارس 2019 على مخيم يضم عوائل مقاتلي تنظيم «الدولة» في بلدة «الباغوز» بمحافظة دير الزور، أدت إلى مصرع قرابة 70 مدنياً بينهم نساء وأطفال.
المصدر: «القدس العربي»