منير الربيع
من تداعيات تجميد الاتفاق النووي أنه سيزداد الضغط على النظام السوري أكثر فأكثر، في الاجتماع الأخير الذي عُقد في المغرب للدولة المنخرطة في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، اتُخذت قرارات تتعلق بالسماح للإدارة الأميركية بالتعامل مع الأكراد في سوريا، وتم تخصيص دعم مالي لهم وفتح تلك المناطق أمام الاستثمارات الأميركية، بالإضافة إلى اتفاق أميركي-تركي حول بيع طائرات “إف 16” إلى تركيا وصواريخ متطورة.
ذهب بشار الأسد إلى إيران للمطالبة بالحصول على دعم مالي وسياسي إلى جانب المزيد من الدعم العسكري، وتأتي زيارته بعد انسحاب وحدات روسية مقاتلة من سوريا، لن تكون قادرة إيران على سدّ الفراغ الذي سينتج عن الانشغال الروسي في أوكرانيا، بينما أغلق مسار الانفتاح في العلاقات على النظام السوري، وخصوصاً على الصعيدين العربي والخليجي، ما يعني أن كل الكلام حول عودة سوريا إلى الجامعة العربية قد توقف.
التقارب الخليجي التركي، والخلاف الروسي الأميركي، والجمود في مفاوضات الاتفاق النووي بين إيران وأميركا، كلها ستنعكس سلباً على وضع النظام السوري، حتى العلاقة مع الأردن ساءت بسبب ارتفاع نسبة تهريب الكبتاغون والمخدرات.
وبالتالي يجد النظام السوري نفسه محاصراً من كل جوانبه، العلاقة سيئة مع الأردن، لبنان يعيش أزمة سياسية واقتصادية ومالية، والعراق غير قادر على تقديم أي دعم أو مساعدة لدمشق، أما العلاقة مع تركيا فحدّث ولا حرج، يأتي ذلك وسط انعدام وجود أي مقومات لقناعة كانت راسخة سابقاً لدى الإسرائيليين بأن بقاء النظام السوري يوفر جزءاً أساسياً من استقرار إسرائيل وأمنها.
وبالتالي فإن الموقف الإسرائيلي الذي عبر عنه وزير الدفاع الإسرائيلي بني غانتس قبل أسبوعين من واشنطن والذي قال فيه إنه يريد الاستقرار في سوريا، ثمة من يعارضه خصوصاً أن معظم الجو الإسرائيلي يقول إنه لا يمكن لتل أبيب إلا أن تكون مع الغرب في ضوء الحرب الروسية الأوكرانية، وهنا سيخسر النظام السوري غطاءً أساسياً، في ظل تقدم وجهة نظر تفيد بأن الحرب مع روسيا في أوكرانيا لن تقتصر على روسيا بل ستطول حلفاءها أيضاً.
وسط كل هذه التطورات من المؤكد أن كل محاولات تعويم النظام السوري قد انتهت، وهذا سيدفع بالنظام إلى البحث عن كيفية التعويض عما يخسره من خلال الرهان على الدور الإيراني ودور حزب الله في سوريا ولبنان. ولكن أيضاً الدعم الإيراني وحده لا يمكن أن يكون كافياً، وهذا كلّه يعيد سوريا إلى واجهة الأحداث والاهتمامات، خاصة أنه في المعايير الدولية فإن أي ضربة للنظام السوري ستكون ضربة موجهة إلى روسيا، وهذه كلها نقاط بدأت بالظهور تباعاً.
وهذا يضع رئيس النظام السوري أمام خيار من اثنين: إما البقاء في وضعيته الحالية، أو الذهاب إلى اتخاذ خطوة مشابهة اتخذها والده سابقاً بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، حيث استدار حافظ الأسد واتجه إلى الولايات المتحدة الأميركية، وشارك في حرب الخليج للحصول على ضمانة أميركية بالحفاظ على النظام.
ربما حاول “الأسد” أن يتخذ نفس الخطوات ولكنه لم يتمكن من الاستمرار في تنفيذها، خصوصاً أنه بعد زيارته إلى دولة الإمارات والتي فتحت طريقاً جديداً لمساره السياسي، تعثّرت في منتصف الطريق، خاصة أن الأمر لا يمكن أن ينفصل عن المعيار الإسرائيلي. ولكن بذهاب “الأسد” إلى إيران يطرح سؤالاً أساسياً، هل هو الذي طلب الموعد أم أنه قد استُدعي إلى هناك لمنعه من استكمال أي مسار جديد اختاره لنفسه؟.
بكل الأحوال فإن النتيجة واحدة، وهي أن إيران قادرة على منع الأسد من تكرار ما قام به والده، وكانت إيران قد استبقت ذلك من خلال إشاعة خبر صباح يوم عيد الفطر بأن الأسد تعرض لمحاولة اغتيال، مثل هذه الأخبار تعني حتماً توجيه رسائل واضحة على الأسد أن يلتقطها وقد التقطها وغادر بموجبها إلى إيران.
وبالتالي فإن زيارة “الأسد” إلى إيران كانت في توقيت دقيق، وبالتزامن مع مساع دولية لإعادة فتح مسار التفاوض الأميركي الإيراني حول النووي، في حين يدور همس أن “الأسد” بحث مع الإيرانيين إمكانية التغيير في مساره السياسي مع دول عربية وإقليمية، وكأنه حاول الإيحاء بأنه يحتاج إلى إعادة فتح مسار التفاوض غير المباشر مع إسرائيل لأن هذا الطريق وحده هو الذي يمكّنه من تخفيف حجم الضغوط التي يتعرض لها، بينما ما يزال إلى جانب إيران يراهنان على إعادة إحياء مسار النووي وتوقيع الاتفاق لعدم دفع الثمن.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا