أمين العاصي
كشف موقع “زمان الوصل” السوري المعارض أن ضابطاً برتبة لواء في قوات النظام السوري، متهم بارتكاب مجازر، يتجوّل بشكل علني، منذ سنة على الأقل، بين عدة بلدان أوروبية، مما يمهد لمحاكمته في محاكم أوروبية على غرار ما حدث مع ضابط سابق في أجهزة النظام الأمنية.
ونشر الموقع، الإثنين، صوراً للواء “شوكت صالح العلي” نائب قائد القوى البحرية السابق، مع أفراد عائلته وأصدقاء له في دول أوروبية، مؤكداً أن العلي يقيم بين هولندا وألمانيا، وزار سويسرا عدة مرات.
والعلي (مواليد 1953) غير مدرج في العديد من قوائم الضباط في قوات النظام والأجهزة الأمنية الذين فُرضت عليهم عقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، غير أن الموقع المعارض يؤكد ان العلي متهم بارتكاب مجزرة بحق أكثر من 50 مدنيا في منتصف عام 2011 في حي الرمل في اللاذقية على الساحل السوري.
أسلحة سوفييتية ومجزرة في الرمل الجنوبي
وبحسب الموقع إن للضابط المذكور دورا بارزا في تحويل الألغام البحرية التي تعود لعهد الإتحاد السوفيتي، المخزنة لدى النظام، إلى سلاح فتاك، يرمى من الطائرات العامودية كما البراميل المتفجرة، لكنه أكثر فتكاً.
وكان العميد المنشق عن قوات النظام، أحمد رحال، الذي خدم في البحرية السورية لأكثر من عقدين، قد أوضح العام 2015، خلال حديث مع “العربي الجديد”، أن “النظام زجّ بقواته البحرية أول مرة خلال الثورة أثناء حصار وقصف مخيم الرمل (الفلسطيني) بمدينة اللاذقية”. وأشار في حينه إلى أن الألغام البحرية “ذات قدرة تدميرية عالية جداً” لأنها مُعدة بالأساس لـ”تدمير السفن العسكرية المصفحة”.
ووفق موقع “زمان الوصل” التحق شوكت صالح العلي بسلك البحرية أوائل سبعينات القرن الماضي، بالتزامن مع استيلاء حافظ الأسد على السلطة، وتدرج في المناصب حيث عين رئيسا لفرع التدريب في قيادة القوى البحرية ثم رفع إلى رتبة لواء، وعين مديراً للكلية البحرية ثم نائباً لقائد القوى البحرية وأحيل إلى التقاعد نهاية عام 2013.
وأوضح رئيس تحرير الموقع، الزميل فتحي بيوض، في حديث مع “العربي الجديد”، أن المعلومات عن وجود اللواء شوكت العلي في أوروبا “جاءت للموقع من مصدر من الداخل السوري قبل أكثر من شهر”. وأن إدارة التحرير زوّدت المركز السوري للإعلام وحرية التعبير بـ”الأدلة والشهود قبل النشر”، مشيراً إلى أن العلي يتخذ من ألمانيا مقراً له “غير أنه كثير التردد على سويسرا وهو ما يثير تساؤلات عن أسباب وجوده في أوروبا”.
وبيّن بيوض أن العلي موجود في أوروبا منذ أكثر من سنة، مشيراً إلى أن لديه ولدين يعيشان في هولندا وبنتاً تسكن في جنوب غرب المانيا.
وتابع بقوله، إن مصادر مطلعة من الداخل السوري أكدت أن العلي يملك أراضي وعقارات في الساحل ومنطقة تلكلخ في ريف حمص تقدر بنحو 5 ملايين دولار، وهو ما يطرح أسئلة عن ذهابه وعائلته (وصلت قبله بثلاث سنوات) إلى أوروبا.
واستدرك بيوض، أن العلي شكل في بداية الثورة لجاناً شعبية تضم شبيحة النظام في منطقة تلكلخ كانت وراء الكثير من عمليات القتل والخطف وتغييب مدنيين.
مدير مشروع التقاضي الاستراتيجي في المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، المحامي طارق حوكان، قال لـ”العربي الجديد”، إن المركز “بدأ فور تلقيه خبر وجود الضابط البحري اللواء شوكت صالح العلي على الأراضي الأوروبية بتجهيز ملف مستعجل عن الانتهاكات التي تنسب للمذكور إبان شغله لمنصب نائب قائد القوى البحرية في الفترة 2011-2013”. وكشف أن “الملف سُلّم الثلاثاء إلى مكتب جرائم الحرب الهولندي وتلقينا إشعاراً باستلامه”.
وأشار حوكان إلى أنه “تضمن مجموعة من شهادات الشهود والضحايا والضباط المنشقين عن سلاح البحرية”، مبيناً أن “مجمل الشهادات أكدت مسؤولية الضابط المذكور بحكم موقعه في القيادة العامة للقوى البحرية عن مجموعة من الانتهاكات التي ارتكبتها هذه القوات في مدينة اللاذقية وخاصة في حي الرمل الجنوبي”.
وأوضح أن الحي “تعرض للحصار والقصف العشوائي من الزوارق الحربية (…) ذهب ضحيته العشرات من المدنيين العزل ابتداء من الشهر السادس وحتى اقتحام الحي الذي شاركت فيه القوى البحرية مع وحدات أخرى من الجيش وأجهزة الأمن السورية في منتصف الشهر الثامن من عام 2011”.
وتابع “الشهادات تضمنت توثيقاً لمجموعة كبيرة من الانتهاكات كالاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب التي كانت جرت على الحواجز التي أقامتها وحدات من القوى البحرية في عموم مدينة اللاذقية”، وأن الملف تضمن تحليلاً للدور الرئيسي للمشتبه به في إصدار الأوامر القتالية، ودُعم بالوثوقيات المتوفرة على قاعدة بيانات مشروع مركز توثيق الانتهاكات عن الضحايا الذين سقطوا نتيجة لانتهاكات ارتكبها هذا الضابط.
الإعداد للمحاكمة
ودعا حوكان وسائل الإعلام إلى “عدم التعامل مع القضايا المشابهة على أنها مجرد سبق صحافي، ما يمنح المشتبه بهم فرصة للهرب من خلال النشر غير المسؤول دون الأخذ بعين الاعتبار ما لملاحقة مرتكبي الجرائم الجسيمة بحق السوريين من أهمية وأولوية”.
ونبّه مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، في حديث مع “العربي الجديد”، أن على المنظمات المتخصصة “جمع أدلة تدين هذا الضابط ومن ثم يتم تقديم الأدلة للسلطات المختصة للقبض عليه ليتحرك الادعاء العام ضده”.
وأضاف أنه يجب ان يكون لدينا أدلة تثبت تورطه في ارتكاب جرائم حرب، وهذا ما سنقوم به في الفترة القادمة.
أما نقيب المحامين السوريين الأحرار، غزوان قرنفل، فقال لـ”العربي الجديد”، إن تقديم شوكت صالح العلي للمحاكمة “يتطلب قيام شخص أو أشخاص أو منظمة حقوقية تمثل ضحايا بدعوى أمام القضاء الذي لديه ولاية عالمية للمحاكمة عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية”.
وبيّن أنه “يجب أن يكون لدى المدعين ملف يتضمن قرائن قوية وأدلة وافية وشهوداً على ارتكاب المتهم لجرائم محددة مصنفة كجرائم حرب أو تعذيب أو جرائم ضد الإنسانية حتى يتخذ المدعي العام بهذه المحكمة إجراءات لمباشرة الدعوى وربما إصدار مذكرة توقيف دولية إن توفرت شروطها بحق المتهم”.
محاكمات سابقة
وكانت المحكمة الإقليمية العليا في كوبلنز التابعة لولاية راين لاند فالس الألمانية، قضت مطلع العام الجاري بالسجن مدى الحياة على الضابط السوري أنور رسلان لإدانته بارتكاب جرائم تعذيب وقتل بحق معتقلين سوريين.
وقضت المحكمة بإدانة ضابط صف كان يعمل في ذات الفرع، وهو إياد غريب، بتهم المساعدة والتحريض على التعذيب، والحرمان الشديد من الحرية كجرائم ضد الإنسانية وحكمت عليه بالسجن لمدة 4 سنوات و6 أشهر.
وبدأت مطلع العام الجاري في فرانكفورت بألمانيا محاكمة الطبيب علاء موسى في 18 حالة تعذيب معارضين للنظام السوري وبتهمة قتل معتقل بحقنة، ويواجه احتمال الحكم عليه بالسجن مدى الحياة. ويشتبه في أن الطبيب قام بممارسات في سجن تابع لأجهزة الأمن التابعة للنظام بين أبريل/نيسان 2011 ونهاية 2012 في مدينة حمص وسط سورية.
وكانت السلطات الفرنسية أوقفت قيادياً سابقاً في فصيل “جيش الإسلام” المعارض وهو مجدي نعمة المعروف بـ “إسلام علوش” أثناء زيارة كان يقوم بها الى فرنسا بداية عام 2020.
المصدر: العربي الجديد