طارق علي
آلاف الأطباء السوريين حطوا رحالهم في ألمانيا بعد نشوب الحرب في سوريا، وجد هؤلاء طريقهم إلى البلد الأوروبي بوسائل متعددة، أبرزها ما يتماشى مع حكاية الهجرة السورية، رحلة القوارب القاتلة.
مركز الهجرة والاندماج الألماني قال في تقريره السنوي الأخير إنّ الأطباء السوريين هم أقوى مجموعة طبية بين حاملي الجنسيات الأجنبية على الأراضي الألمانية، بمجموع يقارب خمسة آلاف طبيب، وبزيادة بلغت ستة أضعاف قياساً إلى تعدادهم في ألمانيا قبل الحرب في بلادهم قبل 2011.
ميزر موصللي طبيب سوري يعمل في ألمانيا، علق على تقرير مركز الهجرة، واصفاً إياه بالمنصف: “هذا أقل حقوقنا، السوريون خلايا نحل، والأمر ليس فقط في إطار المفخرة، ولكن حقاً نحن كسوريين نحقق نجاحات طبية لافتة ومشرقة وتعكس صورة حضارية عن بلدنا، وكثيراً ما يستغرب الألمان هنا أننا خريجو ذلك البلد الذي مزقته الحرب في الشرق الأوسط، والذي بحسب ما سمعناه كثيراً أنهم لم يكونوا يتخيلون أن نكون بهذه البراعة”.
موصللي يعتقد أن أكثر ما خدمهم، بالإضافة إلى علمهم ومعرفتهم، هو قدرتهم على التأقلم والاندماج بعيداً من السياسة والتعصب، “لا وقت لديّ ولدى الكثير من زملائي للسياسة، نحن هربنا من الحرب وكفى، ومع ذلك تظل سوريا في القلب، ونأمل أن تعود يوماً كما كانت جميلة ومشرقة ومعطاءة لا يفكر أحد بمغادرتها”.
ضخ الدم المهاجر
“ألمانيا بلد يقوم على المهاجرين وخبراتهم وإمكاناتهم، لذا رحب بنا وأعطانا امتيازات بقدر ما قدمنا له من علمنا وعملنا، وأعتقد أن النظام الصحي هنا متهالك أساساً، لذا لا بد من ضخ الدم المهاجر فيه لتدعيمه وإبقائه حياً، وهو ما يفسر إعجاب المجتمع الألماني بعملنا، وكذلك مسؤولي الرعاية والقطاع الصحي الذين يوجهون الكثير من الثناءات والشكر لعملنا”، تقول الطبيبة ميرنا بيدقار لـ”النهار العربي”، وتضيف: “هي عملية تبادلية ولكن في إطار إنساني خالص ومفعم بالروح الإيجابية”.
التقرير السنوي قال إنّ واحداً من كل ستة موظفين (16.5%) في مهنة الصحة والرعاية من أصول مهاجرة.
وفي ظل هذه النسبة، يبدو جلياً أن دولة كألمانيا ستعتمد في المستقبل القريب أكثر على الخبرات المهاجرة، وبينها بطبيعة الحال تلك القادمة من دول الشرق الأوسط، من دوله الفتية، نحو دولة باتت تشيخ وتفقد مواردها البشرية التي بات يرممها هؤلاء المهاجرون الذين يبلغ إجمالي عددهم كأطباء نحو 15% من العدد الكلي للأطباء الألمان، وهو عدد كبير للغاية.
تعتقد الطبيبة مها حمود، بدورها، أن السوري لديه قدرة سريعة على الاندماج الاجتماعي والمهني، وهو ما سهّل له العمل في ألمانيا، “نحن اليوم ركيزة في النظام الصحي وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها، لا سيما أننا أسهمنا في سد النقص الحاصل في القطاع الطبي الذي اعتمد علينا كثيراً”.
الإجراءات
وحول الإجراءات التي يمر بها الطبيب الأجنبي قبل الاعتماد في ألمانيا، يقول الطبيب معاذ جيرود الذي وصل عام 2014 إلى ألمانيا لـ”النهار العربي”: “البداية من إجراءات اللجوء، وأعتقد أنها صارت معروفة، ومن ثم الإقامة، واجتياز امتحان اللغة المؤهل لممارسة التواصل، ومن ثم امتحانات في الطب التخصصي من ناحية اللغة أيضاً، وبالتزامن تقديم الشهادة العلمية التي أتيت بها معي من سوريا، وأخيراً تقديم طلب في الرعاية الصحية التي تتبع لها المنطقة التي سأعمل بها”.
تفيد الطبيبة سونا جنورة الواصلة إلى ألمانيا عام 2018، أنّ الإجراءات التي شرحها الطبيب معاذ جيرود ما زالت هي ذاتها، لكنها أخذت تتعقد أكثر مع الوقت، لا سيما في عام وصولها، إذ صارت امتحانات اللغة والمعادلة معقدة أكثر، تضيف: “تتم دراسة ملف طلب الطبيب، مرفقاً بأوراق ثبوتية من الجامعة الأم، بينها كشف علامات سنين، وشهادات خبرة أو ممارسة إن وجدت، والأكثر تعقيداً أنّه أحياناً صار يطلب أوراقاً ثبوتية للطبيب من سوريا يحتاج استصدارها وجوده شخصياً”.
في الأرقام
ووفقاً للإحصائية التي أجرتها الرعاية الألمانية، جاءت سوريا في المركز الأول كمصدرة أكبر عدد من الأطباء الأجانب العاملين في ألمانيا، بعدد تجاوز 5200 طبيبة وطبيب، وهذا العدد لا يشمل حاملي الجنسية الألمانية، ومن ثم رومانيا 4916، تليها اليونان 3123.
أما عربياً، فقد حلّت مصر في المركز الثاني بـ1698 طبيباً وطبيبة، 909 من ليبيا،897 من الأردن، 688 من تونس، 619 من العراق، 463 من فلسطين، 440 من السعودية، 355 من المغرب، 307 من لبنان، 261 من اليمن، و50 طبيباً وطبيبة من السودان.
الراتب في سوريا يعادل غالون بنزين
هكذا، شيئاً فشيئاً تفقد سوريا مواردها وعماد قوتها وذراعها وفتوتها لمصلحة بلدان المهجر، ومن المعروف أنّ أمتن وأفضل أنواع الاستثمار تكون بالبشر.
ففي وقت تعتبر سوريا مهددة بفقدان اختصاص أطباء التخدير والأطباء الشرعيين، ثمة في ألمانيا وحدها أكثر من خمسة آلاف طبيب، يعاينون من حيث هم بلدهم الذي مزّقته الحرب، ورغم ذلك ما زال قادراً على تخريج الأطباء والمهندسين والحقوقيين وغيرهم، إلا أنّه عاجز عن توظيفهم في السوق المحلية، فأفضل ما تقدمه الحكومة للموظف هو راتب لا يتجاوز 25 دولاراً أميركياً شهرياً، أو بعبارة أخرى، تقدم له راتباً يعادل ثمن غالون بنزين واحد.
يذكر أن عدد السوريين في ألمانيا وصل إلى نحو 868 ألفاً مع نهاية عام 2021.
المصدر: النهار العربي