منذ بداية النزاع في سوريا وإسرائيل تشن بانتظام غارات جوية على القوات السورية والقوات المدعومة من إيران ومقاتلي حزب الله. ولكن تكرار هذه الغارات والمواقع التي تستهدفها في سوريا يسترعي التساؤل عن قانونية الأفعال الإسرائيلية بحسب القانون الدولي. فالغارات تُبيّن قدرة إسرائيل على تلمُّس طريقها في التباسات التأويل القانونية والإفلات من العقاب في السياق السوري، ليس فقط كقوة محتلّة في مرتفعات الجولان، ولكن أيضًا في تعاملها مع التهديدات المرتقبة من جيرانها الأبعد، وتحديدًا إيران.
تحديد القانون ذي العلاقة
تعتمد قانونية الغارات الجوية أولا على إن ما كانت الغارة قد وقعت في وقت السلم أو خلال نزاع مسلح قائم. يعد قانون اللجوء للحرب القانون الذي يحكم الظروف التي يمكن للدول أن تلجأ فيها لاستخدام القوات المسلحة قبل بداية النزاع. والقاعدة العامة هي أنه يجب أن يكون للدولة غاية عادلة تستدعي استخدام القوة والعنف، ولكن تعريف “الغاية العادلة” يبقى غير واضح. بمفهوم الغارات الاستباقية على سبيل المثال، “يعتقد الكثيرون أن للدول مبرراتها … في الحالات التي تواجه فيها تهديدات كافية ويمكن أن يهدد الإخفاق في ممارسة القوة العسكرية سلامة أراضيها أو استقلالها السياسي بشكل حقيقي”.
وفي المقابل يحكم قانون الحرب أفعال الأطراف في نزاع مسلح قائم. فالنزاع المسلح ينشأ إن كان هناك عنف مسلح ما بين دول أو مجموعات. وبشكل عام، عندما تكون دولة أحد أطراف النزاع، تكون عتبة نشوء نزاع مسلح هي استخدام دولة للقوة ضد دولة أخرى أو مجموعة مسلحة غير حكومية. ويجب أن يكون للمجموعة المسلحة الغير حكومية قوات مسلحة منظمة، مما يجعلها طرفًا فاعلًا في النزاع. ويعتبر الاحتلال العسكري الجزئي أو الكامل احتلالًا مسلحًا. ولكن لا الميثاق الدولي للأمم المتحدة ولا اتفاقية جنيف توفران تعريفًا محددًا “للعنف المسلح”، وبالتالي ليس من الواضح إن كان قانون النزاع المسلح ينطبق على المواجهات المسلحة منخفضة الحدة، مثل الاشتباكات الحدودية أو المناوشات المسلحة، أو إن كانت درجة حدة المواجهات هي التي تستوجب تطبيق القانون بحسب ما تقترح المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة.
بحسب قوانين النزاعات المسلحة تعتبر أفعال أطراف النزاع عادلة عندما تحترم أربعة مبادئ هي: (١) الضرورة العسكرية، (2) التمييز، (3) التناسب و(4) تجنب المعاناة غير الضرورية. تنص هذه المبادئ مجتمعة أن الأهداف العسكرية هي أهداف مشروعة للهجمات، على ألا تكون أهدافا مدنية أو ممتلكات تعود للمدنيين، وأن الأضرار الجانبية التي تتسبب بها هذه الهجمات يجب أن تتناسب مع التقدم العسكري المتحقق عنها. كذلك يجب أن تتجنب القوة العسكرية استخدام العنف المفرط ضد الخصم.
وفي مرتفعات الجولان، التي تعد منطقة نزاع مسلح كونها منطقة مُحتلة، يمكن أن نعتبر أن هذه المبادئ الأربعة تسمح بالغارات الإسرائيلية هناك. ولكن خارج حدود الجولان، لا تنطبق شروط النزاع المسلح القائم، وبالتالي يصبح قانون اللجوء إلى الحرب هو النظام القانوني الساري.
الهجمات الإسرائيلية خارج حدود مرتفعات الجولان
في 13 أيار/ مايو أصابت صواريخ عسكرية انطلقت من منطقة قريبة من بانياس أهدافًا في مصياف بالقرب من حماة، مؤدية إلى مقتل 5 أشخاص وإصابة 7 آخرين في حرائق الغابات التي اندلعت بسبب الهجمات الصاروخية. وتشير التقارير إلى أن هذه الغارات استهدفت مخازن أسلحة تعود للقوات الموالية للأسد. وقبل بضعة أسابيع ضربت الغارات العسكرية 5 مواقع بالقرب من دمشق متسببة بمقتل 9 مقاتلين محسوبين على الجيش السوري وميليشيا تابعة لإيران. جاء هذا الهجوم بعد ساعات من تأكيد الجيش الإسرائيلي بأن مُسيّرة إسرائيلية تحطمت على الجانب السوري من الحدود.
تشكل هذه الأفعال لعبة مقارعة (واحدة بواحدة) تلعبها إسرائيل وخصومها في المنطقة المجاورة لمرتفعات الجولان، تعكس الوضع القائم؛ ألا وهو معارضة إسرائيل للتدخل الإيراني في السياسة الإقليمية، مما يجعل الأطراف المدعومة من إيران في سوريا هدفًا رئيسيًا لإسرائيل التي ترغب بإضعاف قدرات هذه المجموعات العسكرية. حيث صرح رئيس أركان قوات الدفاع الإسرائيلي، الجنرال آفيف كوتشافي أن إسرائيل ضربت أكثر من 500 هدف مرتبط بإيران في سوريا سنة 2020 فقط. وأن تمترُس الإيرانيين في سوريا يتباطأ بشكل واضح بسبب أعمال جيش الدفاع الإسرائيلي، ولكن لا يزال الطريق أمامنا طويلًا لتحقيق أهدافنا”.
تطبيق قانون اللجوء للحرب
بالرغم من أن المدنيين والممتلكات المدنية تضررت لا محالة بسبب الغارات الإسرائيلية، إلا أن تعدد الغارات التي استهدفت المجموعات المدعومة من حزب الله تشير إلى وجود خطة استراتيجية محدودة نوعًا ما للحد من التدخل الإيراني في النزاع السوري والسياسات الإقليمية. ولكن لم تقدم إسرائيل علنا ما يبرر غالبية ضرباتها العسكرية، باستثناء مصالح أمنها القومي واعتبارها أن المجموعات المدعومة من إيران في سوريا تمثل تهديدًا غير محدد. والواقع أن جيش الدفاع الإسرائيلي يلتزم الصمت عادة حيال هذه الأمور، ولذا يبقى الخطر المباشر الذي تمثله هذه التهديدات غير واضح لغاية الآن. الأمر الذي يثير تساؤلات حول إن ما كانت أفعال إسرائيل تنضوي تحت التعريف غير الواضح “للغاية العادلة”، والتي هي الحد اللازم لتبرير الضرورة العسكرية، أو أن هذه الغارات تُشّكل انتهاكًا للسيادة السورية.
الخلاصة
يمكن تبرير الهجمات الإسرائيلية على مرتفعات الجولان بحسب قوانين النزاعات المسلحة بسبب وجود الاحتلال والاعتداءات العسكرية الفاعلة. ولكن تبقى قانونية الغارات على الأراضي السورية خارج حدود الجولان غير واضحة بحسب قانون اللجوء إلى الحرب لأن التهديد المباشر الذي تشكله المجموعات المدعومة من حزب الله على الأمن القومي الإسرائيلي يبقى غامضاً. الأمر الذي يشكك في وجود “غاية عادلة” تستدعي عملًا عسكريًا. وبالتالي فإن طبيعة النزاع في سوريا والتوتر المتصاعد بين الحكومتين، يستدعي أن يتم تقييم الغارات في كل حالة على حدة.
__________________________
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على info@syriaaccountability.org. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.
المصدر: المركز السوري للعدالة والمساءلة