يحكى كثيرًا هذه الأيام عن الذي حصل في الساعات الأخيرة في دوما ومع جيش الإسلام خاصة، خلال المفاوضات مع الروس والنظام، وكيف كان يصرح علنًا أنه يفاوض على البقاء، وإذ (وتحت جنح الظلام) بدا أنه كان يفاوض على خروجه أولًا، والسلامة بروحه وأرواح عناصره ليس إلا، ومن ثم تسليم كل شيء. وهو ما جعل الكثير من أهل الغوطة والدوامنة، يتساءلون عن الذي يكمن وراء الأكمة، وهل هناك ما هو طي الكتمان، أم أن ذلك نتيجة طبيعية لمسيرة طويلة متواصلة، كان آخرها الذي جرى أمام أعين الجميع.
جيرون سألت بعض النشطاء من دوما والمتابعين والمطلعين الموضوعيين، عن نظرتهم لما حصل في دوما؟ وما قصة الساعات الأخيرة؟ وكيف سلم جيش الإسلام كل شيء وذهب بما خف حمله؟
المحامي الدوماني غسان وهبي يقول ” كان لواء الاسلام متفق سرًا على البقاء مع الروس، وفسح لهم المجال للانقضاض على باقي الفصائل، بحيث كانت مفاوضاته مع النظام لم تنته بعد، وعندما انتهى الروس من باقي الفصائل، خلفوا بالاتفاقات وفرضوا شروطهم بالرحيل”.
أما الناشط من دوما مهران عيون فيرى أن ” المفاوضات بين جيش الاسلام من طرف والروس والنظام السوري من الطرف الآخر كانت تتم في الغوطة الشرقية بمعظم الأوقات في معبر مخيم الوافدين، وفي بداية جولة المفاوضات تم الطرح من قبل رئيس المكتب السياسي الداخلي لجيش الإسلام، إخراج جيش الاسلام نحو درعا، وتمت الموافقة مبدئيًا، وبعد عدة أيام جاء الرفض من الجبهة الجنوبية أي أن(الرفض جاء من الدول الاقليمية ذات النفوذ في درعا)، وتم الطلب مجدداً من جيش الاسلام بإخراجه إلى القلمون وضمير، هنا جاء الرفض من الروس، والنظام لاحقًا، ثم تم الطلب من جيش الاسلام بإخراجه نحو ريف حمص الشمالي، وجاء الرفض من الفصائل العاملة، في الجيش الحر ومن النظام السوري والروس، ثم طلب الروس من جيش الاسلام الخروج باتجاه ادلب، مثل باقي الفصائل وتسوية وضع من أراد البقاء”. وأضاف عيون ” كان واضحًا أن هناك تباينًا في الآراء والمواقف في الصف الاول من جيش الإسلام، مما دفع أبو قصي (الزيبق) إلى إقصاء رئيس المكتب السياسي الداخلي ” دلوان ” عن المفاوضات وخروجه للتفاوض، ونسف كل الاتفاق الذي تم التوصل إليه، والذي يشمل بالدرجة الأولى إطلاق سراح الأسرى (المدنيين والعسكريين لدى جيش الاسلام)بالإضافة إلى تسليم السلاح الثقيل ، هنا عاود النظام استهداف دوما، وضربها بالسلاح الكيماوي بتاريخ 7/4/2018 وبعد المطالبات والضغوطات على جيش الاسلام من الأهالي والفعاليات المدنية، تمت الموافقة على الخروج إلى مناطق درع الفرات، وهو ما تعهد به الروس كون جيش الاسلام كان رافضًا التوجه نحو مناطق ادلب”.
المهندس والناشط الدوماني أحمد طه من مجلس محافظة ريف دمشق قال لجيرون ” تميزت مفاوضات جيش الاسلام مع النظام وروسيا بالغموض الذي شاب كافة مراحلها، فمن إنكار أية مفاوضات تتم مع النظام وروسيا، انتهاء ببدء الخروج وما بينهما، ففي بداية مفاوضات حرستا كان جيش الاسلام يقول أنه لا يفاوض، إنه غير معني بالمفاوضات، وإنه قادر على تلقين قوات النظام درسًا لن ينسوه، ثم بعد ذلك بدأت تظهر لهجة تفيد بأنه يفاوض، ولكن ليس على الرحيل و التهجير، وإنما على البقاء في مدينة دوما، وفي هذه الفترة ظهر الكثير من إعلاميي الجيش كيوسف البستاني، ليصرح بأن المفاوضات تسير بشكل جيد، وأنه لا تهجير لدوما، وحتى ظهرت فتوى للشيخ ابو عبد الرحمن كعكة تحرم الخروج ومغادرة المدينة، وقال في الفتوى إنه وأهله باقون هنا في المدينة”. ثم أضاف طه وبصيغة اتهامية مباشرة ” يرجح (وأقول يرجح لعدم الشفافية من قبل جيش الاسلام بما جرى من مفاوضات) أن يكون العرض الذي قدمه جيش الاسلام للنظام والذي تسرب عبر أقنية عدة، أن يتحول جيش الاسلام إلى شرطة محلية تابعة للنظام، ولم يتم الرد عليه بشكل مباشر من النظام، مما جعل جيش الاسلام يقع في فخ أن النظام وروسيا سيقبلان هذا العرض، لكن وبعد أن فرغ النظام من إنهاء وضع القطاع الأوسط، التفت إلى دوما، ورفض عرض جيش الاسلام ثم ما لبث جيش الاسلام أن عدل عرضه، ليجعله أن يرشح ألف عنصر من عناصره للتدريب في دمشق على الشرطة المحلية والعودة بعد سته أشهر، لكن النظام أيضًا رفض العرض الأخير، ولم يكن أمام جيش الاسلام إلا القبول بالتهجير، كما قبل به الآخرين”. ثم أكد طه ” قد يستغرب البعض كيف يقترح جيش الاسلام أن يكون شرطة محلية للنظام ويغلفها بمقولة نفاوض على البقاء، وبيت القصيد في الإجابة هي أن علاقات جيش الاسلام مع غالبية الفصائل سيئة للغاية، لذلك كان يخشى أن يذهب إلى ادلب فيكون لقمة سهلة في متناول من عاداهم طيلة الفترات السابقة، لذلك فضل على ما يبدو أن يكون مع النظام، على أن يهدد أمنه وأمن قادته في الشمال”.
أما الناشط الدوماني حمزة الحجة فكان رأيه ” جيش الاسلام كأي حركة أو جماعة فئوية تؤمن بمبدأ التقية السياسية، ولا أحد يعلم ماذا ستفعل، إلا الدائرة الضيقة من القيادة، ولكن ومن خلال الممارسات والفعل، تتوضح القرارات، فمنذ التأسيس لم يكونوا يفكرون أو يعملوا بالمعنى الدقيق للكلمة، إلا لمصلحة فئوية، تخدم تفكيرهم الضيق، على تطبيق فكرهم السلفي، ولم كان هدفهم تحقيق أهداف الثورة، ومن هنا أصبح التخبط في الفترة الأخيرة، عندما وجدوا أنفسهم يحملون نتائج هذه الفترة لوحدهم، ولم يجدوا شماعة يعلقون عليها أفعالهم، فما كان لديهم أي خيار إلا التكتم عما يدور بالتفاوض، والاملاءات التي أمليت عليهم”. ثم قال الحجة ” كل ما بني على الكذب لا يمكن أن يعطي إلا الفشل، فالنتيجة واضحة منذ عام 2013 عندما بدأت الاغتيالات لرموز الثورة السياسيين والعسكريين”.
المحامي الدوماني محمود العربي أكد لجيرون بقوله ” تفاصيل كثيرة، غائبة، وباختصار إن جيش الإسلام كان يريد أن يكون جزءً من الحل في دوما، أو بمعنى آخر، أن يكون شريكًا فيه، من أجل البقاء، وتقاسم النفوذ مع الروس والنظام، لكن يبدو أن ” الرياح جرت بما لا تشتهي السفن ” ولم يحصل على ما يريد، وأُجبر على الخروج.”
المصدر : جيرون