يصر معظم أعضاء اللجنة الدستورية من طرف المعارضة على الاستمرار في خوض غمار رحلة الشتاء والصيف، حتى لو عادوا كل مرة خاليي الوفاض، قابضين على الريح ليس أكثر، ودون إحراز أي تقدم جدي في مسارات اللجنة الدستورية (الموقرة)التي بلغت الثمانية، مع اتفاق وحيد هو تحديد موعد للجلسسة التاسعة التي تليها، والتي قال المبعوث الأممي إلى سورية(غير بيدرسن) أنها سوف تُعقد في النصف الثاني من شهر يوليو/ تموز المقبل. مكتفين بهذا المنجز الكبير، الذي لايطاله العطب، ولايناله التعب، من قريب أو من بعيد. وهذا الإصرار منبعه أن لا خطوط أخرى مساوية أو موازية أو بديلة لتحريك المسألة السورية، في وقت باتت فيه القضية السورية في آخر سلم اهتمام (الدول الصديقة للشعب السوري) وغير الصديقة بالضرورة. وهؤلاء الذين مازالوا يصرون على الاستمرار في اجتماعات اللجنة الدستورية يتكئون في ذلك إلى أطروحة (كانت ومازالت) غاية في البؤس وقلة الحيلة، تقول (القليل من النظر أفضل من العمى الكلي) لكنهم في ذلك يبتعدون عن أساسيات علم التفاوض وعن آلياته العلمية ومحدداته الموضوعية، وأهمية الانجاز فيه، ضمن قضايا تفاوضية فإنه لو كان الطرف الآخر لايريد أي تقدم أو إحراز أي إنجاز، فإن المآلات النهائية الختامية، لن تكون أفضل من البدايات، ولا يمكن أن أن تكون أصلاً، وهي مقدمة موضوعية أساسية في علم التفاوض، بل تقترب من أن تكون بديهية.
ويبدو أن هَم ووهم السيد هادي البحرة الرئيس المشترك للجنة الدستورية مازال ” البحث عن وسائل لتسريع عمل اللجنة الدستورية وزيادة فعاليتها”.” حيث مازال يحلم في ذلك.
أما ديمة موسا عضوة اللجنة الدستورية فهي تقول وبكل صراحة “من الواضح أنّ الإرادة اللازمة لتحقيق التقدم المنشود ما زالت غير متوفرة لدى الطرف الآخر، أي النظام السوري”. ومع ذلك هم يصرون على الاستمرار في اللجنة.
أنشئت اللجنة الدستورية السورية في أيلول/ سبتمبر عام 2019 بدفع ودعم روسي، وصمت أميركي، بدأها الروس باقتراح من مؤتمر سوتشي، سيء الصيت، وكانت الغاية الأساس من فتح هذا الباب من المفاوضات الالتفاف على مسار جنيف الأساسي الأممي المتعلق بالمسألة السورية، بل تجميده كليًا، وهذا ماحصل بالفعل لا بالقول، وسط انزياحات أميركية، وصمت دولي مازال سيد الموقف بالنسبة للقضية السورية، خلا بعض التصريحات التي تخرج من هنا أو من هناك والتي لا تؤتي أي أكل على المستوى العملاني.
صحيح أن القرار الأممي 2254، قد جاءت جدولته على أربع مراحل: “الحكم، الدستور، الانتخابات، مكافحة الإرهاب”. لكن الجدية الحقيقة التي كان يمكن أن تسير بصحة ووعي فيما لو تم البدء في مسألة الانتقال السياسي والحكم، وهو ما لم توافق عليه روسيا، ولا النظام السوري التابع، بسبب عدم جديتهم أساسًا في كل حالة الانخراط في المسألة السياسية الانتقالية، وما قفزهم إلى مسألة الدستور في سورية، إلا تسويفًا وتضييعًا للوقت، حيث عرفوا كيف يضيعونه حقًا، ووجدوا معارضة لاحول لها ولا قوة، توافق على المسار الجديد الآيل للسقوط عاجلًا أم آجلًا.
لعله حوار الطرشان الذي لايسمع فيه الآخر ما يقوله الأول، ولا العكس، وهو يستمر حتى بلا سماع الآخر، أو وجود إمكانية حقيقية للسماع أو التفاعل، وكأن كل طرف في واد آخر.
وحتى نكون أكثر موضوعية ولايكون النقد لدينا لمجرد النقد، وكي يكون النقد المزدوج طريق للاستيعاب، لابد من طرح الأسئلة العاقلة والواعية في هذا السياق، وضمن هذه المعادلة التي تتابع ويتفرج الشعب السوري عليها، دون إحراز أي تقدم يذكر وهذه الأسئلة تقول:
_ هل يمتلك أعضاء اللجنة الدستورية حق اتخاذ القرار والانفضاض عن متابعة اجتماعاتها؟ ومن ثم هل هم فقط أصحاب الصلاحية والحق في ذلك، أم أن المجتمع الدولي والاقليمي والدول الاقليمية والعالمية الفاعلة هي صاحبة القرار الأكيد في ذلك، وهم اليوم أي المعارضة بكل أطيافها، لم تعد تمتلك من الأمر أي شيء من هذا القبيل ولا من سواه؟
_ وهل أعضاء اللجنة الدستورية الموقرة، هم أصحاب اختصاص بالفعل، أم أن المحاصصات بين المنصات والاتكاءات إلى مراكز القوى في أجنحة المعارضة، هي التي أتت بهم على بساط الريح، إلى هذه الجلسات، ليكونوا ممثلين لها وليسوا أهل اختصاص في معظمهم؟.
- واذا كانت دولة روسيا الاتحادية، لم تدفع أبدًا من أجل إحراز أي تقدم في دورات سلفت، فكيف لها أن تدفع جديًا بذلك أو تمارس ضغوطها على وفد النظام السوري اليوم، وهي في حالة حرب وتصعيد مع الغرب عمومًا بعد غزوها لأوكرانيا الذي أغرقها في وحل لاخروج منه في المنظور القريب كما يبدو؟.
كل هذه التساؤلات وسواها تضعنا أمام محددات ومآلات اللاجدوى واللاإنجاز، وستعود الأمور إلى سابق عهدها مع نظام خبرته المعارضة القديمة بتسويفاته، وعدم تلبيته لأي تقدم من الممكن أن يفيد السوريين أو معارضاتهم، وهو في ذلك يُمسك بخياراته الأمنية العسكرية مع دعم بعض الدول الخارجية ومنها إيران و روسيا، والاستمرار في كم الأفواه، والسيطرىة الأمنية على كل مفاصل المجتمع السوري، الذي عانى ومازال يعاني من عسفه وقمعه ومقتلته عبر 52 عامًا مضت من عمر خطف الوطن السوري، من قبل عصابة لاتعرف إلا الفساد والإفساد والارتزاق، من خلال دورها الوظيفي الذي ارتضته لنفسها منذ هزيمة حزيران/ يونيو 1967 وحتى يومنا هذا. وهي نفسها التي أوصلت الشعب السوري إلى مجمل هذه المآلات من تهجير السوريين في كل منافي العالم.
حيث قدّرت دراسة صادرة عن مركز جسور ” الإجمالي المفترض لعدد سكان سورية في 2021 بـ26 مليونًا و285 ألف شخص، لكن الذين بقوا في سورية حتى مطلع 2021 عددهم 16 مليونًا و475 ألفًا، منهم تسعة ملايين و400 ألف نسمة يقيمون في مناطق سيطرة النظام فقط”. وبحسب موقع “Data Commons“، الذي يقدم بيانات حول تعداد مختلف الدول، “يبلغ عدد سكان سورية نحو 17 مليونًا و500 ألف شخص”.
هذا هو الواقع الذي أوصلنا إليه نظام النهب المنظم، والقتل والتهجير القسري، والاعتقال السياسي، وأمام الواقع الاقليمي والدولي المنشغل بأمور أخرى، وواقع المعارضة التي مازالت تعثر في الأكم وفي الوهد، لا آمال ترجى من اللجنة الدستورية ولا من سواها، مثل مسار أستانا أو ماشابهه.
المصدر: موقع ملتقى العروبيين