عدنان الإمام
ساد التوتر شمال غربي سورية، أمس الثلاثاء، بعد عودة الأرتال العسكرية التابعة لـ”هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) إلى تخوم منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي والخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، التي شهدت اقتتالاً بين عدد من فصائلها أخيراً، وهو ما يعد ثغرة كبيرة يمكن أن تتسلل “الهيئة” من خلالها إلى ريف حلب الشمالي. وجاء ذلك قبل يسهم اتفاق برعاية تركية في تهدئة الأوضاع مجدداً.
وتذرعت “الهيئة” في تحشيداتها بعدم إطلاق فصيل “الجبهة الشامية” سراح قيادي في فصيل “أحرار الشام” يُدعى أبو دجانة الكردي، كان قد أُسر خلال الاقتتال الدامي الذي جرى بين الفصيلين السبت الماضي، وانتهى عقب اتفاق أُبرم يوم الأحد الماضي.
وكانت جهود الوساطة لإيقاف الاقتتال قد تكللت باتفاق الأحد قضى بعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه، وانسحاب “هيئة تحرير الشام” من مواقع داخل منطقة عفرين كانت سيطرت عليها في مؤازرة لفصيل “أحرار الشام”.
وكانت الهيئة قد سيطرت على قرى عدة في ريف عفرين السبت الماضي، منها الباسوطة وبجنديرس والمحمدية والغزاوية وقرزيحل وعين دارة، وذلك عقب اشتباكات مع الفصائل الموجودة في المنطقة، مثل “الجبهة الشامية” و”فيلق الشام”.
ارتال لـ”هيئة تحرير الشام” باتجاه عفرين
لكن “هيئة تحرير الشام” عادت وأرسلت أرتالاً مدججة بالسلاحين المتوسط والثقيل، فجر أمس الثلاثاء من إدلب، باتجاه منطقة غصن الزيتون والتي تضم عفرين وريفها، في ضغط واضح على الفصائل التي تسيطر على المنطقة للرضوخ لمطلبها بإطلاق سراح الكردي. إلا أن هذه الفصائل اشترطت انسحاب حركة “أحرار الشام” من النقاط التي سيطرت عليها أخيراً من أجل إطلاق سراح أسرى الحركة لديها.
وجاء ذلك قبل أن يتوصل فصيل “الجبهة الشامية” المنضوي ضمن “الفيلق الثالث” العامل تحت مظلمة “الجيش الوطني السوري” المعارض، بمساعٍ تركية في وقت لاحق أمس، إلى اتفاق مع فصيل “أحرار الشام”، لوقف الاقتتال بين الطرفين وإطلاق سراح الأسرى، وعودة كل الأمور إلى ما كانت عليه قبل الاشتباكات، وانسحاب “هيئة تحرير الشام” من منطقة “غصن الزيتون”.
وقال قيادي عسكري عامل لدى “الجيش الوطني السوري”، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن “الجانب التركي اجتمع (أمس) مع قادة من الفيلق الثالث ضمن منطقة حور كلس داخل الأراضي التركية، ومع قيادات من حركة أحرار الشام داخل الأراضي التركية عند الجهة المقابلة لمنطقة معبر أطمة العسكري شمال محافظة إدلب، وتم الاتفاق على الإفراج عن جميع الأسرى لدى الجبهة الشامية وأحرار الشام فوراً”، مؤكداً أن “هناك نحو 40 أسيراً بين الطرفين وبدأ الإفراج عنهم بإشراف تركي، وعلى رأسهم أبو دجانة الكردي”.
ولفت المصدر إلى أن “الجانب التركي تعهّد بمنع تقدم هيئة تحرير الشام إلى مدينة عفرين مرة أخرى، وإخراجها من منطقة غصن الزيتون وإعادة مناطق السيطرة إلى ما كانت عليه سابقاً”. وأشار إلى أن “هيئة تحرير الشام انسحبت بالفعل من قرى ضمن منطقة غصن الزيتون عصر أمس الثلاثاء، بعد الاجتماع الذي نصّ على خروج الهيئة من تلك المناطق”.
وخرجت أمس الثلاثاء تظاهرات شعبية في منطقة عفرين منددة بـ”هيئة البغي والإجرام”، وفق ما كُتب على لافتات رفعها المتظاهرون الذين اعتبروا الهيئة “عدوة للثورة”.
وذكرت مصادر في “الفيلق الثالث”، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “الجبهة الشامية” كانت بدأت بتحصين مداخل منطقة عفرين تحسباً لأي هجوم محتمل من قبل “هيئة تحرير الشام” على المنطقة والعودة إلى القرى التي انسحبت منها نتيجة الاتفاق السابق.
ويضم الفيلق الثالث التابع للجيش الوطني ستة فصائل هي: “الجبهة الشامية”، “جيش الإسلام”، “فيلق المجد”، “لواء السلام”، “فرقة السلطان ملك شاه” و”الفرقة 51″.
اختلاق “هيئة تحرير الشام” الحجج للتوسع في مناطق المعارضة
وأوضحت المصادر أن “هيئة تحرير الشام تحاول اختلاق الحجج للدخول إلى مناطق الجيش الوطني التابع للمعارضة في ريف حلب وفرض سيطرة كاملة عليها لتوسيع إمارتها”، مؤكدةً أن “هذا الجيش لن يسمح للهيئة بالسيطرة على أي منطقة تابعة له”.
وتشي الأحداث المتلاحقة بأن منطقة غصن الزيتون (عفرين وريفها) مفتوحة على كل الاحتمالات، حيث يمكن أن تختلط الأوراق بين وقت وآخر.
وفي السياق، ذكر الناشط الإعلامي المقيم في شمال سورية، زين يوسف، في حديث مع “العربي الجديد” قبل الإعلان عن الاتفاق الأخير الذي رعته تركيا، أنه “باتت لهيئة تحرير الشام نقاط تماس مباشرة مع الوحدات الكردية المتمركزة في شمال حلب، بعد سيطرتها على العديد من القرى في ريف عفرين”.
وأضاف: “كنا نتمنّى أن تكون الأرتال الضخمة التي جاءت من إدلب إلى منطقة عفرين موجهة صوب قوات النظام في ريف إدلب الجنوبي لاستعادة مدن سيطرت عليها هذه القوات في عام 2020 وشرّدت أهلها”.
وتعاني مناطق الجيش الوطني في شمال سورية من فوضى أمنية وازدحام للبنادق، وهو ما يعد ثغرة تحاول “هيئة تحرير الشام” التسلل عبرها للسيطرة على هذه المناطق.
من جهته، اعتبر مدير وحدة تحليل السياسات في مركز “الحوار السوري” للدراسات، محمد سالم، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “هيئة تحرير الشام تطمح إلى الامتداد لمناطق غصن الزيتون ودرع الفرات في ريف حلب الشمالي”.
وأضاف “يبدو أن هناك من يستفيد من ذلك لتوظيف الهيئة في إدارة الفصائل والخلافات بينها”. غير أنه رأى أن الهيئة “لن تنجح في ذلك في المدى القريب”، موضحاً أن “هناك هوامش متروكة للهيئة تتحرك فيها، وهي تحاول توسعة هذه الهوامش ويمكن أن تنجح، ولكن بشكل محدود”.
تساؤلات عن الدور التركي بشمال سورية
من جانبه، قال مصدر عسكري في المعارضة، في حديث مع “العربي الجديد”، إن “الجبهة الشامية فصيل ثوري غير ملتحق كلياً بالأجندات التركية في شمال سورية”، مضيفاً “ربما هيئة تحرير الشام عصا أنقرة بوجه هذا الفصيل”.
وأشار إلى أن “هناك أشياء غير منطقية في الشمال السوري الخاضع للنفوذ التركي”، متسائلاً “ما مصلحة تركيا في بقاء المنطقة مفككة أمنياً وعسكرياً وهي تستطيع تنظيمها في يوم واحد فقط”. وتابع “هذا السؤال بلا إجابة على الرغم من مرور سنوات على السيطرة التركية على ريف حلب الشمالي”.
وأعرب المصدر، وهو أحد الضباط المنشقين عن قوات النظام، عن اعتقاده بأن “هيئة تحرير الشام لا يمكنها السيطرة على مناطق الجيش الوطني إلا إذا كانت هناك رغبة تركية في ذلك”، مضيفاً “هناك رفض شعبي كبير وكذلك من أغلب فصائل الجيش الوطني، لأي حضور للهيئة في الشمال السوري”.
واعترف المصدر بوجود “خلل أمني في مناطق الجيش الوطني وفوضى سلاح تؤدي إلى اقتتال بين الفصائل”، لكنه اعتبر أن “الحل ليس بتسليم المنطقة لفصيل متشدد أجندته غير وطنية، وإنما بتنحية كل قادة الفصائل الفاسدين في الشمال، وتفعيل دور وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة والاعتماد على ضباط لتأسيس جيش وطني حقيقي”.
وأضاف “يجب أن تنتهي هذه الفوضى ويُنحّى جانباً كل من له علاقة بما يجري، وهذا أمر لا يستطيع تنفيذه إلا الجيش التركي”. وتابع “عشرات الفصائل في الشمال السوري تتنافس وتتخاصم بينما بالإمكان حلها كلها وتشكيل جيش حقيقي يضبط المنطقة أمنياً وعسكرياً لإنعاشها اقتصادياً، وبذلك يعود اللاجئون السوريون من تركيا أيضاً”.
المصدر: العربي الجديد