بريندان ريتنهاوس غرين كيتلين تالمادج
من بين جميع القضايا الشائكة التي يمكن أن تشعل حرباً ساخنة بين الولايات المتحدة والصين، تأتي تايوان على رأس القائمة، وستكون العواقب الجيوسياسية المحتملة لمثل هذه الحرب عميقة. تتمتع تايوان التي وصفها الجنرال دوغلاس ماك آرثر [تولّى قيادة هيئة أركان الجيش الأميركي في الحرب العالمية الثانية. اشتهر بفضل معارك أميركا ضد اليابان، خصوصاً استسلام إمبراطورها أمامه على متن بارجة حربية أميركية] ذات مرة بـ”حاملة طائرات غير قابلة للغرق ومركز لدعم الغواصات”، بقيمة عسكرية مهمة لا تحظى كثيراً بالتقدير الكافي، باعتبارها بوابة إلى بحر الفيليبين، ومسرحاً حيوياً للدفاع عن اليابان والفيليبين وكوريا الجنوبية ضد تهديد أو هجوم صيني محتمل. ليس هناك ما يضمن انتصار الصين في حرب للسيطرة على الجزيرة، أو ما يضمن عدم استمرار الصراع لأعوام ويضعف الصين. لكن، إذا سيطرت بكين على تايوان ونشرت عتادها العسكري فيها، فسوف يتحسن موقفها العسكري بشكل ملحوظ.
تحديداً، يمكن لمعدات مراقبة المحيطات والغواصات أن تجعل السيطرة على تايوان مفيدة بشكل كبير للقوة العسكرية الصينية. حتى من دون أي طفرات تكنولوجية أو عسكرية كبيرة. وكذلك فمن شأن السيطرة على الجزيرة أن تحسّن قدرة الصين على إعاقة العمليات البحرية والجوية الأميركية في بحر الفيليبين، بالتالي الحد من قدرة الولايات المتحدة في الدفاع عن حلفائها الآسيويين. وإذا طوّرت بكين في المستقبل أسطولاً كبيراً من الغواصات الهجومية النووية الهادئة المحملة بالصواريخ الباليستية، فإن نشرها في تايوان سيمكّن الصين من تهديد الممرات البحرية في شمال شرقي آسيا وتعزيز قواتها النووية البحرية.
من الواضح أن القيمة العسكرية للجزيرة تعزز الحجة الداعية إلى إبقاء تايوان بعيدة من متناول الصين. ومع ذلك، فإن قوة هذه الحجة رهينة بعوامل عدة، بما في ذلك افتراض أن الصين ستواصل التوسع الإقليمي بعد احتلال تايوان والنهوض بالاستثمارات العسكرية والتكنولوجية طويلة الأجل اللازمة للاستفادة الكاملة من الجزيرة. وتعتمد قوة تلك الحجة أيضاً على المسار الأوسع لسياسة الولايات المتحدة تجاه الصين، إذ يمكن أن تظل واشنطن ملتزمة بنهجها الحالي في احتواء توسع القوة الصينية من خلال تقديم مجموعة من الالتزامات السياسية لشركائها وحلفائها في آسيا، والاحتفاظ بوجود عسكري متقدم كبير. كذلك يمكن لأميركا أن تتبنى سياسة أكثر مرونة تحتفظ بالالتزامات تجاه الحلفاء الأساسيين في المعاهدة وحدهم، مع تقليل نشر القوات في المناطق الأمامية، أو قد تخفض تلك الالتزامات كلها كجزء من نهج أكثر انضباطاً. لكن بغض النظر عن أي من هذه الاستراتيجيات الثلاث التي تتبعها الولايات المتحدة، فإن السيطرة الصينية على تايوان ستحدّ من قدرة الجيش الأميركي في العمل ضمن المحيط الهادئ، ومن المحتمل أن تهدد المصالح الأميركية هناك.
في المقابل، لا تقتصر المسألة على كون القيمة العسكرية الهائلة لتايوان تثير مشكلات لأية استراتيجية كبرى للولايات المتحدة، بل إنها تتأتى من أن واشنطن ستضطر، بغض النظر عما تفعله، سواء حاولت إبقاء تايوان بعيداً من سيطرة الصين أو لا، إلى المجازفة وتحمّل التكاليف في مواجهتها مع بكين. وباعتبارها المكان الذي تتصادم فيه جميع معضلات السياسة الأميركية تجاه الصين، تمثل تايوان واحدة من أصعب وأخطر المشكلات في العالم. ببساطة، تمتلك واشنطن خيارات جيدة قليلة بشأن تايوان، مع خيارات سيئة كثيرة يمكن أن تتسبب في كارثة.
تايوان في الميزان
يمكن لهجوم صيني على تايوان أن يغيّر ميزان القوة العسكري في آسيا بطرق عدة. إذا استولت الصين على الجزيرة بسرعة وسهولة، فقد تحرر عدداً من أصولها العسكرية التي استعملتها في شن تلك الحملة على تايوان، ثم تعيد استخدامها في السعي وراء تحقيق أهداف عسكرية أخرى. كذلك قد تنجح الصين في استيعاب الموارد الاستراتيجية لتايوان كالمعدات العسكرية والأفراد وصناعة أشباه الموصلات، وكلها قد تعزز القوة العسكرية لبكين. ولكن، إذا وجدت الصين نفسها متورطة في غزو أو احتلال طويل الأمد لتايوان، فقد تصبح محاولة التوحيد القسري عبئاً كبيراً على قوة بكين.
ومع ذلك، ستتيح أي حملة تمكّن الصين من السيطرة على تايوان، نشر معدات عسكرية صينية مهمة في الجزيرة، خصوصاً أجهزة المراقبة تحت الماء والغواصات، وما يرتبط بها من عتاد الدفاع الجوي والساحلي. سيكون دور تلك الأصول المتمركزة في تايوان أكثر من مجرد تأمين تمدد الصين شرقاً على طول مضيق تايوان. وكذلك ستكون الحال إذا نشرت الصين صواريخ أو طائرات أو مسيّرات أو أنظمة أسلحة أخرى في الجزيرة. في المقابل، ستعمل المراقبة تحت الماء والغواصات على تحسين قدرة بكين في إعاقة العمليات الأميركية ضمن بحر الفيليبين، وهي منطقة ستكون ذات أهمية حيوية في عدد من سيناريوهات الصراع المستقبلية المحتملة التي قد تشمل الصين.
تدور السيناريوهات الأكثر ترجيحاً حول دفاع الولايات المتحدة عن حلفائها على طول ما يُسمّى بسلسلة الجزر الأولى قبالة البر الآسيوي الرئيس، التي تبدأ شمال اليابان وتمتد جنوب غربي تايوان والفيليبين قبل أن تعرج نحو فيتنام. ومثلاً، ستكون العمليات البحرية الأميركية في تلك المياه ضرورية لحماية اليابان من التهديدات الصينية المحتملة في بحر الصين الشرقي، وعند الطرف الجنوبي لجزر ريوكيو. ستكون مثل هذه العمليات الأميركية مهمة أيضاً في معظم سيناريوهات الدفاع عن الفيليبين، وأي سيناريو قد يؤدي إلى ضربات أميركية على البر الرئيس الصيني، على غرار نشوب صراع كبير في شبه الجزيرة الكورية. كذلك ستصبح العمليات البحرية الأميركية في بحر الفيليبين أكثر أهمية لأن قدرات الصين الصاروخية المتزايدة تجعل الطائرات التي تنطلق من الأرض وقواعدها الإقليمية معرضة للخطر بشكل متزايد، ما سيجبر الولايات المتحدة على الاعتماد بشكل أكبر على الطائرات والصواريخ التي تنطلق من السفن.
إذا اندلعت حرب في المحيط الهادئ اليوم، فإن قدرة الصين على شن هجمات فاعلة خارج الأفق، أي أنها هجمات تستهدف السفن الأميركية على مسافات تتجاوز خط الرؤية في الأفق، ستكون محدودة أكثر مما يُفترض بصورة عامة. قد تكون الصين قادرة على استهداف حاملات الطائرات الأميركية المتقدمة والسفن الأخرى في الضربة الأولى التي تشعل الحرب. ولكن بمجرد اندلاع الصراع، فإن أفضل قدرات المراقبة الصينية المتمثلة في الرادارات الكبيرة الموجودة في البر الرئيس التي تسمح للصين “بالرؤية” إلى أبعد من خط الأفق، قد تُدمّر بسرعة. وينطبق الأمر ذاته على طائرات أو سفن المراقبة الصينية في المجال المحيط بالقوات البحرية الأميركية.
بالتالي، من غير المرجح أن تعوض الأقمار الاصطناعية الصينية هذه الخسائر. وبالاستفادة من الممارسات التقنية التي جربتها الولايات المتحدة خلال “الحرب الباردة”، يمكن للقوات البحرية الأميركية التحكم في راداراتها وبصمات اتصالاتها، بشكل يتيح لها تجنب كشفها من قبل الأقمار الاصطناعية الصينية التي تتنصت على الانبعاثات الإلكترونية. ومن دون معلومات استخباراتية من النوع الذي تتيحه تلك الإمكانات المتخصصة في جمع الإشارات، لن يتبقى لدى الصين سوى توظيف أقمار التصوير للبحث بشكل عشوائي في مساحات شاسعة من المحيط بحثاً عن القوات الأميركية. في ظل هذه الظروف، ستواجه القوات الأميركية المنتشرة في بحر الفيليبين مخاطر حقيقية من الهجمات بعيدة المدى، لكنها تستطيع تحملها وربما لن يشعر قادة الولايات المتحدة بضغط فوري لتصعيد الصراع من خلال مهاجمة الأقمار الاصطناعية الصينية.
في المقابل، إذا انتزعت الصين السيطرة على تايوان، فسيبدو الوضع مختلفاً تماماً. يمكن أن تضع الصين الميكروفونات الغاطسة، تُسمّى بـ”هايدروفونات”، في المياه قبالة الساحل الشرقي للجزيرة، وهي أعمق بكثير من المياه التي تسيطر عليها بكين حالياً داخل سلسلة الجزر الأولى. ويمكن لأجهزة الاستشعار المتخصصة هذه، إذا وُضعت في عمق مناسب، التنصت على الخارج واكتشاف الأصوات المنخفضة التردد لسفن السطح الأميركية على بعد آلاف الأميال، ما سيمكّن الصين من تحديد مواقعها بدقة أكبر باستخدام الأقمار الاصطناعية واستهدافها بالصواريخ. (الغواصات الأميركية صامتة للغاية بحيث لا يمكن لهذه الهيدروفونات اكتشافها). وقد تجبر تلك القدرات الولايات المتحدة على إبقاء سفنها السطحية خارج نطاق الهيدروفونات، أو تنفيذ هجمات متصاعدة محفوفة بالمخاطر على الأقمار الاصطناعية الصينية. لكن لا يبدو أي من هذين الخيارين جذاباً.
كذلك سيكون من الصعب على الولايات المتحدة تدمير الهيدروفونات الصينية قبالة تايوان، لأن الغواصات المتخصصة للغاية أو المركبات الغاطسة هي وحدها التي يمكنها تعطيل الهيدروفونات. كذلك ستكون الصين قادرة على حمايتها بمجموعة متنوعة من الوسائل، بما في ذلك الألغام. وحتى لو تمكّنت الولايات المتحدة من إتلاف الكابلات المائية الصينية، يمكن لسفن الإصلاح الصينية إصلاحها تحت غطاء الدفاعات الجوية التي يمكن أن تنشرها الصين في الجزيرة.
بالتالي، تبقى أفضل طريقة لتعطيل هيدروفانت المراقبة الصينية هي مهاجمة المحطات الهشة المتخصصة في معالجة البيانات التي تأتيها عبر كابلات الألياف الضوئية. لكن، قد يكون من الصعب العثور على تلك المحطات، إذ يمكن للصين دفن الكابلات على الأرض وكذلك تحت سطح البحر. ولا يمكن تمييز تلك المباني التي تتولى معالجة البيانات الحربية، عن أي مبانٍ عسكرية مماثلة عادية في تايوان. يمكن أن يشمل نطاق الأهداف الأميركية المحتملة مئات البنايات المنفردة داخل مواقع عسكرية متعددة ومحصنة بشكل جيد في جميع أنحاء تايوان.
ومع ذلك، فإن السيطرة على تايوان ستمكّن الصين أكثر من مجرد تعزيز قدراتها في مراقبة المحيطات. إنها ستمنح الصين ميزة في حرب الغواصات. بوجود تايوان في أيدٍ صديقة، يمكن للولايات المتحدة التصدي للغواصات الهجومية الصينية من خلال وضع أجهزة استشعار تحت الماء في مواقع رئيسة لالتقاط الأصوات التي تصدرها الغواصات. ومن المحتمل أن تكون الولايات المتحدة قد نشرت مثل هذه الهيدروفونات الموجهة نحو الأعلى، بهدف أن يجري التنصت عبر مسافات أقصر، على طول أسفل الممرات الضيقة عند مداخل بحر الفيليبين، بما في ذلك في الفجوات بين الفيليبين وجزر ريوكيو وتايوان. في مثل تلك النطاقات القريبة، يمكن لهذه الأجهزة أن تكتشف لفترة قصيرة حتى الغواصات الأكثر هدوءاً، ما يسمح للأصول الجوية والسطحية الأميركية بتتبّعها. خلال الأزمة، يمكن أن يمنع ذلك الغواصات الصينية من فرصة شن “ضربة حرة” على السفن الأميركية في المراحل الأولى من الحرب، حينما تكون الأصول البحرية الأميركية المتقدمة في أكثر وضعيات التعرض للخطر.
لكن إذا سيطرت الصين على تايوان، فستكون قادرة على أن تنشر في تلك الجزيرة، غواصات ودفاعات جوية وساحلية داعمة لها. وستكون الغواصات الصينية بعد ذلك قادرة على التسلل من مخابئها في موانئ المياه العميقة الشرقية لتايوان مباشرة إلى بحر الفيليبين، متجاوزة الممرات الضيقة التي تتنصت منها الهيدروفونات المائية الأميركية. ستمنع الدفاعات الصينية في تايوان أيضاً الولايات المتحدة وحلفاءها من استخدام أفضل أدواتهم في تعقب الغواصات، كطائرات الدوريات البحرية والسفن المجهزة بطائرات الهليكوبتر، بالقرب من الجزيرة، ما سيسهل كثيراً على الغواصات الصينية شنّ الضربة الأولى في حال حدوث أزمة، مع تقليل معدل استنزافها في الحرب. ستكون للسيطرة على تايوان ميزة إضافية تتمثل في تقليص المسافة بين قواعد الغواصات الصينية ومناطق دورياتها من متوسط 670 ميلاً بحرياً إلى الصفر، ما سيتيح للصين توظيف مزيد من الغواصات في أي وقت وتنفيذ مزيد من الهجمات ضد القوات الأميركية. يمكن للغواصات الصينية أيضاً الاستفادة من بيانات الاستهداف الأكثر دقة التي سيجري جمعها بواسطة الهيدروفونات والأقمار الاصطناعية، ما سيحسن بشكل كبير فاعليتها ضد السفن السطحية الأميركية.
تحت البحر
مع مرور الوقت، يمكن أن يقدّم توحيد الصين مع تايوان، لبكين مزايا عسكرية أكبر إذا كانت ستستثمر في أسطول الغواصات الهجومية النووية الحاملة للصواريخ الباليستية والهادئة، إذ ستسهم هذه الغواصات، المنتشرة في الساحل الشرقي لتايوان، في تقوية الردع النووي الصيني وتسمح لها بتهديد طرق الشحن والطرق البحرية في شمال شرقي آسيا في حال نشوب حرب.
حالياً، لا تزال قوة الغواصات الصينية غير مجهزة بشكل جيد لشن حملة يكون هدفها تعطيل التجارة البحرية والنفطية لحلفاء الولايات المتحدة. تقليدياً، أثبت النقل البحري الدولي أنه قادر على التكيف مع مثل هذه التهديدات لأنه من الممكن إعادة توجيه السفن خارج مجال القوات المعادية. ومثلاً، حتى إغلاق قناة السويس بين عامي 1967 و1975 لم يشلّ التجارة العالمية إذ كانت السفن قادرة على الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح، وإن جرى ذلك بكلفة إضافية. هذا يعني أن بكين سيتعيّن عليها استهداف طرق الشحن البحرية حينما يجري تحركها [الطُرُق] شمالاً أو غرباً عبر المحيط الهادئ، بالقرب من موانئ شمال شرقي آسيا على الأرجح. لكن معظم الغواصات الهجومية الحالية لدى الصين ليست سوى قوارب تعمل بالديزل والكهرباء، وتملك قدرات تحمل محدودة وقد تعاني في العمل ضمن مسافات بعيدة. في المقابل، إن غواصات بكين القليلة التي تعمل بالطاقة النووية وتملك قدرة تحمّل أكبر، هي صاخبة، بالتالي عرضة للاكتشاف من قبل الهيدروفونات الأميركية الموجهة للأعلى التي يمكن نشرها على طول ما يُسمُى بـ”سلسلة الجزر الثانية” التي تمتد جنوب شرقي اليابان عبر جزر ماريانا الشمالية وغوام.
على نحو مماثل، إن الترسانة الصينية الحالية من غواصات الصواريخ الباليستية لا تفيد كثيراً في تقوية الردع النووي الصيني. يمكن للصواريخ الباليستية التي تحملها هذه الغواصات أن تستهدف في أفضل الأحوال ألاسكا والركن الشمالي الغربي للولايات المتحدة عند إطلاقها ضمن النطاق الذي تحدده “سلسلة الجزر الأولى”. ولأن الغواصات معرضة للكشف، فإنها ستعاني للوصول إلى مناطق المحيط المفتوحة حيث يمكن أن تهدد بقية الأراضي الأميركية.
وحتى لو ظهر مستقبلاً أسطول صيني يضم غواصات نووية هجومية متقدمة وأكثر هدوءاً أو غواصات محملة بصواريخ باليستية قادرة على تفادي الهيدروفونات المواجهة للأعلى على طول “سلسلة الجزر الثانية”، فسيكون متعيناً عليه المرور فوق الهيدروفونات الأميركية الموجودة عند مخارج “سلسلة الجزر الأولى”. وستمكّن هذه الحواجز الولايات المتحدة من إلحاق خسائر كبيرة بالغواصات الهجومية النووية الصينية المتقدمة المتجهة من وإلى ممرات النقل البحري في شمال شرقي آسيا، وتعوق إلى حد كبير مهمات غواصات الصواريخ الباليستية الصينية، التي من شبه المؤكد أن عددها سيكون أقل.
ولكن إذا استحوذت الصين على تايوان، فستكون قادرة على تجنب الهيدروفونات الأميركية على طول “سلسلة الجزر الأولى”، ما سيحرر القدرات العسكرية للغواصات الأكثر هدوءاً ويمكّنها من الوصول مباشرة إلى بحر الفيليبين وحماية الدفاعات الجوية والساحلية الصينية، واحتواء نشاط السفن والطائرات الأميركية. كذلك سيكون لأسطول بكين من الغواصات الهجومية النووية الهادئة المنتشرة بدءاً من تايوان، القدرة على شن حملة ضد ممرات النقل البحري في شمال شرقي آسيا. كذلك سيتمكّن أسطول صيني مكوّن من الغواصات الهادئة الحاملة للصواريخ الباليستية والقادرة على الوصول إلى مياه المحيط المفتوحة، من تهديد الولايات المتحدة القارية بشكل أكثر جدية بواسطة هجوم نووي قد يُشن من البحر.
بالطبع، لا يزال متوجباً التيقّن من مدى قدرة الصين على اكتساب التقنيات الكاتمة للصوت الأكثر تقدماً، أو إيجاد حلول لعدد من المشكلات التي ألمّت بغواصاتها التي تعمل بالطاقة النووية. وكذلك يبقى النقاش مفتوحاً على أهمية القدرات النووية البحرية والمضادة للسفن، لأن تأثيرها النسبي سيعتمد على القدرات الأخرى التي قد تطورها أو لا تطورها الصين، وعلى الأهداف الاستراتيجية التي تسعى الصين إلى تحقيقها في المستقبل. ومع ذلك، فمن المفيد التعلم من سلوك القوى العظمى السابقة. لقد استثمرت ألمانيا النازية والاتحاد السوفياتي بشكل كبير في الغواصات الهجومية، وعمد الأخير إلى استثمار مماثل في غواصات الصواريخ الباليستية. نتيجة لذلك، شعر الخصوم الديمقراطيون للبلدين بتهديد شديد من هذه القدرات المنتشرة تحت سطح البحر وبذلوا جهوداً هائلة لتحييدها. بالتالي، فإن استيلاء الصين على تايوان قد يوفر لبكين الخيار العسكري الذي استفادت منه قوى عظمى سابقة كثيرة.
لا توجد خيارات جيدة
من الواضح أن الفهم الكامل للقيمة العسكرية لتايوان يعزز الحجة لمصلحة إبقاء الجزيرة في أيدٍ صديقة. ومع ذلك، فإن مدى كون هذه الحجة حاسمة يعتمد جزئياً على الاستراتيجية الشاملة التي تنتهجها الولايات المتحدة في آسيا. وبغض النظر عن النهج الذي تتبناه واشنطن، سيتعين عليها مواجهة التحديات والمعضلات الناشئة عن المزايا العسكرية التي يمكن لتايوان أن تمنحها لمن يسيطر عليها.
إذا حافظت الولايات المتحدة على استراتيجيتها الحالية في احتواء الصين، والاحتفاظ بشبكة تحالفاتها والوجود العسكري المتقدم في آسيا، فقد يكون الدفاع عن تايوان مكلفاً للغاية. وفي النهاية، تمنح القيمة العسكرية للجزيرة الصين دافعاً قوياً في السعي إلى ضمها، بعيداً من الدوافع القومية الأكثر شيوعاً. لذا، قد يتطلب ردع بكين التخلي عن سياسة الغموض الاستراتيجي الأميركية القديمة العهد حول ما إذا كانت واشنطن ستدافع عن الجزيرة لمصلحة التزام واضح تماماً بدعمها عسكرياً.
في المقابل، قد يؤدي إنهاء الغموض الاستراتيجي إلى إثارة الأزمة ذاتها التي صُمّمت سياسة الغموض هذه لمنعها، إذ يكاد يكون مؤكداً أن إنهاء هذا الغموض سيزيد الدفع باتجاه سباق تسلح بين الولايات المتحدة والصين تحسباً للصراع، ما يزيد حدة المنافسة المحفوفة بالمخاطر سلفاً بين القوتين. وحتى إذا نجحت سياسة الوضوح الاستراتيجي في ردع محاولة صينية للاستيلاء على تايوان، فمن المحتمل أن تحفز [سياسة الوضوح] الصين على تعويض نقاط ضعفها العسكرية بطريقة أخرى، ما يزيد من حدة التوترات.
بدلاً من ذلك، قد تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيق وضع أمني أكثر مرونة يلغي التزامها تجاه تايوان، مع الحفاظ على تحالفاتها بموجب المعاهدات وبعض القوات العسكرية المنتشرة في آسيا. من شأن هذا النهج أن يخفض فرص نشوب نزاع على تايوان، لكن ستكون له كُلف عسكرية أخرى، مرة أخرى بسبب القيمة العسكرية للجزيرة. ستحتاج القوات الأميركية إلى تنفيذ مهماتها في ساحة أصبحت أكثر خطورة بسبب الغواصات الصينية والهيدروفونات المنتشرة قبالة الساحل الشرقي لتايوان. نتيجة لذلك، قد تحتاج الولايات المتحدة إلى تطوير وسائل تمويه، هدفها خداع أجهزة الاستشعار الصينية، أو ابتكار طرق للعمل خارج النطاق الطبيعي لتلك الأجهزة، أو الاستعداد لقطع الكابلات التي تربط هذه المستشعرات بمراكز المعالجة البرية في حالة الحرب. من شبه المؤكد أن واشنطن تريد تكثيف جهودها لتعطيل الأقمار الاصطناعية الصينية.
إذا اتبعت الولايات المتحدة هذا النهج، فستصبح طمأنة حلفاء الولايات المتحدة مهمة أكثر صعوبة. تحديداً لأن السيطرة على تايوان ستمنح بكين مزايا عسكرية كبيرة، فمن المرجح أن تطالب اليابان والفيليبين وكوريا الجنوبية بوجود شكل قوي وظاهر في استمرار التزام الولايات المتحدة. وستخشى اليابان، على وجه الخصوص، من أن ضعف قدرة الولايات المتحدة على النشاط في بحر الفيليبين قد يؤدي إلى تنامي التهديد الصيني أو تعزيز قدرة بكين الهجومية، لا سيما بالنظر إلى قُرب جزر اليابان في أقصى جنوب تلك البلاد، من تايوان.
على المدى الطويل، من المحتمل أيضاً أن يخشى حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة من التهديد الصيني المتزايد لطرق النقل البحري، وإمكانية أن يؤدي تزايد الردع النووي الصيني بحراً إلى التقليل من مصداقية التزامات الولايات المتحدة الدفاع عنهم ضد أي هجوم. من شبه المؤكد أن يؤدي توقع هذه المخاطر إلى دفع حلفاء الولايات المتحدة إلى السعي للحصول على مزيد من الضمانات من الولايات المتحدة في شكل اتفاقات دفاعية أكثر صرامة ومساعدة عسكرية إضافية وانتشار أكثر وضوحاً للقوات الأميركية في المنطقة، بما في ذلك القوات النووية على أراضي الحلفاء أو بالقرب منها، وربما التعاون مع حكوماتهم في التخطيط النووي. في هذه الحال، قد يصبح شرق آسيا شبيهاً إلى حد كبير بأوروبا في المراحل الأخيرة من “الحرب الباردة”، حين طالب الحلفاء الولايات المتحدة بإظهار التزامها في مواجهة الشكوك حول توازن القوى العسكري. إذا كان لـ”الحرب الباردة” أن تكون دليلاً، فإن مثل هذه الخطوات يمكنها رفع مخاطر التصعيد النووي في أزمة أو حرب.
أخيراً، قد تنتهج الولايات المتحدة استراتيجية تنهي التزامها تجاه تايوان وتقلل أيضاً من وجودها العسكري في آسيا والتزاماتها الأخرى تجاه التحالف في المنطقة. قد تحدّ مثل هذه السياسة من الدعم العسكري الأميركي المباشر دفاعاً عن اليابان، أو قد تلغي حتى جميع التزامات الولايات المتحدة في شرق آسيا. ولكن حتى في هذه الحال، فإن القيمة العسكرية المحتملة لتايوان بالنسبة إلى الصين ستظل قادرة على خلق ديناميكيات إقليمية خطيرة. وكذلك قد يغدو محتملاً أن تعمل اليابان التي تخشى أن تكون بعض جزرها هي الهدف الصيني التالي، على القتال دفاعاً عن تايوان، حتى لو لم تفعل الولايات المتحدة ذلك. قد تكون النتيجة نشوب حرب بين القوى العظمى في آسيا، وذلك قد يجتذب الولايات المتحدة طواعية أو لا. ويمكن لمثل هذه الحرب أن تكون مدمرة. مع ذلك، فإن الإخلال بالتوازن الحساس الحالي عبر التنازل عن هذه الجزيرة ذات القيمة العسكرية قد يجعل مثل تلك الحرب أكثر احتمالية، ما يعزز الحجة الأساسية للإبقاء على الاستراتيجية الأميركية الكبرى الحالية المستندة إلى أن التزام الولايات المتحدة بتحالفاتها الإقليمية ووجودها العسكري المتقدم له تأثير رادع، ويلجم الصراع في منطقة.
في النهاية، على الرغم من ذلك، تطرح القيمة العسكرية الفريدة لتايوان مشكلات لجميع الاستراتيجيات الثلاث الكبرى للولايات المتحدة. فسواء عززت الولايات المتحدة التزامها تجاه تايوان وحلفائها في آسيا أو تخلت عنهم، كلياً أو جزئياً، فإن احتمال تغيير الجزيرة للتوازن العسكري للمنطقة سيجبر واشنطن على مواجهة مقايضات صعبة تتمثل في الاختيار بين التخلي عن قدرتها على المناورة العسكرية في المنطقة أو المخاطرة بسباق تسلح أو حتى صراع مفتوح مع الصين. تصف المعطيات الواردة آنفاً الطبيعة المروعة للمعضلة التي تطرحها تايوان التي تقع في صلب العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، والجغرافيا السياسية والتوازن العسكري في آسيا. وبغض النظر عن الاستراتيجية الكبرى التي تنتهجها واشنطن، فستطرح القيمة العسكرية للجزيرة بعض المخاطر أو تفرض بعض الأثمان.
* بريندان ريتنهاوس غرين، أستاذ مساعد في العلوم السياسية في “جامعة سينسيناتي”
** كيتلين تالمادج، أستاذ مساعد في “الدراسات الأمنية” في “كلية والش للشؤون الخارجية” في “جامعة جورجتاون”
فورين آفيرز يونيو (حزيران)/ يوليو (تموز) 2022
المصدر: اندبندنت عربية