ديفيد ماكوفسكي
بعد استقالة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، هل يتمكن الائتلاف الحاكم إيجاد تشكيل أكثر قابلية للتطبيق؟ وما هي فرص رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو للعودة إلى السلطة؟
“يستند هذا المرصد السياسي إلى الرؤى المكتسبة خلال مشاركة المؤلف في حدثين أخيرين لمعهد واشنطن، هما: رحلة دراسية لأمناء المعهد إلى إسرائيل ورام الله، والتي تضمنت اجتماعات مع العديد من كبار المسؤولين الحكوميين، ومنتدى سياسي افتراضي مع الزميل دينيس روس، تم بثه من واشنطن في 23 حزيران/يونيو. وسيتم تغطية الرؤى الإضافية النابعة من هذين الحدثين في إصداريْن لاحقين”.
في الأيام المقبلة، يستعدّ الكنيست الإسرائيلي لاتخاذ خطواتٍ من شأنها إطلاق الانتخابات الوطنية الخامسة التي تجري في البلاد في غضون ثلاث سنواتٍ ونصف. ولمواجهة احتمال قيام البرلمانيين المترددين داخل الإئتلاف الهش لرئيس الوزراء نفتالي بينيت بفَرض إجراء انتخاباتٍ مبكرة على أي حال، سعى بينيت إلى استباق مثل هذه الخطوة من خلال المباشرة بترك المنصب وتسمية خلفه. ففي 20 حزيران/يونيو، أعلن أنه سيتنحى لصالح وزير الخارجية يائير لبيد. وأشاد الكثيرون بروح الزمالة التي يتمتع بها في نقل المسؤولية، وإبراز تركيزه على سياسة التوافق، وتوحيد التصريحات والبيانات خلال فترة عام واحد من ولايته التي اتسمت بإنجازاتٍ عديدة جديرة بالملاحظة.
وسيؤدي القرار إلى تحويل الائتلاف الأكثر تنوعاً من النواحي الإيديولوجية والإثنية والدينية في تاريخ إسرائيل إلى حكومة تصريف أعمال بقيادة لبيد – وستكون هذه أيضاً المرة الأولى منذ عام 2009 التي سيقود فيها الدولة شخص لا ينتمي إلى اليمين. وعلى الرغم من أن هذه الحكومة ستتمتع بسلطة تنفيذية كاملة، إلا أنها لن تكون قادرة على تمرير أي قوانين جديدة في الكنيست بمفردها. ومع ذلك، نظراً للصعوبة التي واجهتها إسرائيل في تشكيل الحكومات في السنوات الأخيرة، فقد يبقى لبيد زعيماً مؤقتاً لأشهرٍ بعد موعد الانتخابات المتوقَّع عقدها في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر.
“حرب الخنادق” السياسية القادمة
لقد تم أساساً رسم خطوط المعركة في هذه الانتخابات، فزعيم “حزب الليكود” بنيامين نتنياهو مصمم على العودة إلى الحكم، وقد أظهرَ عبر استطلاعات الرأي أن جاذبيته العامة لم تتضاءل بسبب تيهه في صحراء السياسية لمدة عام. وعلاوةً على ذلك، يتبع اليمين السياسي في إسرائيل تقليداً يتمثل في إجلال قادته والولاء لهم، حيث لم يدعم سوى أربعة من حاملي رايته منذ عام 1949 هم: مناحيم بيغن، وإسحاق شامير، وأريئيل شارون، ونتنياهو، وهو رئيس الوزراء الأطول خدمة في البلاد.
للأسف، لجأ نتنياهو وأنصاره إلى تكتيكات مثيرة للجدل للغاية من أجل تأمين تحقيق هدفهم المعلَن والمتمثل في إسقاط حكومة بينيت. فقد مورِسَ ضغطٌ هائلٌ على النواب المترددين المتواجدين على أطراف الائتلاف، وشملَ ذلك تنظيم مظاهرات خارج منازلهم والاستهزاء العلني بأطفالهم. ومن المعروف أن نتنياهو نفسه اتصل بحاخامات محليين على أمل أن يضغطوا على عائلات هؤلاء السياسيين. كما ارتبط بشكل منافق مع أعضاء يساريين من المعارضة لمنع تمرير قوانين كان من شأنها أن تعود بالفائدة على المستوطنين اليهود في الضفة الغربية الذين طالما تعهّد بدعمهم – وهي مناورة أثبتت أنها القشة التي قصمت ظهر البعير لأحد أعضاء حزب بينيت، والذي أدى انشقاقه إلى استقالة رئيس الوزراء.
ويشير الآن أعضاء ائتلاف المعارضة بقيادة “الليكود” إلى أنهم إذا فازوا بأغلبية 61 مقعداً في الكنيست المكوّن من 120 مقعداً – وهو الهدف الذي استعصى عليهم في الانتخابات الأربع السابقة – فسوف يمررون تشريعاً يعزل نتنياهو عن محاكمته الجارية بشأن الفساد وتغيير معايير الاختيار لـ “المحكمة العليا الإسرائيلية”. ومن المرجح أن يضمن حدوث مثل هذه السيناريوهات تكاتف معظم الكتلة المناهضة لنتنياهو أو كلها في الدورة الانتخابية المقبلة، على اعتبار أن ذلك يشكّل السبيل الوحيد لتجنُّب اهتراء المؤسسات الديمقراطية الأساسية.
وبالنظر إلى نطاق هذا المأزق السياسي، ليس من المتوقّع أن يتعرّض أحد لأي ضربة قاضية – بدلاً من ذلك، من المرجح أن تنخرط الأطراف في المُعادل السياسي لـ “حرب الخنادق”. وتشير استطلاعات الرأي حالياً إلى أنه إذا أُجريت الانتخابات اليوم، سيحصد المعسكر المؤيد لنتنياهو 59 مقعداً وسيذهب 55 مقعداً لمعارضيه، بينما ستكون المقاعد الستة المتبقية من نصيب “القائمة المشتركة” ذات الأغلبية العربية، التي من غير المرجح أن تنضم إلى أيٍ من المعسكرين. وبناءً على ذلك، سيُبذَل الكثير من الجهد لمحاولة زيادة نسبة المشاركة في الانتخابات، أو التأثير على جزءٍ صغيرٍ نسبياً من الناخبين المعتدلين من أجل بلوغ 61 مقعداً.
نتنياهو ضد لبيد أم عباس ضد بن غفير؟
في أغلب الاحتمالات، ستفضّل كلتا الكتلتين اتباع التكتيك نفسه في حملتيْهما وهو: تحديد الشخصية الأكثر إثارةً للجدل لدى الطرف الآخر وتصويرها كصانعة ملوك، على أمل تخويف ما يكفي من المعتدلين لتغيير مواقفهم. ولا شك أن معسكر نتنياهو سيواصل سلوك نهجه الفعال المتمثل في التساؤل عما إذا كان ينبغي أن يكون حزبٌ عربيٌ إسرائيليٌ ذو توجه إسلامي – أي “القائمة العربية الموحدة” بقيادة منصور عباس، الذي عضو رئيسي في تحالف بينيت ولبيد – شريكاً كاملاً في أي حكومة. ولتحقيق هذه الغاية، سيسعى نتنياهو إلى ربط خصومه السياسيين بعباس، بينما يتهمه بالسعي سراً لتقويض الدولة. وغالباً ما نجح نتنياهو في الضرب على وتر أكبر مخاوف الناخبين.
إلا أنّ هذه الاستراتيجية تنطوي على بعض المخاطر. فسيتذكر العديد من الناخبين أن نتنياهو نفسه استدرج عباس للانضمام إلى حكومته الأخيرة، وهي خطوة رفضها أعضاء متشددون في الائتلاف اليميني. وعلاوةً على ذلك، أصبح عباس يتمتع بشعبية في إسرائيل بسبب سلوكه المرضي وتعهداته العلنية الشجاعة بالامتناع عن تحدي الطابع اليهودي للدولة. كما أن الانتخابات السابقة أعطت درساً لنتنياهو بأن إثارة الخوف بشأن دور الإسرائيليين العرب يمكن أن يثير بسهولة ردود فعل عنيفة تزيد من نسبة الإقبال على الانتخابات في هذا المجتمع ضده.
أما بالنسبة للكتلة المناهضة لنتنياهو، فمن المتوقع أن تركّز اهتمامها على الشخصية اليمينية الأكثر استقطاباً وهي: إيتمار بن غفير، الذي هو تلميذ مائير كاهانا، النائب السيئ السمعة الذي حُرم من عضوية الكنيست في ثمانينيات القرن الماضي بسبب عنصريته الشرسة ضد العرب. ويتمثل أسلوب بن غفير في إقحام نفسه في شجارات عالية المستوى مع العرب والإعلان أنهم مجرد “ضيوف” في إسرائيل. وعلى الرغم من أن تكتيكاته تُفزع معظم الناخبين، إلا أن ظاهرة جديدة تبرز في هذه الدورة الانتخابية الوشيكة، إذ تشير استطلاعات الرأي إلى أنه، وللمرة الأولى، لم يعُد الشباب الذكور المتدينون، وخاصة أولئك الذين صوتوا سابقاً لحزب “شاس”، يستمعون إلى التوصيات السياسية التي يعطيها قادتهم الدينيون، وينجذبون بدلاً من ذلك إلى خطاب المواجهة الذي يعتمده بن غفير. وبعد أن كان هذا الفصيل ذات يومٍ كتلة متقلّبة، أصبح الآن يأخذ منحًى يمينياً متشدداً وينمو – بما في ذلك ديموغرافياً. وما يثير الذهول هو أن حزب بن غفير يحتل المركز الثالث في استطلاعات الرأي الحالية. لذلك، سارعَ لبيد إلى التأكيد هذا الأسبوع على أن التصويت لنتنياهو هو بمثابة تصويت لبن غفير، محذّراً المواطنين من أن محرّضي اليوم سيمسكون بزمام ميزان القوى – ووزارة رفيعة المستوى – في حكومة ضيّقة للغاية.
توسيع الكتلة المناهضة لنتنياهو أم مجرد إعادة ترتيب؟
بينما أثبتت كتلة نتنياهو أنها متماسكة جداً، تَكثر الأسئلة المتعلقة بمجموعتين قائمتين ضمن الكتلة المناهضة لنتنياهو. فمن الناحية النظرية، سيحظى العناصر اليمينيون المعتدلون في معسكر بينيت/لبيد بالفرصة الأفضل لاستمالة الناخبين بعيداً عن نتنياهو نظراً إلى قربهم الإيديولوجي. لكن يبدو أنهم في حالة من الفوضى في الوقت الحالي. ويشير بينيت إلى أنه يريد قضاء بعض الوقت بعيداً عن السياسة بعد مرور عامٍ صعب، ويبدو الآن أن جزءاً كبيراً من القاعدة التي صوتت لـ “حزب يمينا” الذي يتزعمه أصبح أكثر انسجاماً مع المعارضة.
إذا انسحب بينيت، فسيبدو وزير العدل جدعون ساعر مناسباً لقيادة هذا المعسكر، بما أن أعضاء “حزب الأمل الجديد” الذي يرأسه انفصلوا عن “حزب الليكود”، وقد وُصفوا مراراً وتكراراً بأنهم “محافظون يتمتعون بضميرٍ حي”، وقاوموا بثبات مناشَدتهم بالعودة. وفي الواقع، أثبتت المقاعد الستة التي فازوا بها العام الماضي أنها حاسمة في ترسيخ حكومة بينيت الناشئة. إلا أن استطلاعاً أجراه “المعهد الإسرائيلي للديمقراطية” في أيار/مايو رسمَ صورةً لا توحي بالتفاؤل: ففي حين قال 60 في المائة من المستطلَعين الذين صوّتوا لصالح “حزب الأمل الجديد” إنهم راضون عن أداء الحزب، لم يقُلْ سوى 18 في المائة إنهم سيصوّتون له مرة أخرى. وعلى نحوٍ مماثل، أشار 36 في المائة فقط من المستطلَعين المؤيدين لـ”حزب يمينا” إلى أنهم سيختارون حزب بينيت مجدداً. ويُفترَض أن العديد من هؤلاء الناخبين سيعودون إلى تأييد “حزب الليكود”، مما يفسّر التقدّم الذي أحرزه نتنياهو مؤخراً في نتائج استطلاعات الرأي. وإذا لم يتمكن اليمين المعتدل من عَكس منحى هذا الشعور، فقد لا تحظى الكتلة المناهضة لنتنياهو بأي سبيل يقودها إلى النصر.
ومع ذلك، يمكن أن يعطي منصور عباس و”القائمة العربية الموحدة” سبباً إضافياً يحيي الأمل في صفوف الائتلاف. فوفقاً للاستطلاع المذكور أعلاه، فإن ما يُقدَّر بنحو 66 في المائة من ناخبيه راضون عن أدائه (لا سيما الزيادة التي قادها في دعم الميزانية للمجتمعات العربية والبدو)، ويخطِّط 77 في المائة للتصويت للحزب مجدداً، مقارنةً بـ 58 في المائة من بين مؤيدي “القائمة المشتركة”. علاوة على ذلك، فازت “القائمة العربية الموحدة” بأربعة مقاعد في الانتخابات الأخيرة عندما لم تتجاوز نسبة العرب المشاركين 45 في المائة – أي أقل بـ 20 نقطة كاملة من الجولة السابقة. لذلك يراهن عباس على أن مجموع مقاعده سيرتفع بشكل ملحوظ إذا زاد الإقبال العربي؛ وقد يحظى أيضاً بتأييد الناخبين اليهود الذين يقدّرون دعمه للطابع اليهودي الذي تتسم به الدولة.
ومع ذلك، سيحتاج عباس إلى معرفة كيفية التغلب على التحدي الذي نشأ في الانتخابات الأخيرة – أي عندما قام فصيلان عربيان متنافسان بشن حملة انتخابية ضد بعضهما البعض (“القائمة العربية الموحدة” ضد “القائمة المشتركة”)، بقي العديد من الناخبين العرب في منازلهم بسبب عدم رضاهم عن انعدام الوحدة. والتحدي الآخر هو وفاة سعيد الخرومي، الذي كان يشكل رابطاً برلمانياً رئيسياً بين “القائمة العربية الموحدة” وبدو النقب الذين قدّموا للحزب ما يقرب من 30 في المائة من أصواتهم. وفي غضون ذلك، يعمد مازن غنايم، وهو نائب ينتمي إلى ائتلاف “القائمة العربية الموحدة” وكان يتمتع بقاعدة عربية قوية في البلديات، إلى ترك الحياة السياسية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ما إذا كان عباس قادراً على استبدال هذه الشخصيات بأشخاصٍ يشاركونه رؤيته المتمثلة في التركيز على الخدمات الحكومية بدلاً من تحدي طابع الدولة. وقد يبحث أيضاً عن مرشحين يمثّلون جيلاً أصغر من الإسرائيليين العرب؛ فوفقاً لاستطلاعات الرأي، هناك حماسة أكبر لدى هذه الفئة الديمغرافية للاندماج في المجتمع الإسرائيلي.
ديفيد ماكوفسكي هو زميل “زيغلر” المميز في “مشروع كوريت” التابع لمعهد واشنطن حول “العلاقات العربية الإسرائيلية” ومنتج برنامج البث الصوتي “نقاط القرار”.
المصدر: معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى