عبد الله البشير
تتزايد مخاطر الإصابة بالحمى المالطية في سورية، خاصة مع ارتفاع عدد الإصابات بها إلى 215 إصابة منذ مطلع العام الحالي، في محافظة السويداء جنوبي البلاد، وسط تحذيرات من تفاقم الوضع، لا سيما مع اضطرار المصابين إلى شراء الدواء على نفقتهم الخاصة.
وشهدت السويداء تسجيل 80 إصابة بالحمى المالطية خلال شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران الجاري. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإنّ الحمى المالطية أو “داء البروسيلات” هو داء بكتيري، يصيب قطعان الماشية، والكلاب، وينتقل للبشر عن طريق اختلاطهم بالحيوانات المصابة أو تناولهم منتجاتها الملوثة أو شربها، أو عن طريق استنشاق العوامل المسببة للداء والمنقولة بالهواء، علماً بأنّ معظم حالات الإصابة به سببها تناول أنواع الحليب أو الأجبان غير المبسترة المشتقة من حيوانات الماعز أو الأغنام المصابة بالعدوى.
والدواء الخاص بعلاج الحمى المالطية غير كافِِ لتغطية كافة المصابين، والحصول عليه أمر مكلف للغاية، وهذا بسبب التقصير من قبل حكومة النظام السوري في إيجاد حلول لهذه الأزمة، وأزمات أخرى، منها تفشي الليشمانيا في المحافظة، وفق ما يقول سكان من المنطقة.
وحذر الدكتور إميل هنيدي، مسؤول برنامج مكافحة اللشمانيا والأمراض الطفيلية، ورئيس شعبة الأمراض السارية والمزمنة في السويداء، من ارتفاع معدل الإصابات بها، مبيّناً، في حديث لصحيفة “الوطن” الموالية للنظام، أمس الأربعاء، أنّ عدم الغلي الجيد للحليب وخاصة عند صنع الألبان هو سبب رئيسي لتفشي الحمى.
ولخص هنيدي المشكلة الأساسية بعدم توفر الدواء المناسب من قبل وزارة الصحة لتغطية الإصابات، إذ يتجه المرضى لشراء الأدوية على نفقتهم الخاصة، مشيراً إلى أنّ حبة “الريفا” وهي من بين الأدوية اللازمة لعلاج الحمى، يصل سعر الواحدة منها إلى عشرة آلاف ليرة، وقد يحتاج المريض 100 حبة، لافتاً إلى حاجة المريض أيضاً لنحو 5 حقن من “الستربوتوماسين” وهو نوع كذلك من الأدوية اللازمة للعلاج، وتكلفة الحقنة الواحدة 90 ألف ليرة. (الدولار يساوي 4020 ليرة).
وتابع “يتم تأمين ربع حصة الدواء عن طريق الوزارة للكبار والصغار، لكن ارتفاع أعداد المرضى واستهلاك الكميات يؤديان إلى لجوء المرضى لشرائه على نفقتهم الخاصة”.
ويتطلب التصدي للحمى المالطية لكي لا تتحول إلى وباء، وفق هنيدي، غلي الحليب ومعالجة الأغنام المصابة، موضحاً أنّ “الأعراض المخفية والمقنعة وهي الأخطر لأنها تسبب إصابات موضوعية خطيرة في المفاصل والظهر وأحياناً بالدماغ، إضافة إلى أعراض عامة من الحمى والحرارة والوهن والأعراض الهضمية”.
وإضافة للحمى المالطية، يعاني سكان السويداء من أزمة الإصابات بداء الكلب، وعدم توفر اللقاحات والمصل المضاد بالكميات المطلوبة. وبلغ عدد المصابين من الكلاب منذ مطلع العام 291 مراجعاً؛ منهم 201 عولجوا باللقاح، و40 مريضاً عن طريق المصل، كما أشار هنيدي، محذراً من انتشار الليشمانيا أيضا.
بدوره، أكد الناشط الإعلامي بالسويداء ريان معروف، لـ”العربي الجديد”، أنّ هناك ارتفاعاً واضحاً في الإصابات بالحمى المالطية، ففي عام 2020 تم تسجيل حوالي 200 إصابة، وحالياً منذ 6 أشهر تم تسجيل ما يزيد عن 200 إصابة، وفق إحصائيات مديرية الصحة.
وأضاف معروف، أنّ تراجع الكهرباء بشكل كبير والنقص الحاد في الغاز عاملان رئيسيان في تزايد انتشار الإصابات، وذلك كون المسبب الرئيسي للإصابة بالحمى المالطية عدم غلي الحليب بشكل كاف، ونقص الكهرباء والغاز بات يدفع الأهالي إلى محاولة التقنين بقدر الإمكان.
وبالنسبة لإجراءات حكومة النظام السوري لمواجهة المرض، أوضح معروف: “الدولة بشكل عام في سورية فقدت دورها المفترض، فقد كان تقصيرها في توفير الخدمات الرئيسية كالكهرباء والغاز وحتى المياه، سبباً مباشراً لتزايد الإصابات، إلى جانب عجزها عن تأمين أدوية الاستطباب اللازمة لمعالجة الإصابات، وبالتالي يضطر المصابون لشراء الأدوية على حسابهم الخاص، وهذا النوع من الأدوية أسعاره مرتفعة، ويحتاج المريض لمئات آلاف الليرات، لتأمين الأدوية اللازمة في العلاج، في وقت يعيش فيه السكان ظروفا اقتصادية خانقة”.
ووفق الموقع الرسمي لوزارة الصحة في حكومة النظام السوري، هناك مركز وحيد لمعالجة الحمى المالطية يقع في مدينة السويداء وهو مركز “شعبة الأمراض المشتركة”، بينما يخضع مصابو داء الكلب للعلاج في “مشفى الشهيد زيد الشريطي” وهو المركز الوحيد في المحافظة أيضاً.
وارتفاع عدد الإصابات بالحمى المالطية مرتبط بقضية الغاز المنزلي، كما بين خضر أبو ريان، من سكان مدينة السويداء، لـ”العربي الجديد”، فنقص الغاز المنزلي وعدم توفره يجعل من الصعب غلي الحليب بشكل جيد، والأهالي يعلمون أن هذا الأمر قد يسبب لهم الأمراض، لكن لا حلول أمامهم، مضيفاً: “هناك أزمة المياه أيضاً التي تعاني منها مدينة السويداء ومعظم مدن وبلدات المحافظة تزامناً، فضلاً عن أزمة النفايات والقمامة التي تسببت بانتشار الليشمانيا والحشرات”.
بدوره، قال المواطن ضياء عزكول، معلقاً على انتشار الحمى المالطية في المحافظة، إنه من الطبيعي انتشار الحمى، كون الأجبان والألبان لا يتم غليها بشكل جيد والسبب عائد لعدم توفر الغاز، والمحلات تبيع الأجبان بدون غلي الحليب، لذلك يجب غليه في البيت بعد شرائه.
والبروسيلة المالطية من أكثر الأنواع البكتيريا انتشاراً في أنحاء العالم بأسره والمسببة لداء البروسيلات البشري، ويُعزى ذلك جزئياً إلى مواجهة صعوبات في تمنيع حيوانات الماعز والأغنام الطليقة في المراعي الحرة.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، تستند الوقاية من داء البروسيلات إلى ترصد عوامل خطر الإصابة به والوقاية منه، وتتمثل أكثر استراتيجيات الوقاية منه فعالية في التخلص من عدواه في قطعان الحيوانات. ويوصى بتطعيم قطعان الماشية والماعز والأغنام في المناطق التي يتوطن فيها الداء بمعدلات انتشار عالية. ويمكن أيضاً أن تكون الاختبارات المصلية أو غيرها من الاختبارات وعمليات ذبح الحيوانات فعالة في المناطق التي تتدنى فيها معدلات انتشار الداء.
أمّا في البلدان التي يتعذر فيها استئصال الداء من قطعان الحيوانات بواسطة تطعيمها أو التخلص من المصابة منها بعدواه، فإن الوقاية من عدواه بين البشر ترتكز أساساً إلى إذكاء الوعي بخطره واتخاذ تدابير بشأن أمن الأغذية والنظافة الصحية المهنية ومأمونية العمل في المختبرات.
المصدر: العربي الجديد