صالح ملص | نسيبة علوني
تعد عملية الإيواء من خلال بناء مجمعات سكنية ضمن مساحة مسقوفة، لنقل حياة المهجّر من الخيمة غير الآمنة إلى منازل أسمنتية تساعده على حماية عائلته من الظروف الجوية الرديئة والآفات الحشرية، ضمن أهداف تحسين بيئة النزوح، من أبرز أعمال المنظمات الإغاثية، المحلية أو الأجنبية في الشمال السوري، حيث يعيش حوالي أربعة ملايين مهجّر، بمَن فيهم الذين يعيشون داخل المخيمات.
والوسائل المتاحة لزيادة تلك المساحة المسقوفة بزيادة أعداد المجمعات السكنية تُنفذ بدعم من الجهات المانحة الأجنبية، التي بدأت في السنوات الأخيرة ببناء مدن وبلدات جديدة لاستيعاب لاجئين من المتوقع نقلهم إلى الشمال السوري من تركيا.
وعلى الرغم من أن مشروع عودة مليون لاجئ سوري، الذي أعلنه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في أيار الماضي، لم يبدأ بعد، تشهد مناطق الشمال السوري نشاطًا عمرانيًا، سكنيًا أو خدميًا، تجهيزًا لإيواء اللاجئين، بإشراف مختلف الجمعيات والمنظمات والجهات المسؤولة عن إدارة هذه المشاريع السكنية، وبنائها وتمويلها أيضًا.
يرتبط ملف تأمين المأوى للمهجرين، الذي يتم بجهود إغاثية، بعدة قضايا مركبة ومتشابكة تتعلق بحماية حقوق الملكية العقارية داخل تلك المناطق، تتمثل أبرز أسباب تعقيده والهواجس المقترنة به في تعدد الجهات التي تدير السجل العقاري، وانهيار المؤسسات الحكومية ذات الصلة، وغياب البديل المؤسساتي الآمن، بالإضافة إلى ضياع وتلف وثائق الملكية لدى أغلبية المهجرين.
تناقش عنب بلدي في هذا الملف نشأة المجمعات السكنية التي تُشرف عليها منظمات تركية ممولة من منظمات أجنبية، بالإضافة إلى ملكية أراضي تلك المجمعات السكنية، وطريقة تسليم مساكن المجمعات لسكانها، وأنواع وثائق الملكية التي يمتلكها السكان ضمن هذه المجمعات، والجوانب القانونية المرتبطة بها.
الانتقال إلى سقف وحيطان..
حلم الاستقرار يصطدم بـ”واقع مرهق”
اضطرت علياء الحجي (24 عامًا) إلى تسليم الأرض التي كانت تستأجرها مقابل نصب خيمة عائلتها داخل مدينة سرمدا، الواقعة بالقرب من معبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا في ريف محافظة إدلب الشمالي.
جاء ذلك بعدما بدأ صاحب الأرض بطلب تفريغها من جميع الخيم التي كانت منصوبة فيها، ثم توجهت العائلات النازحة التي كانت مستأجرة الأرض، ومن بينها عائلة علياء الحجي، إلى مركز “التنمية والشؤون الإنسانية”، التابع للوزارة التي تحمل نفس الاسم في حكومة “الإنقاذ” العاملة بإدلب، وذلك من أجل التسجيل على المنازل التي سمعت ببدء بنائها في المنطقة من قبل المنظمات التركية لنقل قاطني المخيمات إليها.
تواصل مركز “التنمية” مع علياء الحجي ومع بقية النازحين الذين كانوا يسكنون في نفس الأرض، لنقلهم إلى منازل مخيم “الكمونة” في منطقة الكمونة القريبة من معبر “باب الهوى”.
“لم يمضِ على انتقالي إلى منازل (الكمونة) سوى شهرين ونصف، وطوال هذه الفترة يخرج مركز (التنمية) بدوريات تفتيش للتأكد من سكن العوائل نفسها التي تسلّمت المنازل”، وفق ما قالته علياء الحجي لعنب بلدي، التي أكدت عدم إبرام الإدارة أو المنظمات أي اتفاقية معها أو توقيعها على عقود حول ملكية المنزل أو قانونية بقائها فيه حتى الآن.
أخبر موظفو “التنمية” العائلات النازحة المنتقلة إلى مخيم “الكمونة” أنه عند مضي فترة ثلاثة أشهر على سكنهم في المنزل، سيتم إبرام اتفاقية بينهم وبين إدارة مركز “التنمية”، تنصّ على انتفاعهم بالشقق للسكن فقط، ولا يجوز بموجب بنود الاتفاقية تأجير المنزل من قبل ساكنيه، أو بيعه أو حتى الخروج منه دون إخطار إدارة المركز، وتُحفظ نسخة العقد لدى إدارة المركز فقط.
كهرباء معدومة
“بعد نزوحي من قريتي إلى الشمال السوري وتنقلي عدة مرات بين منازل استأجرتها، اضطررت إلى استئجار إحدى الأراضي في منطقة أطمة وبناء غرفة تؤويني مع عائلتي، لكنني لم أستطع الاستمرار في دفع إيجار الأرض”، هكذا وصف “علي” (33 عامًا)، وهو سائق يعمل في إحدى المنظمات التي تنشط بالشمال السوري، معاناته من حالة عدم الاستقرار التي عاشها بالتنقل بين المخيمات ومنازل “الطوب”.
أوضح “علي” (اسم مستعار لأسباب أمنية) لعنب بلدي، أن إدارة “التنمية” أعطت إشعارًا لكل من سجل بطلب للحصول على منزل من منازل مخيم “الكمونة”، للتوجه إلى المركز وتسلّم منازلهم.
يضم مخيم “الكمونة” قرية “محمد عاكف إنان”، التي تحتوي على منازل “طوب” مكوّنة من طابق واحد، أنشأتها إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد)، حيث يسكن في أحد منازلها “علي”، وقرية أخرى أنشأها وقف الديانة التركي، حيث تقطن علياء وعائلتها.
لكن من الناحية الخدمية، تفتقر المنازل الأسمنتية إلى شبكة تيار كهربائي، بحسب علياء و”علي”، ما اضطر العائلات إلى شراء ألواح طاقة شمسية من أجل الحصول على الكهرباء.
التمديدات ولوازم الألواح الشمسية متوفرة داخل المنازل، بحسب ما أشارت إليه علياء الحجي، التي كان على عائلتها فقط تأمين الألواح الشمسية المرتفعة الثمن، لكن داخل منزل “علي” لم تكن تلك التمديدات موجودة، الأمر الذي اضطره لتأمينها على حسابه الشخصي، أما الأشخاص الذين لا يملكون القدرة على شراء الألواح فيستعيضون عنها بالبطاريات.
سقف وحيطان
تواصلت عنب بلدي مع وزارة “الإدارة المحلية والخدمات” التابعة لحكومة “الإنقاذ” لسؤالها عن دورها في الإشراف على الخدمات المقدمة إلى المخيمات التابعة لها إداريًا، بالإضافة إلى الجهة التي تعود إليها ملكية أراضي تلك المخيمات، إلا أن عنب بلدي لم تتلقَّ أي رد حتى تاريخ إعداد هذا الملف.
تحدثت عنب بلدي في وقت سابق مع رئيس دائرة أملاك الدولة في حكومة “الإنقاذ”، عدنان القاسم، الذي قال حينها إن الحكومة لا تمنح أراضي أملاك الدولة للجمعيات، وإنما تُخصصها لـ”وزارة التنمية والشؤون الإنسانية”، لمصلحة منظمة أو جمعية بهدف إقامة مخيم، سواء كان كتلًا أسمنتية أو خيامًا.
وأكد القاسم أنه لا علاقة للجمعية أو المنظمة بالأرض، وإنما يُخصص الانتفاع لـ”وزارة التنمية”، مضيفًا أن منح الأرض للجمعية ليس بيعًا أو تأجيرًا أو هبة، بل هو تخصيص، ما يعني أن “رقبة العقار” تبقى أملاك دولة، والتخصيص فقط للانتفاع من العقار، وذلك ضمن شروط.
وتُحدد الغاية من التخصيص والمدة وبقية التفاصيل في “منطوق” قرار التخصيص.
وأشار القاسم إلى أن أغلب الأراضي التي تُخصص من أملاك الدولة هي جبال وأراضٍ صخرية، ولا توجد أراضٍ زراعية، ومع ذلك تكشف لجنة من دائرة أملاك الدولة و”وزارة التنمية” على الأرض قبل تخصيصها.
وبحسب تقرير صادر عن “وحدة تنسيق الدعم”، المسؤولة عن تنسيق عمليات الإغاثة الإنسانية في سوريا، فإن معظم المجمعات السكنية تحتاج إلى جهة مدنية تديرها وتنظم الخدمات ضمنها.
وتفتقر أغلبية هذه المجمعات إلى البنى التحتية الكافية والمعايير الخدمية اللازمة من أجل توفير الحاجات الأساسية لساكنيها، وفق التقرير الصادر في نيسان الماضي.
تذمر “علي” من حال المنزل عندما تسلّمه، بقوله إن “الشقة سقف وحيطان على العظم، ولو لم ينعم الله عليّ قليلًا وأستطيع أن أعدّل على أرضية البيت وحيطانه، لكان وضعه مزريًا، والله يعين الناس الذين ليس بمقدورهم تحسين بيوتهم”.
وتحتوي المنازل على بنية تحتية من شبكة مياه متصلة بخزانات مياه، تُعبّأ من قبل الأهالي كل فترة، رغم وجود بئر أُنشئت مع بداية إنشاء المشروع، واستُثمرت من قبل منظمة محلية في البداية لمدة ستة شهر، إلا أن هذه البئر لم تدخل بالخدمة حتى الآن.
أجرت عنب بلدي استطلاعًا للرأي عبر موقعها الإلكتروني، بشأن ما إذا كانت المشاريع السكنية في الشمال السوري قادرة على تلبية احتياجات المأوى للاجئين العائدين من تركيا.
شارك في الاستطلاع 280 مستخدمًا، 64% من المصوّتين يرون بأن هذه المشاريع السكنية لن تسهم في تأمين احتياجات المأوى للاجئين، بينما 36% من المصوّتين يعتقدون أن مثل هذه المشاريع السكنية تسهم في تأمين الاحتياجات الأساسية للاجئين.
رحلة البحث عن أصحاب الأرض
بدأت مشاريع المنظمات التركية في قطاع السكن والمأوى بمناطق الشمال السوري بالانتشار لأول مرة في مطلع عام 2020، ضمن محافظة إدلب، بقصد إسكان الأهالي النازحين من مختلف المدن السورية، والقاطنين في المخيمات العشوائية في مناطق الشمال، لمحاولة التقليل من معاناتهم وسط الخيام.
أحد هذه المشاريع كان برعاية هيئة الإغاثة الإنسانية التركية (İHH) في محافظة إدلب وشمالي حلب، من خلال إتمام بناء 2000 بيت أسمنتي، وشمل البيت صالونًا وغرفة واحدة، ضمن حملة “كن سقفًا للمظلوم”، التي كانت تهدف لإسكان عشرة آلاف أسرة نازحة في إدلب من خلال بناء 15 ألف منزل.
البيوت الأسمنتية التي بدأتها هيئة الإغاثة التركية بتلك الحملة في مناطق الشمال السوري، ازدادت حتى وصلت اليوم إلى حوالي 18 ألف بيت كبديل للنازحين عن خيامهم، ولتوفير الحد الأدنى من الاحتياجات الإنسانية لهم.
وفي مطلع حزيران الماضي، قال وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، إن عدد المنازل التي أُنشئت حتى الآن وصل إلى حوالي 60 ألف منزل، في 259 نقطة بشمالي سوريا.
جاء ذلك في الاجتماع المنعقد في العاصمة أنقرة، للتعريف بمشروع 100 ألف منزل “طوب” في إدلب.
وأوضح الوزير أن 45 ألفًا و903 من هذه المنازل أُنشئت في منطقة إدلب، وحوالي 14 ألفًا منها في منطقتي علميات “درع الفرات” (ريف حلب) و”غصن الزيتون” (عفرين)، بحسب ما نقلته وكالة أنباء “الأناضول” التركية.
وبحسب ما رصدته عنب بلدي في ريف حلب، فإن المنازل التي أُنشئت ضمن تلك المناطق لم تُسكن بعد من قبل الأهالي، بعكس المنازل التي بُنيت في منطقة إدلب.
وضمن أحدث تصريح له، في 26 من حزيران الماضي، أعلن صويلو عن العدد الكلي للمنازل التي تعمل الحكومة التركية على الانتهاء من إنشائها في مناطق مختلفة بالشمال السوري، بإشراف عدة منظمات تركية، مع حلول نهاية العام الحالي، حيث يهدف للانتهاء من المشروع الذي يحتوي على 100 ألف في مدينة إدلب، وفق ما نقلته صحيفة “TRT Haber“.
أما في مدن جرابلس، والباب، واعزاز بريف حلب، بالإضافة إلى مدينة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، ومدينة رأس العين في ريف الحسكة، فتعمل الحكومة التركية بالتعاون مع عدة منظمات، لإنشاء 240 ألف منزل.
وفي زيارته الأخيرة إلى مدينة تل أبيض الواقعة عند الحدود مع تركيا شمالي الرقة، في 18 من حزيران الماضي، لتفقد مشروع بناء وحدات سكنية فيها، بإشراف إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد)، أوضح صويلو أن مساحة الأرض المخصصة للمشروع في مدينة تل أبيض تبلغ 1200 دونم.
تنسيق مسبق مع المجالس
أبرز الجهات التركية التي تُشرف على بناء المشاريع السكنية في الشمال السوري، بحسب تصريحات وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، هي منظمة “İHH”، ومنظمة “آفاد”، ووقف الديانة التركي، و”الهلال الأحمر التركي”.
تواصلت عنب بلدي مع وقف الديانة التركي، ومنظمة “آفاد”، و”الهلال الأحمر التركي”، للحصول على معلومات حول هذه المشاريع السكنية، إلا أن تلك الجهات رفضت الإدلاء بأي تصريحات أو التعليق على الموضوع، وطلبوا من عنب بلدي البحث عن مصادر أخرى للحصول على المعلومات.
بينما تواصلت عنب بلدي مع المكتب الإعلامي لمنظمة “İHH”، الذي قال إن الأراضي التي بُنيت فيها المشاريع السكنية في وقت سابق أو حاليًا “لم يتم شراؤها أو استئجارها”.
تتعدد أنواع ملكية الأراضي في مناطق الشمال السوري، بين أراضٍ خاصة تتبع ملكيتها للأفراد، وأراضٍ مشاع، وأراضٍ تعود ملكيتها إلى الدولة ضمن الأملاك العامة.
وتُشرف بعض المنظمات التركية على بناء المشاريع السكنية بدعم وتمويل من منظمات أجنبية، منها “قطر الخيرية”، التي تعمل حاليًا في منطقة اعزاز بريف حلب الشمالي، على إنشاء مشروع لها بالتعاون مع “İHH” التركية، تحت مسمى “مدينة الأمل”.
وبحسب ما قاله مدير مكتب منظمة “قطر الخيرية” في تركيا، محمد واحي، في حديث إلى عنب بلدي، فإن هناك “تنسيقًا مسبقًا” قبل البدء بأي مشروع سكني، وهذا التنسيق يكون بين المجلس المحلي والحكومة التركية لاختيار الأرض التي ستُستخدم لبناء منازل “الطوب”، بالإضافة إلى المنشآت والمرافق الخدمية الأخرى التابعة للمشروع.
“هناك جهد مبذول بشكل كبير مع السلطات المحلية والحكومة التركية لاختيار الأرض لضمان عدم مواجهة أي تحديات لوجستية في أثناء تنفيذ المشروع”، وفق ما قاله واحي.
ويقع المشروع بالتحديد في ناحية صوران بالقرب من قرية التوقلي، المتاخمة للحدود السورية- التركية، بالقرب من معبر “باب السلامة”.
وأشار واحي إلى أن الأرض المستخدمة في هذا المشروع الحالي، قُدمت لهم من قبل المجلس المحلي في المدينة، الذي بدوره اختار هذه الأرض بالذات لكونها تابعة لملكية عامة.
مَن يضمن قانونية المجمعات السكنية
بحسب تقرير “وحدة تنسيق الدعم”، فإن معظم ملكية أراضي المجمعات السكنية في الشمال السوري كانت أراضي عامة مملوكة للحكومة قبل إنشاء المجمعات السكنية عليها، وبعضها كانت أراضي زراعية خاصة، وهناك بعض المجمعات بُنيت على أحراج وتلال غير مملوكة لأي جهة.
وفي معظم مناطق الشمال التي سيطرت عليها قوات المعارضة السورية، جرت محاولات لإعادة تفعيل السجلات العقارية، كون السجل العقاري يشكّل المرجعية الرئيسة التي تضمن حقوق الملكية العقارية للناس في سوريا، عن طريق المديرية العامة للمصالح العقارية.
وبسبب تلك الأهمية، نشأت المديريات ودوائر السجلات العقارية البديلة في الشمال السوري، من خلال مجموعات حوكمية حاولت ملء الفراغ الإداري الذي خلّفة غياب مؤسسات الدولة.
تحدثت عنب بلدي مع مديرية السجل العقاري في مدينة اعزاز، عن آلية التنسيق مع المنظمات والجمعيات الخيرية لإنشاء التجمعات السكنية، حيث بدأت “قطر الخيرية” بتمويل مشروع “مدينة الأمل”.
قال مدير السجل العقاري في اعزاز، عدنان طه، “منذ فترة تمت مخاطبتنا بالسجل العقاري للبحث عن أراضٍ تابعة لأملاك الدولة غير مخصصة، حيث تم النقاش بأن أغلب أراضي أملاك الدولة يوجد احتمال بأن تكون من ضمن أموال الإصلاح الزراعي”.
ولهذا الأمر “تم التأكيد على البحث عن أراضٍ تابعة لأملاك الدولة غير صالحة للزراعة، أي صخرية، ولا يتم البناء عليها إلا بشرط ربط الأوراق الثبوتية وإجراء كشف والتأكد أن هذه الوحدات لن تكون على ملكية أحد”، وفق ما قاله طه.
وتبلغ مساحة المنطقة العقارية في مدينة اعزاز 1.259 كيلومتر مربع، وخرجت اعزاز عن سيطرة قوات النظام السوري عام 2012، وتم إنشاء الإدارة البديلة للسجل العقاري في 2019، بإعادة تفعيل من قبل المجلس المحلي في المدينة، وتم تمويل ودعم إعادة التفعيل من قبل المجلس في المرحلة الأولى، ولاحقًا من قبل الحكومة التركية.
“يكمن دورنا نحن فقط بالتأكد من ملكية العقارات، أما التنسيق للبناء فيكون عن طريق المجالس المحلية لكل منطقة”، وفق ما قاله طه، الذي أكد أنه “لا يتم بناء عقار في منطقة اعزاز من دون سؤال السجل العقاري”.
وتضم مديرية السجل العقاري في مدينة اعزاز، مدينة اعزاز وريفها، وصوان وريفها، وأخترين وريفها، ومارع وريفها.
و”لم يتم تسجيل المشاريع السكنية حتى الآن باسم المجلس المحلي”، بحسب طه، إلا أن “من المؤكد تسجيل ذلك بعد انتهاء المخططات المساحية والمخططات الإفرازية”، لأن “الأصح قانونيًا أن تسجل ملكية المشاريع السكنية باسم المجلس المحلي، وبعدها يتم التعامل مع المقاسم على حسب قانون الجمعيات السكنية”.
مشروعية مشروطة
من حيث المبدأ، فإن البناء على الأملاك العامة حق محصور بالدولة من خلال وزاراتها ومؤسساتها المختصة، وضمن شروط ومعايير قانونية واضحة، مثل تحقيق مصلحة عامة للمواطنين، كحل مشكلة الإسكان أو بناء مرافق عامة أو لأغراض أخرى يحددها القانون.
وإدارة مناطق الشمال السوري من قبل سلطات الأمر الواقع، وفق ما يراه المحامي الفلسطيني- السوري أيمن أبو هاشم، خلال حديث إلى عنب بلدي، “لا يعفيها من مسؤولية الالتزام بتلك الشروط والمعايير المطلوبة”، في حال استخدمت أو استغلت أو استثمرت الأملاك العامة ضمن مناطق سيطرتها.
ورغم ضرورة بناء مجمعات سكنية من الناحية المعيشية والإنسانية لحل مشكلات اللجوء، فإن “المجالس المحلية العاملة في تلك المناطق ملزمة قانونًا بأن توضح في التراخيص التي تمنحها للمنظمات وشركات البناء أنها ليست ذات طبيعة تجارية، وأنها لا تمنح المستفيدين منها حق التملك والتصرف الكامل بها، وإنما حق السكن والإشغال فقط ريثما يعودون إلى مناطقهم الأصلية التي نزحوا وهُجّروا منها”.
وهذه الشروط القانونية المشددة أرجعها المحامي لـ”منع توطين” ساكني تلك المجمعات بصورة دائمة كحل نهائي.
مراعاة المخاوف التي فرضتها عمليات التهجير القسري، لا تعني إهمال شروط السلامة والسكن اللائق التي يجب توفيرها، وهي أيضًا من واجبات المجالس المحلية والهيئات المكلفة بمنح التراخيص والبناء.
وتبقى مشروعية قرارات المجالس المحلية وأعمالها في هذا الجانب متوقفة على مدى التزامها بتلك الشروط والمحددات المطلوبة.
وفيما يخص جميع أشكال المصادرة التي تمت في مناطق الشمال السوري، بغض النظر عن المكوّنات المجتمعية السورية، فيجب “إعطاء أصحاب الأملاك المتضررين حق رفع دعاوى قضائية للطعن بقرارات المصادرة ووضع اليد، وذلك أمام جهة قضائية مستقلة ونزيهة وغير مسيّسة”، وفق ما أوصى به المحامي.
ومخاوف أي مكوّن مجتمعي من عمليات المصادرة التي طالت أراضي وعقارات يملكها الأفراد، هي “مخاوف مشروعة ويجب أخذها بعين الاعتبار”، وفق المحامي.
وبسبب توثيق تقارير حقوقية، سورية ودولية، انتهاكات طالت الملكيات العقارية في مناطق الشمال السوري من قبل فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، يرى المحامي أبو هاشم بأن تجارب المجالس المحلية “غير مشجعة حتى الآن كهيئات قادرة على حماية الأملاك العامة أو الخاصة”.
وخلال الأعوام الأخيرة، صار واضحًا “ضعف استقلالية تلك المجالس، والدور التركي في تحديد وظائفها ومهامها، وغلبة نفوذ القيادات العسكرية على الهيئات المدنية والقضائية”.
جميع تلك المخاوف والإشكاليات يقلل من الدور المطلوب للمجالس المحلية في إدارة الأملاك العامة والخاصة، وحمايتها من أشكال المصادرة والتعديات المختلفة على أصحاب الحقوف والأملاك.
وتعد هذه المشكلات من أبرز التحديات التي تواجه المجالس المحلية، ما يعني ضرورة إصلاح بنيتها وتعزيز استقلاليتها ضمن رؤية وطنية وديمقراطية، بحيث توفر لها مقومات التمثيل العادل للمجتمعات المحلية التي يفترض أنها تمثل مصالحها وتدافع عن حقوقها.
المصدر: عنب بلدي