عبد الله البشير
تبذل المنظمات الإنسانية الشريكة للأمم المتحدة جهوداً كبيرة لزيادة حجم المساعدات الأممية في ظل وضع محفوف بالمخاطر، خاصة بعد “فيتو” روسي قد يمنع وصول المساعدات إلى منطقة الشمال السوري، لكن تكرار التقليص لا ينذر بخير.
يقول النازح من ريف حماة الشمالي محمد الخليل، لـ”العربي الجديد”، إن التقليص تجاوز 75 في المائة في بعض مواد السلة الغذائية المقدمة من برنامج الأغذية العالمي، والتي كانت في البداية تحتوي على 15 كيلوغراماً من الأرز، و15 كيلوغراماً من البرغل، و6 كيلوغرامات من كل من العدس الأحمر والبازلاء والفاصولياء والحمص والسكر، و8 ليترات من الزيت النباتي، وكيلوغرام واحد من الملح، و15 كيلوغراماً من الطحين.
يوضح أن التقليص الأول جعل كميات السلة 7.5 كيلوغرامات من الأرز، و7.5 كيلوغرامات من البرغل، و6 ليترات من الزيت النباتي، و5 كيلوغرامات من العدس الأحمر، و 5 كيلوغرامات من الحمص، ومثلها من السكر، وبقي الملح والطحين على حالهما الأول، في حين أن البازيلاء وزعت مرة واحدة، ثم ألغيت لاحقاً، واختفت الفاصولياء تماماً.
وفي التخفيض الثاني، حسب خليل، قلصت كميات الأرز والبرغل مجدداً إلى 5 كيلوغرامات، وتم تقليل الزيت النباتي إلى 4 ليترات، وبقيت حصة العدس الأحمر والحمص والسكر 5 كيلوغرامات كما كانت بعد التقليص الأول، وكذلك الملح والطحين بقيا بالوزن ذاته، وأزيلت البازلاء تماماً، في حين تركز التخفيض الأخير على الزيت النباتي.
ولتخفيض قيمة السلة الغذائية تأثيرات مباشرة على النازحين. يشير محمد نجار، مدير “منظمة سداد الإنسانية”، لـ”العربي الجديد”، إلى أن تقارير الاحتياجات الإنسانية الصادرة عن الأمم المتحدة أظهرت أن 14.6 مليون سوري سيعتمدون على المساعدة خلال عام 2022، بزيادة 9 في المائة عن عام 2021، و32 في المائة عن 2020، وأن 90 في المائة من السوريين تحت خط الفقر، ويعاني 60 في المائة منهم من انعدام الأمن الغذائي، وخصص برنامج الأغذية العالمي سلالاً غذائية لنحو 50 ألف شخص في مناطق محافظة إدلب، لتحسين مستوى الأمن الغذائي للأسر، وبالتالي فإن تخفيض حجم السلال يؤثر سلباً على المستفيدين.
ويلفت نجار إلى أن حجم السلة الغذائية مهم للعائلات، وفي شهر إبريل/ نيسان حين أزيلت علبة زيت دوار الشمس، حرم المستفيدون من 1700 سعرة حرارية، وتفاقمت أزمة عدم كفاية الطعام، موضحاً أن أهم أسباب التخفيض حسب برنامج الأمن الغذائي العالمي هو انتشار فيروس كورونا، وتقييد وصول السلع عالمياً، لكن التقليص تزامن مع التضخم وارتفاع الأسعار العالمي، وخاصة في الربع الرابع من عام 2021 والربع الأول من 2022، إذ ارتفعت الأسعار في سورية ما يقارب 24 في المائة.
ويؤكد نجار أن أهم أسباب التخفيض هو آلية التمويل، لا رؤية البرنامج. في كل عام، وقبل تجديد قرار مجلس الأمن بوصول المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سورية، ومع استخدام روسيا حق النقض (فيتو) لمنع التجديد، تزداد مخاوف نقص التمويل لدى المنظمات الشريكة، وخاصة المحلية، وبالتالي انخفاض حجم المساعدات الغذائية، وقد انخفضت المساعدات الإنسانية 30 في المائة خلال عام 2021 مقارنة بعام 2020، وهناك دعوات حثيثة لزيادة التمويل، وخصوصاً من مؤتمر بروكسل للمانحين، الذي أثمر تعهدات بقيمة 6.8 مليارات دولار لمساعدة الشعب السوري.
ومن بين التوصيات التي تركز عليها المنظمات الإنسانية المحلية، عدم ربط قرار المساعدات الإنسانية بالأوضاع السياسية والعسكرية، لأن هذه المساعدات حق مكتسب أثناء النزاعات والحروب والكوارث، فضلاً عن وجوب توحيد جهود المنظمات، المحلية والدولية، في الحشد والمناصرة لإيصال صوت المنكوبين في سورية، ودعم تلك العمليات بتوثيق من الميدان يوضح حجم المعاناة، والكارثة المتوقعة في حال عدم توفر المساعدات الغذائية.
ويشير إلى عدد من الحلول للأزمة، من بينها توفير بدائل عن المساعدات الغذائية تشمل قسائم نقدية، أو فرص عمل للمستفيدين، ودعم المشاريع المدرة للدخل، وتأمين فرص توفر الدخل من خلال برامج تأهيل وتدريب، بالإضافة لدعم المشاريع الصغيرة بمنح أو قروض غير مستردة لإنعاش السوق، والعمل على تأهيل البنية التحتية والمرافق العامة والطرق والأسواق، وتحسين بيئة الاستثمار.
ويقول مدير “فريق منسقو استجابة سورية” محمد حلاج، لـ”العربي الجديد”، إن التخفيض الأخير في حجم السلة الغذائية هو الرابع، وحدث التخفيض الأول في سنة 2020، كما حصل تخفيضان في 2021، وسابقاً كان النازحون يلجأون إلى بيع جزء من المساعدات الممنوحة لهم لتأمين بعض الحاجيات الأساسية، وفي مقدمتها الدواء، لكن مع تكرار التخفيضات، أصبح النازح مضطراً لبيع جزء أقل، ما يؤثر على قدرته على تأمين متطلباته.
وفي ما يتعلق بزيادة الاستجابة الإنسانية في المنطقة، يؤكد حلاج أن “مؤتمر بروكسل كان مخيباً للآمال، فغالبية التعهدات من المانحين لا يُلتزم بها، وتعهدات مؤتمر بروكسل الخامس جرى تنفيذ 60 في المائة فقط منها، بينما تقول الجهات المانحة إنها نفذت 73 في المائة، وهذا يؤدي إلى فجوة كبيرة في الاستجابة الإنسانية، ويتطلب اللجوء إلى وسائل بديلة لزيادة المساعدات الإنسانية التي يحتاجها سكان المنطقة، كما أن هناك تأثيرات بعيدة الأمد لا يمكن أن تتوقف عند تقليص السلة الغذائية”.
يضيف حلاج: “هناك توجه من برنامج الأغذية العالمي إلى اعتماد قسائم الشراء، وتجرى دراسة استبدال السلة الغذائية بمبلغ مالي محدد يمكّن المستفيد من الحصول على المواد الغذائية المطلوبة من متاجر يتم التعاقد معها عن طريق الشركاء، ونحن نطالب بتنفيذ هذه الفكرة منذ مدة طويلة، رغم أنها قد تواجه العديد من المشاكل، لكن يمكن مع الوقت التغلب عليها، ومنها مشاكل الاحتكار من قبل التجار، أو رفع أسعار المواد، أو إخفاء المواد التي يحتاجها الناس، والتلاعب بجودتها، لكن التأثير الأكبر سيكون على الحالات الخاصة والمستضعفة، والتي لا يمكن إعطاؤها قسيمة شراء، فهذه الفئات بحاجة إلى دعم دائم بسلة غذائية”.
ويتابع: “الخوف الأكبر هو عدم تمديد قرار مجلس الأمن 2585، وإذا لم يكن هناك تمديد فستكون هناك أزمة كبيرة. الولايات المتحدة أعلنت عن التبرع بمبلغ 800 مليون دولار، وهذا المبلغ لن يذهب بشكل كامل إلى برامج الأمم المتحدة، بل سيذهب قسم للمنظمات الأميركية العاملة على الأرض، ومنها (ميرسي يو إس إيه)، و(ميرسي كورفس)، وألمانيا تبرعت بنحو مليار و300 مليون يورو، وسيذهب القسم الأكبر منها للمؤسسة الألمانية للتعاون الدولي GIZ، والبقية لبرنامج الأمم المتحدة، وبمقارنة الأرقام، سنرى فجوة هائلة بين التمويل الذي مُنح للأمم المتحدة، والأرقام المتاحة للمساعدات الأممية على أرض الواقع”.
ويواصل حلاج: “قد يكون الوضع كارثياً في المستقبل، كون التحذيرات من حدوث المجاعة على المدى الطويل جدية للغاية في حال لم يُمدد القرار 2585، كما يفاقم ذلك إغلاق المعابر، وارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل متكرر، وأغلب الناس في المنطقة هم عمال مياومون بأجر ما بين 50 إلى 60 ليرة تركية (3 دولارات تقريباً)، بمعدل وسطي في الشهر 2000 ليرة تركية (120 دولاراً)، وهذا سيحدث فجوة بين المتوفر في السوق وما يمكن للناس الحصول عليه، ولتخفيض الحصص الغذائية دور في هذا أيضاً في الوقت الحالي، كما أن هناك زيادة في أعداد المحتاجين بسبب عوامل أبرزها انتشار فيروس كورونا، وارتفاع الأسعار عالمياً، وهذه العوامل مجتمعة يمكن أن تدخل البلاد إلى مجاعة على المدى البعيد”.
ويقول حلاج إن “الفترة القادمة صعبة بكل ما تعنيه الكلمة، خاصة إذا طُبِّق برنامج العودة الطوعية للسوريين من تركيا، فهناك مليون شخص سيعودون إلى المنطقة، مع العلم أن هناك صعوبة بالغة في إيصال المساعدات إلى مناطق (درع الفرات) و(غصن الزيتون)، وإذا ما أُضيف مليون شخص إلى المحتاجين للمساعدات، فإن المنظمات ستعيش أزمة كارثية، إذ ليست لديها القدرة على التغطية”.
المصدر: العربي الجديد